لا يقتصر الأمر في المشاعر التي تعقب الهزائم، أو التي تشير إلى احتمالها، على الحسرة والشعور بالفاجعة الفردية أو الجماعية، بل قد يخلق مشاعر أخرى تميل بالأفراد والجماعات للتنديد بالذات المهزومة، واعتبارها مسؤولة عن المآل.
ويعرف كل من عايش "هزيمة حزيران" في العام 1967 ما الذي أصاب المزاج الشعبي العام بعد أن تأكد الجميع من أن الجيوش العربية قد هُزمت في الحرب، فقد عمّت حالة هلع دفعت لنبش التاريخ وأخلاق الأمة للبحث فيها عما ينبئ بأن الهزيمة التي مُنيت بها الجيوش كانت كامنة في روح الأمة نفسها، أو في زمن ولادتها. راحت اللعنات تنصبُّ على الجذور والأصل والتراب الذي أنبت هذه الكائنات.
ومن المعروف أن هذا المزاج قد ظهر في أكثر من عمل أدبي، وثمة من أرّخ للرواية العربية بعد "هزيمة حزيران"، مثل شكري عزيز ماضي، حيث تتبع أصداء الهزيمة، وتجليات الرؤية الفنية والفكرية لها في النتاج الروائي العربي. ويمكن أن تكون روايتا الأردنيين تيسير السبول وأمين شنار أكثر تلك الروايات شهرة، وليستا أكثرها أهمية وجودة بالطبع، بفضل نشرهما بعد سنة الهزيمة بعام واحد، حين أصدرتها "دار النهار" بعد فوزهما بجائزتها، "أنت منذ اليوم" للسبول، و"الكابوس" لشنار.
ولعل رواية شنار أكثر الأعمال الأدبية صراحة في التعبير عن روح الفجيعة التي تحمّل الشعب والعامة المسؤولية عن الهزيمة بقدر ما تحمّلهم المسؤولية عن الاحتلال. وفي الرواية حزمة من التعابير المهينة التي ينعت الروائي بها أبناء قريته، الذين يمكن أن يكونوا كناية عن أمته.
فهي قرية البهائم، الزريبة، وهم البقر والبجم، إلى آخر ما هنالك من الشتائم المحلية. لا تملك رواية شنار صلاحية التعميم على النصوص الروائية، غير أنها يمكن أن تكون صورة عن المزاج الذي ساد بين الناس أنفسهم، فمن يشتمهم الروائي كانوا يشتمون أنفسهم كمهزومين في الواقع.
غير أن استجابة المسرح كانت مختلفة، وقد صحّح سعد الله ونّوس ميزان الفاجعة، حين أشار إلى المسؤول الأول عن تلك الهزيمة القاصمة، وهو النظام السياسي العربي في مسرحيته "حفلة سمر من أجل 5 حزيران".
كما كان كتاب صادق جلال العظم "النقد الذاتي بعد الهزيمة" محاولة أخرى لتلافي الوقوع في مزالق البكاء والتفجّع والندب، بالعمل على تحليل الأسباب الموضوعية لمثل تلك الهزيمة الكبرى التي حدثت في حزيران.
والمتتبع للحديث الشفوي المتبادل بين السوريين اليوم، لا يصعب عليه أن يتلمس حالة من الإحباط التي تفوح منها روائح العطب واليأس. ثمة شعور بضياع الأمل، وانكسار الأحلام.
ويزداد هذا كله مرارة لدى الذين آمنوا بأن تحقق الآمال بات قريباً، حين شاهدوا الجماهير الحاشدة، أداة التاريخ، تتحرك بقوة من أجل ذلك. ومن غير المعروف الآن، ما الطريق التي سوف تسير فيها الرواية والمسرح والشعر في مواجهة هذا الاستحقاق الحياتي البارز، هل تستعيد قيظ حزيران، أم تؤكد على ربيع العرب؟