كثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي مساعيه الرامية للالتفاف على لجنة التحقيق الرسمية، في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في عدوانها الصيف الماضي على قطاع غزة، عبر إعلان المدعي العسكري الإسرائيلي، داني عفروني، أنه "أوعز للنيابة العسكرية التحقيق في ثلاث جرائم وقعت خلال الحرب على غزة". وجاء إعلان عفروني في الوقت الذي قرّر فيه عدم فتح تحقيق جنائي في جريمة مقتل 15 فلسطينياً مدنياً، نتيجة لقصف برج السلام، كما لم يفتح قضية مقتل ثمانية من أفراد عائلة النجار، مغلقاً التحقيق أيضاً في جريمة قتل أربعة أطفال فلسطينيين، بحجة أن "الجنود لم يروا الأطفال عند إطلاق النار".
وجاء إعلان المدعي العسكري الإسرائيلي، مع اقتراب تسليم إسرائيل والسلطة الفلسطينية، النسخة الأولى من تقرير لجنة التحقيق الدولية في جرائم الحرب في غزة، الأسبوع المقبل، قبل نشره رسمياً في 29 يونيو/حزيران الحالي.
اقرأ أيضاً: غزّة التي لا تهدأ
وتحاول إسرائيل الاعتماد على هذا المبدأ، وتصوير تحقيقاتها في الجرائم التي ارتكبها جنودها، بأنها كانت حقيقية ونزيهة، في الوقت الذي تبيّن فيه حتى وسائل الإعلام، أن "الجيش الإسرائيلي والقضاء أغلقا أكثر من 90 في المائة من الملفات التي أُعلن عن التحقيق فيها بدعاوى مختلفة، أهمها عدم وجود سبب لفتح تحقيق جنائي لارتكاب جريمة حرب". كما أُعلن رسمياً عن تقديم لائحة اتهام رسمية واحدة، ضد جنودٍ بعد اتهامهم بسرقة أموال ونهب بيوت فلسطينيين في غزة خلال الحرب.
ولعلّ أكثر ما يوضح حقيقة المساعي الإسرائيلية، هو رفض الاحتلال لغاية الآن، الإعلان عن التحقيق في جرائمه، في يوم "الجمعة الأسود"، عندما قَتَلَ عشرات الفلسطينيين في رفح، أثناء تنفيذه بروتوكول "هانيبال" لمنع قوات المقاومة من الفرار، بعد تمكّنهم من اختطاف ضابط إسرائيلي مطلع أغسطس/آب الماضي، قبل ساعات من سريان وقف إطلاق نار إنساني أُعلن عنه قبل يوم واحد.
وذكر موقع "يديعوت أحرونوت" في هذا السياق، أن "الرأي السائد في صفوف قادة الجيش، يقضي بمنع فتح أي تحقيق جنائي في أحداث يوم الجمعة الأسود"، خوفاً من ردود الفعل الإسرائيلية. مع العلم أن قادة النيابة العسكرية في جيش الاحتلال، أكدوا وفقاً لـ "يديعوت أحرونوت"، أن "من شأن التحقيقات الجنائية التي تقوم بها الشرطة العسكرية في هذا السياق، وعمليات الفحص الأساسية لطاقم هيئة الأركان الذي شُكّل خصيصاً لهذه الغاية، أن يُشكّل ردّاً مهماً، من وجهة نظر القانون الدولي، ضد الادعاءات المُوجّهة لإسرائيل في الهيئات والمؤسسات الدولية، وعلى رأسها لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في جرائم إسرائيل في عدوان الجرف الصامد".
وأقرّ مصدر في الجيش الإسرائيلي في حديث مع "يديعوت أحرونوت"، بأن "عملية التحقيق ضرورية، باعتبارها الدرع الواقي الأخير لجنود جيش الاحتلال وقادته العسكريين، في مواجهة الهيئات القضائية الأجنبية، وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب في لاهاي".
ويشير المصدر إلى أنه "وفقاً لمبدأ التكامل، فإن الهيئات القضائية لن تمارس صلاحياتها القضائية (محاكمة الجنود الإسرائيليين) إذا قامت المؤسسات القضائية في إسرائيل بعمليات تحقيق وإجراءات قضائية مستقلة ومن دون تأخير. وفي هذا السياق، فإن الانتقادات المُوجّهة للنيابة العسكرية الإسرائيلية، ومحاولات تقييد حركتها، هي بمثابة إطلاق النار على أرجلنا بأنفسنا". وأوضح أن "أي ادعاءات عن وقوع جرائم أو مخالفات جادّة لا تقوم إسرائيل بالتحقيق فيها، يعني تحوّل التحقيق إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".
ويعني ذلك تبرئة عشرات ومئات الجنود والقادة العسكريين، الذين تورّطوا في جرائم الحرب في غزة، بعد إصدار نتائج التحقيقات الإسرائيلية، التي لن تكون مغايرة لما أعلن عنه لغاية الآن، من اتخاذ قرارات بعدم فتح تحقيقات جنائية تحت ذرائع مختلفة، يتم إيرادها للتخفيف وطمس حقيقة الجرائم واعتبارها "حوادث مؤسفة" في أحسن الحالات، إن لم يكن اختزال الجرائم إلى "مخالفات خطيرة" لتعليمات إطلاق النيران، أو "عدم فهم للأوامر" أو العمل تحت "إحساس من الخطر الشديد" من دون الوصول بأي حال من الأحوال إلى تصنيفها تحت خانة "جرائم حرب".
وترى الجهات الإسرائيلية أن رئيسة لجنة التحقيق الدولية، ماري ديفيس، التي حلت مكان الكندي وليام شاباس (الذي عُيّن بداية رئيساً للجنة، ثم استقال بعد ضغوط إسرائيلية)، تحمل مواقف "متزنة" تجاه إسرائيل. إلا أن إسرائيل ليست متفائلة من التقرير المرتقب حول الحرب في غزة، خصوصاً أن كتاب تشكيل اللجنة حدد مهامها في التحقيق في جرائم الحرب، التي ارتكبتها إسرائيل في غزة. مع ذلك فإن إسرائيل تتوقع على الرغم من ذلك أن يكون تقرير اللجنة أقل حدة من تقرير لجنة غولدستون، التي أدانت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في عدوانها ضد غزة في العام 2008.
اقرأ أيضاً: "حماس" تنفي ادعاءات إسرائيل التحاور معها