من ملف إلى آخر، ينتقل التراشق السياسي بين إيران والأطراف الأوروبية منذ مدة وجيزة، بعد أشهر من حرص كليهما على موازنة العلاقة والحديث المتكرر عن وجود تقاطعات صبّت لصالح ضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي، وتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق بين طهران والسداسية الدولية العام الماضي.
الصورة اليوم لم تعد وردية بالنسبة لطهران، التي بدأت تشعر بأن ملفات محاصرتها عادت لتتراكم من جديد، وأصبحت تتعدى لومها على التجارب الصاروخية الباليستية، وهي القضية التي اتفقت عليها الولايات المتحدة وأطراف الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا. وانضمت ألمانيا إلى ركب العقوبات المفروضة على البلاد، فألغت ترخيص عمل خطوط شركة ماهان الجوية، والتي تقوم برحلات مباشرة من طهران إلى ميونخ ودوسلدورف، ورجح بعض المواقع الإيرانية أن سبب ذلك يعود إلى استخدام الشركة طائراتها المدنية لأغراض عسكرية، خصوصاً في سورية.
جاء ذلك بعدما أعلن الاتحاد الأوروبي فرض حظر على فردين، ووضع مديرية الأمن التابعة لوزارة الاستخبارات الإيرانية على قائمة الجهات المصنفة إرهابية في أوروبا، وبعد اتهام طهران بالتخطيط لعمليات تستهدف المعارضة الإيرانية المقيمة على الأراضي الأوروبية.
كل ذلك محبط بالنسبة لإيران التي أصبحت تقترب من قناعة أنه لا يمكن لأوروبا إلا أن تجاري رغبة الولايات المتحدة في النهاية، على الرغم من تفاؤلها الشديد الذي أبدته خلال الأشهر الأخيرة، والتي خاضت خلالها طهران مباحثات مع الأطراف الباقية في الاتفاق وأهمها الأوروبية، أي بريطانيا وألمانيا وفرنسا، لتحصل على ما سمّته بالآلية المالية، أو الضمانات التي تسمح لها بالاستفادة من الاتفاق النووي اقتصادياً وتجارياً، وتفتح باب التبادلات المالية بينها وبين الآخرين وتحمي هؤلاء من العقوبات الأميركية، بما يساعد طهران في النتيجة على تجنّب تبعات حظر واشنطن الذي عاد إليها في حزمتين سابقاً. ومقابل كل ذلك تبقى طهران ملتزمة بتعهداتها الفنية والتقنية في المفاعلات، ما يعني استمرار ضبط النشاط النووي بما لا يجر المنطقة إلى أزمة جديدة، لكن كل ذلك لم يحصل.
على جانب آخر، يظهر التراشق الإيراني الأوروبي في ساحة ثانية، وصلت إلى بولندا هذه المرة والتي ستستقبل مؤتمراً دعا إليه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لبحث مسائل الشرق الأوسط، وحدد عنوانه بمواجهة إيران، وهو ما أثار حفيظة طهران التي استقبلت، يوم الإثنين، وفداً بولندياً ترأسه مساعد وزير الخارجية برزميسلاف لانغ، والذي صدرت على لسانه تصريحات مجاملة لطهران التي لم تقابله بالمثل، فبدا مضيفه مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أكثر تشدداً في التعامل.
ووفقاً لما نقلته المواقع الرسمية الإيرانية، تحدث لانغ خلال الاجتماع عن دور إيراني إيجابي وعن صداقة قديمة بين البلدين، ليؤكد أن وارسو معنية باستمرار علاقاتها مع طهران، فضلاً عن تأكيده على ضرورة حلحلة ملفات المنطقة العالقة لتحقيق أمنها، بينما كان عراقجي واضحاً حين قال إن بلاده لن تسمح بتشكيل تحالف مغاير لمصالحها، داعياً بولندا لإدراك النوايا الحقيقية التي تقف وراء الدعوة الأميركية. ورأى عراقجي أن أميركا التي تدعو لحل مشاكل الشرق الأوسط، لم تتوانَ عن تخريب الاتفاق النووي، الذي يشكّل حجر أساس في هذا الاستقرار، حسب رأيه، فلم يقبل على ما يبدو المبررات البولندية المتعلقة باستضافة المؤتمر، ولا سيما أن ضيفه تحدث عن ضرورة تحقيق الاستقرار الإقليمي.
اقــرأ أيضاً
وأبدت بولندا امتعاضها من الموقف الإيراني مرتين، الأولى حين أصدرت خارجيتها بياناً للرد على طهران وعلى استدعاء إيران للقائم بالأعمال البولندي لديها احتجاجاً على استضافة مؤتمر وارسو المزمع عقده منتصف فبراير/ شباط المقبل، فذكر البيان أن لدى بولندا حرية استضافة وعقد مؤتمرات، كما لدى المجتمع الدولي حق بحث العناوين الإقليمية والدولية. ومرة أخرى في تصريحات صدرت على لسان وزير الخارجية البولندي ياتسيك تشابوتوفيتش، والذي انتقد الدور الإيراني صراحة، وأشار إلى أن مؤتمر وارسو قد يساعد في تقارب أميركا وأوروبا، وقد يحل المشكلة العالقة بينهما والمرتبطة بإيران، وهو ما تخشاه طهران التي عوّلت طيلة الفترة الماضية على الدور الأوروبي لتواجه سياسة الولايات المتحدة إزاء الملف النووي.
وقبل طرح فكرة عقد قمة وارسو، ظهرت ألبانيا كطرف أوروبي جديد انضم إلى جبهة المواجهة مع طهران، فطردت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي دبلوماسيين إيرانيين لتورطهما بقضايا "تضر بالأمن القومي"، من دون تقديم توضيحات مفصلة. وجاء هذا بعد طرد دبلوماسيين من هولندا أيضاً، واعتقال آخرين في ألمانيا وبلجيكا وفرنسا. وحلقة الوصل بين كل هذه الخطوات تتعلق بمعارضة إيران في الخارج وباتهام طهران بالتخطيط لهجمات تستهدفها في أوروبا.
ورأت طهران أن كل ذلك يأتي ضمن سياق المساعي الأميركية الإسرائيلية التي سعت لتخريب العلاقات الإيرانية الأوروبية، والتي كان من الممكن أن تنقذها على عدة صعد ومستويات، لكنها أصبحت اليوم متخوفة وبشكل أكبر مما يحصل، ولا سيما أن الجبهة بدأت تتسع، بالتزامن مع محاولات إعادة البوصلة نحو صواريخ إيران أحياناً، ونحو دورها الإقليمي في أحيان أخرى.
الصورة اليوم لم تعد وردية بالنسبة لطهران، التي بدأت تشعر بأن ملفات محاصرتها عادت لتتراكم من جديد، وأصبحت تتعدى لومها على التجارب الصاروخية الباليستية، وهي القضية التي اتفقت عليها الولايات المتحدة وأطراف الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا. وانضمت ألمانيا إلى ركب العقوبات المفروضة على البلاد، فألغت ترخيص عمل خطوط شركة ماهان الجوية، والتي تقوم برحلات مباشرة من طهران إلى ميونخ ودوسلدورف، ورجح بعض المواقع الإيرانية أن سبب ذلك يعود إلى استخدام الشركة طائراتها المدنية لأغراض عسكرية، خصوصاً في سورية.
كل ذلك محبط بالنسبة لإيران التي أصبحت تقترب من قناعة أنه لا يمكن لأوروبا إلا أن تجاري رغبة الولايات المتحدة في النهاية، على الرغم من تفاؤلها الشديد الذي أبدته خلال الأشهر الأخيرة، والتي خاضت خلالها طهران مباحثات مع الأطراف الباقية في الاتفاق وأهمها الأوروبية، أي بريطانيا وألمانيا وفرنسا، لتحصل على ما سمّته بالآلية المالية، أو الضمانات التي تسمح لها بالاستفادة من الاتفاق النووي اقتصادياً وتجارياً، وتفتح باب التبادلات المالية بينها وبين الآخرين وتحمي هؤلاء من العقوبات الأميركية، بما يساعد طهران في النتيجة على تجنّب تبعات حظر واشنطن الذي عاد إليها في حزمتين سابقاً. ومقابل كل ذلك تبقى طهران ملتزمة بتعهداتها الفنية والتقنية في المفاعلات، ما يعني استمرار ضبط النشاط النووي بما لا يجر المنطقة إلى أزمة جديدة، لكن كل ذلك لم يحصل.
على جانب آخر، يظهر التراشق الإيراني الأوروبي في ساحة ثانية، وصلت إلى بولندا هذه المرة والتي ستستقبل مؤتمراً دعا إليه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لبحث مسائل الشرق الأوسط، وحدد عنوانه بمواجهة إيران، وهو ما أثار حفيظة طهران التي استقبلت، يوم الإثنين، وفداً بولندياً ترأسه مساعد وزير الخارجية برزميسلاف لانغ، والذي صدرت على لسانه تصريحات مجاملة لطهران التي لم تقابله بالمثل، فبدا مضيفه مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أكثر تشدداً في التعامل.
ووفقاً لما نقلته المواقع الرسمية الإيرانية، تحدث لانغ خلال الاجتماع عن دور إيراني إيجابي وعن صداقة قديمة بين البلدين، ليؤكد أن وارسو معنية باستمرار علاقاتها مع طهران، فضلاً عن تأكيده على ضرورة حلحلة ملفات المنطقة العالقة لتحقيق أمنها، بينما كان عراقجي واضحاً حين قال إن بلاده لن تسمح بتشكيل تحالف مغاير لمصالحها، داعياً بولندا لإدراك النوايا الحقيقية التي تقف وراء الدعوة الأميركية. ورأى عراقجي أن أميركا التي تدعو لحل مشاكل الشرق الأوسط، لم تتوانَ عن تخريب الاتفاق النووي، الذي يشكّل حجر أساس في هذا الاستقرار، حسب رأيه، فلم يقبل على ما يبدو المبررات البولندية المتعلقة باستضافة المؤتمر، ولا سيما أن ضيفه تحدث عن ضرورة تحقيق الاستقرار الإقليمي.
وأبدت بولندا امتعاضها من الموقف الإيراني مرتين، الأولى حين أصدرت خارجيتها بياناً للرد على طهران وعلى استدعاء إيران للقائم بالأعمال البولندي لديها احتجاجاً على استضافة مؤتمر وارسو المزمع عقده منتصف فبراير/ شباط المقبل، فذكر البيان أن لدى بولندا حرية استضافة وعقد مؤتمرات، كما لدى المجتمع الدولي حق بحث العناوين الإقليمية والدولية. ومرة أخرى في تصريحات صدرت على لسان وزير الخارجية البولندي ياتسيك تشابوتوفيتش، والذي انتقد الدور الإيراني صراحة، وأشار إلى أن مؤتمر وارسو قد يساعد في تقارب أميركا وأوروبا، وقد يحل المشكلة العالقة بينهما والمرتبطة بإيران، وهو ما تخشاه طهران التي عوّلت طيلة الفترة الماضية على الدور الأوروبي لتواجه سياسة الولايات المتحدة إزاء الملف النووي.
ورأت طهران أن كل ذلك يأتي ضمن سياق المساعي الأميركية الإسرائيلية التي سعت لتخريب العلاقات الإيرانية الأوروبية، والتي كان من الممكن أن تنقذها على عدة صعد ومستويات، لكنها أصبحت اليوم متخوفة وبشكل أكبر مما يحصل، ولا سيما أن الجبهة بدأت تتسع، بالتزامن مع محاولات إعادة البوصلة نحو صواريخ إيران أحياناً، ونحو دورها الإقليمي في أحيان أخرى.