03 أكتوبر 2024
مخاطر جدّية تواجه الأردن
المخاطر التي يتعرّض لها الأردن، هذه الأيام، في منتهى الجدية، وربما تكون الأكثر خطورةً، منذ سنوات طويلة، فهو في ضائقةٍ ماليةٍ غير مسبوقة، اقتضت اتخاذ إجراءاتٍ اقتصاديةً بالغة القسوة على المواطنين، في وقتٍ يعانون فيها أصلاً من أوضاع اقتصادية صعبة، كما تتهدّده مخاطر أمنية جدّية، قادمة من الخارج، كونه يقع في منطقةٍ ملتهبة، تحيط به النيران من كل جانب تقريباً.
تقتضي مثل هذه الأوضاع التي سبق وتغلب الأردن على ظروف تشابهها الانتباه جيداً للصف الداخلي، لإعادة "ترميمه" وفق رؤيةٍ جديدةٍ تستلهم قيم السلم والأمن المجتمعي، والتصالح مع الذات، لا التناقض معها، ومقاتلتها وجلدها. وفي النهاية "أنسنة" الرؤى التي تتبناها الدولة، في سياق التعامل مع مواطنيها، وهم المطلوب منهم أن يكونوا خط الدفاع الخلفي عن أمن البلد، والرديف الجاهز لإسناد أجهزة الأمن المختلفة، لإمدادها بما تحتاج من روحٍ معنوية وثّابة، ودعم نفسي ولوجستي أيضاً، كي تبقى في كامل جاهزيتها لمواجهة أي أخطارٍ "إرهابية" محتملة. ويحتاج هذا كله إلى أن تشيع روح جديدة في المجتمع، تصالحية، بعيدة عن أي مشاعر أو رواسب من أيام الربيع العربي، وذكرياته "السيئة" التي جعلت بعضهم يتصرّف بنوعٍ من الثأر والرغبة في العقاب بأثر رجعي، لتصفية حساباتٍ قديمة، يفترض أن الزمن تجاوزها. وفي السياق نفسه، نفهم تصريحات رئيس الحكومة الأردنية، هاني الملقي، بشأن دائرة المتابعة والتفتيش التي تحول دورها، في بعض تجلياته، من الحفاظ على حقوق أبناء فلسطين، ودعمهم للثبات في أرضهم، إلى دائرةٍ لتعذيبهم وزرع بذور الشقاق والتخريب بين أبناء الشعب الواحد.
وهنا، لا بد من وقفة قصيرة، حيث جرى جدلٌ ساخنٌ أشبه ما يكون بحوار الطرشان، حيث فهم بعضهم أن هناك نية لإلغاء دائرة المتابعة والتفتيش، وعدّوا هذا الأمر غير الموجود أصلاً وكأنه يأتي في سياق "مؤامرة الوطن البديل" (!). والحقيقة أن ما جرى هو نوع من إعادة الأمور إلى نصابها فقط، فقد أعلن مدير عام دائرة الأحوال المدنية والجوازات، مروان قطيشات، أن الدائرة قرّرت اعتماد الإجراءات التالية: كل شخص يحمل جواز سفر أردني، وله رقم وطني، وحاصل على بطاقة شخصية، يتم تجديد وثائقه وإنجاز معاملاته حصراً في دائرة الأحوال المدنية والجوازات، من دون أي إجراءاتٍ أخرى، وخصوصاً المواطنين الذين يحملون بطاقات جسور صفراء، فيتم إنجاز معاملاتهم وتجديد وثائقهم في الدائرة، ومن دون الحاجة إلى مراجعة أي دائرة أخرى . وهذا يعني "تقليص" نفوذ الدائرة إياها، التي كانت صاحبة يد طولى في تجديد وثائق أي مواطن من أصول فلسطينية أو عدم تجديدها، بغض النظر عن حمله بطاقة جسور. وأحسب أن تنفيذ مثل هذا الإجراء الذي أعلن عنه قطيشات سيسهم في إعادة اللحمة للجبهة الداخلية، وعودة بعض رؤوس الأموال إلى الأردن، خصوصاً التي يملكها هذا النوع من المواطنين الذين بعثت إجراءات المتابعة والتفتيش الهلع في صفوفهم، فآثروا الهروب بأموالهم إلى الخارج، ما سبّب نكسةً كبرى للاقتصاد.
أما على الصعيد الاقتصادي، فالمطلوب ليس حلاً سحرياً لمشكلاتٍ متقادمةٍ ومتراكمة من عقود
طويلة، بل شيء واحد وبسيط جداً، هو أن لا يظل المواطن هو الطرف الأضعف، كلما تأزمت الأمور، وخلَت الخزينة، بمد اليد إلى جيبه، حتى إذا فرغت، "خلعت" اليد الجيبة نفسها.
المطلوب أن تتحمّل أجهزة الدولة كلها العبء، وأن يتوزّع على الجميع بعدالة، فلا يُعقل أن يبقى الوزراء وكبار الموظفين، في الأجهزة الحكومية كافة، يتقلبون في نعيم و"بحبحة"، على حساب جوع المواطن وفقره. إذ لم يشعر المواطن العادي، حتى الآن، أن الأزمة الاقتصادية وصلت إلى الأجهزة الرسمية، فهي تصرف من سعة، وكأن الدنيا قمرة وربيع. ولكن، حينما يتعلق الأمر بالمواطن، وما عليه من "واجباتٍ وطنية" فمطلوب منه أن يخرج اللقمة من أفواه أطفاله، ليطعمها لمعالي الوزير أو عطوفة المدير، أو سعادة السفير، وقد يشعر معاليه أو عطوفته أو سعادته بالتقزّز من هذه اللقمة، فيطعمها لكلب المدام الذي قد "يعافها" هو الآخر، فتستقر في سلة مهملاتهم.
ومن الأخطار الأخرى التي تحتاج للحزم في مواجهتها، هذا الجدل المقيت بين ما يُسمون لبراليين وعلمانيين، وإسلاميين أو محافظين، خصوصاً بعض استثمار الطرف الأول الأجواء السائدة ضد التطرف والإرهاب وشطط موجات التكفير، للنيل من عقيدة الناس والتعدّي على مشاعرهم الدينية مباشرةً، بدعوى محاربة "الدعوشة".
ما يغيب عن فريقيْ تقاذف التهم، في كل بلاد العالم الثالث، أن الاستبداد السياسي نفسه المتحالف مع الاستبداد الديني المُدجن، هو المسؤول عن كل شيء، فهو حيناً يقرب التيار الإسلامي لضرب اليسار، وحيناً يفعل العكس، وإذا ما هدأت الأمور، افتعل ما يجب تشديد القبضة وخنق الشعب، والشعب راضٍ، ومبسوط، باعتبار أن مصادرة حريته واجب وطني، علماً أن الاستبداد عموماً حيثما وجد يشبه الرجل المزواج، ينام كل ليلةٍ مع "محظية" من محظياته، حتى إذا ملّ من إحداهن أحالها إلى التقاعد، أو فصلها من الخدمة نهائياً، والمشكل هنا أن المشهد بحاجة لشهرزاد ودهائها، للانتقام لبنات "جنسها" من شهريار، ونزواته.
... الأردن أمام أخطار جدّية، سببها ظروف إقليمية ودولية، وسياسات ومواقف كلفت البلد ثمناً باهظاً، يبدو أنه أزف أوان سدادها، والأمر يقتضي الوقوف صفاً واحداً لحماية هذا البلد، والحفاظ على أهله، وهذه مسؤولية جماعية، لا يُستثنى منها أحد.
وهنا، لا بد من وقفة قصيرة، حيث جرى جدلٌ ساخنٌ أشبه ما يكون بحوار الطرشان، حيث فهم بعضهم أن هناك نية لإلغاء دائرة المتابعة والتفتيش، وعدّوا هذا الأمر غير الموجود أصلاً وكأنه يأتي في سياق "مؤامرة الوطن البديل" (!). والحقيقة أن ما جرى هو نوع من إعادة الأمور إلى نصابها فقط، فقد أعلن مدير عام دائرة الأحوال المدنية والجوازات، مروان قطيشات، أن الدائرة قرّرت اعتماد الإجراءات التالية: كل شخص يحمل جواز سفر أردني، وله رقم وطني، وحاصل على بطاقة شخصية، يتم تجديد وثائقه وإنجاز معاملاته حصراً في دائرة الأحوال المدنية والجوازات، من دون أي إجراءاتٍ أخرى، وخصوصاً المواطنين الذين يحملون بطاقات جسور صفراء، فيتم إنجاز معاملاتهم وتجديد وثائقهم في الدائرة، ومن دون الحاجة إلى مراجعة أي دائرة أخرى . وهذا يعني "تقليص" نفوذ الدائرة إياها، التي كانت صاحبة يد طولى في تجديد وثائق أي مواطن من أصول فلسطينية أو عدم تجديدها، بغض النظر عن حمله بطاقة جسور. وأحسب أن تنفيذ مثل هذا الإجراء الذي أعلن عنه قطيشات سيسهم في إعادة اللحمة للجبهة الداخلية، وعودة بعض رؤوس الأموال إلى الأردن، خصوصاً التي يملكها هذا النوع من المواطنين الذين بعثت إجراءات المتابعة والتفتيش الهلع في صفوفهم، فآثروا الهروب بأموالهم إلى الخارج، ما سبّب نكسةً كبرى للاقتصاد.
أما على الصعيد الاقتصادي، فالمطلوب ليس حلاً سحرياً لمشكلاتٍ متقادمةٍ ومتراكمة من عقود
المطلوب أن تتحمّل أجهزة الدولة كلها العبء، وأن يتوزّع على الجميع بعدالة، فلا يُعقل أن يبقى الوزراء وكبار الموظفين، في الأجهزة الحكومية كافة، يتقلبون في نعيم و"بحبحة"، على حساب جوع المواطن وفقره. إذ لم يشعر المواطن العادي، حتى الآن، أن الأزمة الاقتصادية وصلت إلى الأجهزة الرسمية، فهي تصرف من سعة، وكأن الدنيا قمرة وربيع. ولكن، حينما يتعلق الأمر بالمواطن، وما عليه من "واجباتٍ وطنية" فمطلوب منه أن يخرج اللقمة من أفواه أطفاله، ليطعمها لمعالي الوزير أو عطوفة المدير، أو سعادة السفير، وقد يشعر معاليه أو عطوفته أو سعادته بالتقزّز من هذه اللقمة، فيطعمها لكلب المدام الذي قد "يعافها" هو الآخر، فتستقر في سلة مهملاتهم.
ومن الأخطار الأخرى التي تحتاج للحزم في مواجهتها، هذا الجدل المقيت بين ما يُسمون لبراليين وعلمانيين، وإسلاميين أو محافظين، خصوصاً بعض استثمار الطرف الأول الأجواء السائدة ضد التطرف والإرهاب وشطط موجات التكفير، للنيل من عقيدة الناس والتعدّي على مشاعرهم الدينية مباشرةً، بدعوى محاربة "الدعوشة".
ما يغيب عن فريقيْ تقاذف التهم، في كل بلاد العالم الثالث، أن الاستبداد السياسي نفسه المتحالف مع الاستبداد الديني المُدجن، هو المسؤول عن كل شيء، فهو حيناً يقرب التيار الإسلامي لضرب اليسار، وحيناً يفعل العكس، وإذا ما هدأت الأمور، افتعل ما يجب تشديد القبضة وخنق الشعب، والشعب راضٍ، ومبسوط، باعتبار أن مصادرة حريته واجب وطني، علماً أن الاستبداد عموماً حيثما وجد يشبه الرجل المزواج، ينام كل ليلةٍ مع "محظية" من محظياته، حتى إذا ملّ من إحداهن أحالها إلى التقاعد، أو فصلها من الخدمة نهائياً، والمشكل هنا أن المشهد بحاجة لشهرزاد ودهائها، للانتقام لبنات "جنسها" من شهريار، ونزواته.
... الأردن أمام أخطار جدّية، سببها ظروف إقليمية ودولية، وسياسات ومواقف كلفت البلد ثمناً باهظاً، يبدو أنه أزف أوان سدادها، والأمر يقتضي الوقوف صفاً واحداً لحماية هذا البلد، والحفاظ على أهله، وهذه مسؤولية جماعية، لا يُستثنى منها أحد.