استقر الفلسطيني محمود إسماعيل في مخيم شاتيلا، بعدما تنقل بين مخيمات عدة. وما زال يذكر تفاصيل خروجه من فلسطين
هل ما زال من أمل بالعودة إلى فلسطين؟ هل ما زالت البيادر تنتظر أهلها الذين اضطروا إلى الرحيل عنها؟ يحكي الحاج محمود إسماعيل، المولود في بلدة كفرعنان في فلسطين، قصة لجوئه. حالياً، يعيش في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت. كان في الثالثة عشرة من عمره عندما هاجمهم الصهاينة، لتبدأ قصة اللجوء. يقول: "كنا فلّاحين نعمل في الأرض ونعيش من خيراتها. كنت أذهب إلى المدرسة، وتركتها بعدما أنهيت الصف الرابع ابتدائي". يضيف: "حين دخل الصهاينة علينا، كان جيش الإنقاذ قد طلب منّا الهرب والاختباء تحت أشجار الزيتون. بعد قليل، نادى علينا: انسحاب انسحاب. عندما عدنا إلى البيت، لم نجد الحيوانات. ذبح جيش الإنقاذ الدجاج والخراف والأبقار. بعدها، شعرنا أن الصهاينة قد أقاموا طوقاً حول البلد، وجمعوا الناس بحسب أعمارهم. وضعوا كبار السن في مجموعة، والنساء والأطفال في مجموعة أخرى. النساء وضعن تحت شجرات الزيتون، وكان والدي شاباً حينها. اختبأ بين النساء، وما هي إلا لحظات حتى وصلت قافلة إسرائيلية فيها جمع كبير من الناس كانوا قد أتوا بهم من بلدة اسمها سخنين. نزل من كان محمولاً في القافلة، وجلسوا مع أهل بلدتنا. كان بين الجمع فتاة ترتدي بنطالاً قصيراً. سألها أحدهم: إلى أين ستأخذوننا؟ قالت: الملك عبد الله".
جدّتي لأمي كانت تحمل معها بعض النقود في صرة. "قالت لي: خبئ هذه النقود معك. ثمّ عادت وطالبتني بها، لتدفنها في الأرض. بعدها، سحبوا نحو 35 شاباً، وأوقفوهم تحت زيتونة، وأطلقوا النار عليهم حتى أردوهم شهداء". يتابع: "بعد كل ما رأيناه، تركنا البلد وتوجهنا إلى لبنان حتى وصلنا إلى بلدة رميش. لكن قبل أن نصل إلى لبنان، عادت جدتي وأمي إلى البلد، لتلقى جدتي حتفها هناك. تابعنا طريقنا حتى وصلنا إلى بلدة رميش (جنوب لبنان). حينها، شاهدنا جمعاً كبيراً من الناس كانوا قد وصلوا قبلنا. كدنا نموت من العطش، قبل أن يمنحنا رجل المياه من بئره. بقينا هناك بعض الوقت، ثم توجهنا إلى منطقة بنت جبيل وجلسنا في الجامع. كانت أمي قد أحضرت معها القليل من الطحين وعجنته وخبزته على الصاج. كما أحضر لنا عمي بعض الفرش. لكن عمي عاد إلى فلسطين وعاش حياته فيها إلى أن توفي".
بعدها، "نقلنا إلى مخيم برج الشمالي، ثم إلى عنجر في البقاع. مكثنا في المكان الذي كان يسكنه الأرمن. بقينا هناك بعض الوقت، ثم انتقلنا إلى مخيم نهر البارد (شمال لبنان)، إلى أن حطت رحالنا في مخيم شاتيلا. في ذلك الوقت، كان والدي يعمل، وكنت أساعده وقد عملت في محطة للوقود لمدة عشرين عاماً. تزوجت وأنجبت ست بنات، وستة شباب، وما زلت أعيش في هذا المخيم. بعدما كبرت في السن، تركت العمل. حالياً، أبيع الخضار وغيرها من المواد الغذائية. المحل ملك لي ودخلي في اليوم الواحد نحو خمسة عشرة ألف ليرة لبنانية (عشرة دولارات)".