اليوم الدراسي، الذي تحتضنه "كلية الآداب والعلوم الإنسانية" في تطوان وينظمه "مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية"، يرتقب مشاركة مجموعة من الباحثين سيتناولون، من زوايا متعدّدة، سينمائية وأدبية وبلاغية ولغوية ولسانية وفلسفية وفكرية "المداخل اللغوية والبلاغية لظاهرة التطرّف".
من الأسماء المشاركة: أحمد عبادي، ومحمد الحافظ الروسي، وعبد الرحمن بودرع، وعبد اللطيف شهبون، ومحمد عبد الواحد العسري، وأحمد هاشم الريسوني، وسعاد الناصر، وجمال الدين بنحيون، وحميد العيدوني، وعبد الهادي أمحرف؛ حيث يراجعون مقولة "التطرف"، لا من خلال أثرها السلوكي والنفسي والسوسيولوجي والسياسي، بل عبر التعمّق في حضورها في اللغة.
حسب المنظمين، يأتي الاهتمام بظاهرة لغوية "لا وصفُها، ولا بيانُ تهافتها، ولا الرد عليها، ولا بيان أصولها.."، باعتبار أن همّ البلاغي هو مقاربة التطرّف من زوايا نظره الخاصة، من قبيل "أثر التطرّف في اللغة، وفي كلام المتكلمين، وفي أثر التطرّف في الكلام من جهة صناعة العنف، والدعوة إليه، أو إخفائه، وإظهاره على غير صورته، وما يستعمل في ذلك من أدوات البلاغة وحيلها، وتفكيكه، ورفع ما تخفيه الحيل البلاغية فيه من أوهام، وكشف نسق استعاراته، وما يخفيه هذا النسق من اختزال لنظرة المتطرّف لنفسه وللآخرين، وتحليل أدوات الإقناع والتأثير في هذا الخطاب، وبيان عمود ألفاظه المستعملة، التي هي مفاتيح دعوته..".
سبق أن قدّم المترجم عبد الله بريمي كتاب "سيميائيات الأصول الدينية: خطاباتها، بلاغتها وقوتها الإقناعية" للسيميائي الإيطالي ماسيمو ليوني، وفيه عودة للأصول الدينية وما يترتّب عنها من تنام للتطرّف ومظاهره، لكن من زاوية نظر "سيميائية للأصول الدينية".
الإشارة إلى كتاب ليوني هي إشارة إلى مقولة الانتقال، في تحليل الظاهرة الدينية، إلى مقاربة تنحو إلى إنتاج معرفة علمية بظاهرة "التطرّف"، دون الانطلاق من خلفيات مسبقة، أو خطابات مكرّسة. ولعل الإشارة هنا، إلى الخطاب الموظف ضمن هذا المستوى، هو ما يفيد ندوة تطوان في الذهاب إلى استقراء مستوياته بلاغياً وهو ما يمكن أن يفيد في فهم "ظاهرة التطرّف" وبنيتها العميقة وجوهرها الداخلي.
كان السيميائي الإيطالي قد انطلق من فكرة أساسية، أن التطرّف لا يرتبط بدين محدّد ولا بلغة معينة كما هو حاضر في المتخيّل العربي والغربي. لذلك، قد يفيد هذا اليوم الدراسي في إعادة بناء تصوّرنا عن مقولة "التطرّف"، بالبحث في مستويات تمثلاتها اللسانية "وما بين الصور المستعملة في هذا الخطاب وبين ما يصاحبها من استعارات من علائق وشيجة، وما يترتّب عن ذلك من تأثير، وبيان أنواع المتلقين، وأثر هذا الخطاب من جهة البلاغة في كل نوع منهم، وعن الرموز والاستعارات وطرق صناعتها..".
إلى هذه القضايا، أو بعض منها، تتجه ندوة تطوان؛ وهي قضايا قلّما يجرى تداولها ضمن هذا المنظور. المنظمون يرون "البلاغي وحده من يستطيع أن يدرس أثر التطرّف في النص الذي ينتجه التطرف، ثم أثر النص في توسيع دائرة التطرّف، وترسيخها في النفوس والأذهان، وهو من يملك أن يسلب النص المتطرّف قوته من أهون سبيل".
فإلى أي حد يستطيع الدرس البلاغي ومنظور اليوم الدراسي، من خلال مقاربات العديد من الباحثين، أن يبلور مشروع رؤية موحّدة لمقولة التطرّف اليوم؟ في وقت يشهد العالم فيه تحولات سريعة، وترحالاً لافتاً لا للمفاهيم وحدها، بل أيضاً لنسق إنتاج هذه الأفكار وتداولها.