ثمة مخاوف جادة أوروبية وأميركية من فشل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، برناردينو ليون، في إنجاح حوار غدامس 2، الذي من المقرر عقده مطلع الأسبوع المقبل، بعد أن تأجّل من الثلاثاء الماضي.
ويأتي هذا التخوف بسبب التباين الواضح في وجهات النظر بين الأطراف الليبية المفترض مشاركتها في الحوار. وهو ما دفع مبعوث الأمم المتحدة إلى القول إن الحوار لا يعني أن يغيّر كل طرف من مواقفه ووجهة نظره.
كما تم طلب استبعاد شخصيات تعتبرها القوى الغربية معيقة للحوار كالقائد الميداني في قوات فجر ليبيا صلاح بادي، وقائد عملية الكرامة اللواء المتقاعد خليفة حفتر. والأخير لم يعر اهتماماً لانزعاج الدول الغربية والأمم المتحدة من الغارات الجوية على المطارات والمدن الليبية. كما تم تجاهل الإدانات الصريحة للعنف الذي تشهده رقعة شاسعة من البلاد من دون أن يحدث ذلك أي تغيير في مواقف الأطراف المتصارعة.
ورجحت بعض المصادر أن بيان مصرف ليبيا المركزي، الإثنين الماضي، عن الميزانية العامة وما تعانيه الدولة الليبية في ظل الأزمة الحالية يأتي في سياق الضغط على الأطراف للمشاركة بفاعلية في الحوار، والتحذير مما قد يتسبب به تعثر المفاوضات من أزمة مالية تضرّ بالمصالح العليا للبلاد التي تعتمد في الأساس على إنتاجها من النفط. والأخير تراجع بقدر كبير عما كان عليه بعد سقوط نظام معمر القذافي.
وكان ليون قد وضع خارطة طريق مع انطلاق الحوار في محاولة للتوافق عليها، تُفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وانسحاب التشكيلات المسلحة من المدن والمطارات، ووقف كافة أشكال العنف. وبالتوازي مع ذلك ستعقد جولات أخرى للحوار تشارك فيها المجموعات المسلحة والقبائل والأحزاب السياسية، ويستثنى منها تنظيم أنصار الشريعة المصنف من قبل مجلس الأمن الدولي "جماعة إرهابية".
وتحدث مصدر دبلوماسي غربي عن إشادة روسيا بالدور المحوري الذي تلعبه مصر في ليبيا، ورفض موسكو توجيه أي عقوبات قد تطال حفتر.
وذكر المصدر الدبلوماسي نفسه، في لقاء جمعه مع مسؤول ليبي كبير، أن جولة الحوار الحالية قد تعتبر الفرصة الأخير لليون بعد فشله في جولة الحوار الأولى التي عقدت في غدامس في التاسع والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي. وكانت الجولة قد توجّت بزيارة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إلى طرابلس، لكن ما إن غادر العاصمة حتى تجددت وتصاعدت أعمال العنف من جديد.
ويرفض مجلس نواب طبرق المنحل الحوار، لكنه لم يعلن موقفه بشكل مباشر. ووفقاً لما ذكره النائب عن بنغازي طارق الجروشي، على صفحته على "فيسبوك"، فقد عقد المجلس المنحل اجتماعاً صوّت فيه على اختيار أربعة نواب لتمثيل المجلس في الحوار، وهم النائب الأول لرئيس مجلس النواب المنحل امحمد شعيب من الزاوية وبوبكر بعيرة من بنغازي والصادق ادريس محمد من ورشفانة وصالح همة من غات.
وأشار عضو مجلس النواب المنحل إلى شروط سبعة اعتبرها غير قابلة للنقاش، وهي أن السلطة الشرعية في ليبيا هي البرلمان وحكومته المنبثقة عنه برئاسة عبد الله الثني، فضلاً عن اشتراطه "عدم الجلوس مع قادة المليشيات ومع أعضاء المؤتمر الوطني العام" الذي وصفه بالمنتهية صلاحيته. كما طلب "تسليم قادة المليشيات أنفسهم لسلطات الدولة وتسليم السلاح للدولة حسب قرار رقم 7 الصادر عن مجلس النواب". ومن بين الشروط أيضاً "التفاوض بقوة على عودة المهجرين والنازحين والمساجين من كل الليبيين بدءاً من ثورة 17 فبراير/شباط". وأخيراً اشترط أن تظل المرجعية لمجلس النواب المنحل لاتخاذ القرار في مخرجات الحوار.
ويرى محللون أن فشل "غدامس 2" لا يعني اتجاه القوى الغربية إلى التدخل العسكري، وخصوصاً أنه يتعذر حالياً هذا الأمر بسبب تورط الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين والإقليميين في الحرب على تنظيم "داعش" وعدم تحقيق نتائج ملموسة.
ولكن فشل الحوار قد يعني محاولة هذه القوى الغربية استبدال اللاعبين المحليين بآخرين أقل تشدداً في المواقف السياسية، ولا سيما لدى الطرف المؤيد للواء المتقاعد خليفة حفتر مع توقع عدم استمرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في دعم حفتر نتيجة التحديات الداخلية التي تواجه نظامه.
وسيؤدي فشل "غدامس 2" بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى فقدان الكثير من الخيارات الدبلوماسية في ظل سياسات التوازن العسكري بين طرفي الصراع حالياً.