09 نوفمبر 2024
محمود عباس.. ماذا تفعل؟
لم تشهد القضية الفلسطينية يوماً هذا الكمّ من الاضطهاد من "أهل البيت"، كما تشهده في السنوات الأخيرة. كلمات الرئيس الفلسطيني محمود عباس تشرح تماماً مآل ما وصل إليه الفلسطينيون من تراجعٍ في القيادة إلى حدّ الاستسلام الكلّي. يقول عباس: "أريد أن ألتقي بجيل الشباب في إسرائيل، الجيل الذي نعمل هذه الأيام من أجل مستقبله، من أجل أن يعيش في أمن واستقرار في هذه المنطقة وفي هذا العالم". قرّر الرئيس الفلسطيني فجأة أن "يهتم بشباب إسرائيل". ربما عليه النظر قليلاً إلى الأحياء المجاورة لرام الله في الضفة الغربية المحتلّة، كي لا نقول غزّة، لمعرفة أي شبابٍ يجب العمل من أجله. هؤلاء الذين يسقطون في المواجهات اليومية والأسبوعية، أم الذين يتنعّمون برفاهية المستوطنات؟
ثمّ، أراد عباس تقديم هديةٍ، لم يكن يحلم بها الجيل الأول من الإسرائيليين في فلسطين، خصوصاً ديفيد بن غوريون وآرييل شارون وغولدا مائير، فقد رأى أنه "في قضية اللاجئين، الدعاية والبروباغاندا تقولان إن أبو مازن يريد أن يعيد إلى إسرائيل خمسة ملايين لاجئ ليدمر دولة اسرائيل، لم يحصل هذا الكلام إطلاقاً. وكل الذي قلناه تعالوا نضع ملف اللاجئين على الطاولة، لكن لا نسعى أن نغرق ‘سرائيل بالملايين، لنغيّر تركيبتها الاجتماعية، هذا كلام هراء". حسناً، لنقف قليلاً هنا. "الهراء" الذي قاتل من أجله عشرات الآلاف منذ 1948 و1967 وانتفاضة (1987 ـ 1993) وانتفاضة (2000 ـ 2005)، واغتيل المئات بسببه في كل أصقاع العالم، عدا عن الاعتداءات وسنوات العدوان على غزة، لا يستحق أن يكون لديه شخص اسمه محمود عباس، نشعر معه وكأنه مسؤول أممي "ينظّر" لسلامٍ غير عادل، فقط لأنه "واقعي". للواقعية أصولها، حتى لو ضمن سياق "حلّ الدولتين". ربما لا يهتم عباس سوى بحديقته الخلفية في منزله، أو قصره، في رام الله. هل يهتم حقاً برواتب الموظفين في قطاع غزة؟ طبعاً لا. غزة ليست فلسطين في وجدانه الداخلي، أو واقعيته غير الموزونة.
الأهم أن الرجل قرّر التحدث للعقل الأمني الإسرائيلي قائلاً إن "إسرائيل حسّاسة جداً تجاه الأمن. صحيحٌ هذا ونقدّره، ونقدّر أن إسرائيل خائفة من المستقبل ومن التطرّف، لنأت بطرف ثالث ليجلس بأرضنا ليحمي الأمن في المنطقة لنا ولإسرائيل. ورضينا أن يكون حلف شمال الأطلسي". ما على بن غوريون سوى التقلّب سعيداً في قبره. يرى عباس أن إسرائيل تخشى من التطرّف، فيما أساساً هي من صنعته. لا يمكنك وضع أشخاصٍ في بؤر ومناطق معزولة وفقيرة، من دون الإدراك أن التطرّف سيكون خلاصةً طبيعية للفقر. لا يمكنك عزل الفلسطينيين وإفقارهم ومنع عمل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وتضييقه. وحين ينتفضون، تقول: "هؤلاء من داعش" أو أي تنظيم متشدّد. في هذه الحالة، ماذا يمكن القول عن الحركات التحرّرية في أميركا الجنوبية وأفريقيا وفيتنام؟
خطيئة محمود عباس أنه يرى نفسه من دون خطيئة. أساساً إذا كنت غير قادرٍ على الخروج بقرارٍ سليم، أو المحافظة على ديمومة المقاومة السياسية، بالتوازي مع المقاومة العسكرية، لفرض شروطك على محتلٍ، عليك الاستقالة والخروج من الكادر، وترك الساحة لمتحفزين كثيرين. عملياً، ما فعله عباس، هو إفراغ كل حركات المقاومة في الضفة، وفي السلطة الفلسطينية، والتهويل مراراً، سواء بنفسه أو عبر معاونيه، أنه سيلقي "خطاباتٍ طنّانة رنانة"، فيما الواقع يؤكد أن بضعة شبّانٍ يقاتلون وحدهم كل أسبوع على تخوم مناطقهم وبلداتهم في الضفة، أي تحت عينيه. مشكلة عباس أنه يتصرّف وكأنه "رجل حكيم". يريد تقاعداً مريحاً له. تعب من فكرة "الحرب الدائمة". وبنى كل شيءٍ حول شخصه، ناسياً أن الفلسطينيين لم يتعبوا بقدره، وقادرون على فرض شروطهم، به أو بغيره. ربما بات لزاماً على عباس أن يتنحّى الآن، كي لا يتحوّل عدوا لشعبه.
الأهم أن الرجل قرّر التحدث للعقل الأمني الإسرائيلي قائلاً إن "إسرائيل حسّاسة جداً تجاه الأمن. صحيحٌ هذا ونقدّره، ونقدّر أن إسرائيل خائفة من المستقبل ومن التطرّف، لنأت بطرف ثالث ليجلس بأرضنا ليحمي الأمن في المنطقة لنا ولإسرائيل. ورضينا أن يكون حلف شمال الأطلسي". ما على بن غوريون سوى التقلّب سعيداً في قبره. يرى عباس أن إسرائيل تخشى من التطرّف، فيما أساساً هي من صنعته. لا يمكنك وضع أشخاصٍ في بؤر ومناطق معزولة وفقيرة، من دون الإدراك أن التطرّف سيكون خلاصةً طبيعية للفقر. لا يمكنك عزل الفلسطينيين وإفقارهم ومنع عمل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وتضييقه. وحين ينتفضون، تقول: "هؤلاء من داعش" أو أي تنظيم متشدّد. في هذه الحالة، ماذا يمكن القول عن الحركات التحرّرية في أميركا الجنوبية وأفريقيا وفيتنام؟
خطيئة محمود عباس أنه يرى نفسه من دون خطيئة. أساساً إذا كنت غير قادرٍ على الخروج بقرارٍ سليم، أو المحافظة على ديمومة المقاومة السياسية، بالتوازي مع المقاومة العسكرية، لفرض شروطك على محتلٍ، عليك الاستقالة والخروج من الكادر، وترك الساحة لمتحفزين كثيرين. عملياً، ما فعله عباس، هو إفراغ كل حركات المقاومة في الضفة، وفي السلطة الفلسطينية، والتهويل مراراً، سواء بنفسه أو عبر معاونيه، أنه سيلقي "خطاباتٍ طنّانة رنانة"، فيما الواقع يؤكد أن بضعة شبّانٍ يقاتلون وحدهم كل أسبوع على تخوم مناطقهم وبلداتهم في الضفة، أي تحت عينيه. مشكلة عباس أنه يتصرّف وكأنه "رجل حكيم". يريد تقاعداً مريحاً له. تعب من فكرة "الحرب الدائمة". وبنى كل شيءٍ حول شخصه، ناسياً أن الفلسطينيين لم يتعبوا بقدره، وقادرون على فرض شروطهم، به أو بغيره. ربما بات لزاماً على عباس أن يتنحّى الآن، كي لا يتحوّل عدوا لشعبه.