كثيراً ما يبحث عراقيون عن معجزات للتخلّص من مشاكل لا تنتهي. ينهار القطاع الصحي وتشحّ مصادر الدخل وترتفع نسبة البطالة وغيرها من المشاكل الاجتماعية والأسرية المختلفة الناتجة عن الأزمات الأمنية والمالية منذ سنوات طويلة. وهُنا، يعرض الروحانيون وآخرون خدمات لشفاء المرضى وحل المشاكل الزوجية والعقم وجلب الرزق وغيرها، في مقابل مبالغ مالية متفاوتة تصل في بعض الأحيان إلى أرقام كبيرة.
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، أطلقت وزارة الداخلية العراقية حملة أمنية واسعة استهدفت العاملين في ما يعرف في المراكز الروحانية أي السحرة والمشعوذون، كان أكبرها خلال عامي 2017 و2018، ما أدى إلى اعتقال العشرات منهم استناداً إلى أحكام المادة 456 من قانون العقوبات العراقي الذي يجرم تلك الأعمال. إلا أنهم عادة ما يظهرون في مناطق أخرى بعد فترة، خصوصاً في الأحياء الفقيرة أو المناطق الشعبية.
في حي فقير يفتقد إلى أبسط الخدمات الأساسية يقع في الأطراف الجنوبية للعاصمة بغداد، ويُعرف باسم الزراعي (في إشارة إلى سكن أهله في العشوائيات التي شيدت في مناطق زراعية غير مرخصة) وقبل نحو ستة أعوام، اشتهر روحاني لم يكن معروفاً من قبل، كما يقول محسن محمد الذي يسكن في الحي، لـ "العربي الجديد".
ويطلق محمد عليه صفة "الدجال"، إذ ليس لديه تاريخ يثبت أن لديه العلم أو الإمكانيات التي تجعل منه روحانياً حقيقياً. يضيف: "هو في نهاية الأربعينيات من العمر، وعرف عنه سلوكه غير القويم. لكن أصدقاءه روجوا له كثيراً وهم يعملون معه اليوم، وقد أصبحت حالتهم ميسورة بعدما كانوا فقراء".
ليس صعباً أن تتحول بين ليلة وضحاها إلى روحاني في العراق. الأمر لا يحتاج سوى إلى فطنة وقدرة على التحايل وجمع معلومات عن الضحية، كما يقول يونس الرويلي، الذي يصف نفسه بـ "ضحية سابقة لأحد الدجالين". ويوضح لـ "العربي الجديد" أنه لجأ قبل أشهر قليلة إلى شخص عُرف عنه بأنه روحاني ويتمتع بقوة في معرفة الغيب وإمكانية ايجاد حلول لمشاكل الآخرين بعدما تعرض إلى مشاكل أفقدته عمله ومحله الذي يكسب منه رزقه. يضيف: "حين دخلت إلى غرفة داخل بيت هذا الدجال خصصها لأعماله، كانت معتمة ومنارة بواسطة مصابيح باهتة تنبعث منها روائح البخور. استقبلني بترحاب وأجلسني قبالته على الأرض وصار يحدق في عيني ثم ابتسم وقال لي: لا تقلق أنت طيب القلب. كل شيء سيسير كما تريد، لكن كن صبوراً".
ويقول الرويلي: "كان حديثه منمقاً. طلب مني العودة إليه بعد يومين، موضحاً أن تغييراً كبيراً سيحدث في داخلي. واشترط أن أشرب الماء كثيراً ولا آكل سوى الخضار الطازجة وأبتعد عن اللحوم والدهون والطعام المطبوخ، ولا أخالط الناس ولا أتحدث كثيراً". يضيف: "عدت إليه بعدما التزمت بتعليماته. وأخبرني أن جميع مشاكلي قد حلت بعدما أعطاني حرزاً صغيراً (كتاب صغير يوضع داخل قماش)، وأمرني أن أحمله معي مع مجموعة من الأغراض منها علبة عسل وماء في عطر ذي رائحة قوية. كما طلب مني مليون دينار (نحو 841 دولاراً)، مؤكداً أن مشكلتي ستحل خلال أسبوع. إلا أن مشكلتي لم تحل، وتأكد لي بأنه دجال يعتمد على لباقته وذكائه للاحتيال على الآخرين بكلامه المنمق".
وخلال البحث عن الروحانيين أو قراء الطالع ومن يدعون امتلاكهم قدرة على تغيير حال الأشخاص من خلال الطاقة أو الجان، يتبين أن معظمهم يتقاضون أجوراً قليلة ويسكنون أحياء فقيرة. من بين هؤلاء أم كرم التي تسكن في حيّ شعبي شمالي العاصمة بغداد، وتشتهر بقراءة الطالع وقراءة الرقية وجلب الرزق ودفع البلاء والعديد من الأفعال الإيجابية، والتي يمكن أن تتحقق من خلال الحجب التي تكتبها برموز بعضها غير مفهوم.
ويُطلق سكان الحي على أم كرم اسم "العرافة"، لكنها تقول إنها لا تدعي معرفة الغيب، بل إن بركة حلت عليها حين كانت تعاني من مرض شديد قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، ورأت في منامها "رجلاً نورانياً" أعطاها كيساً وقال لها أن تعطي ما فيه من بركة لمن يحتاجها. ومنذ ذلك الحين وهي تمارس هذه المهنة. وبأسعار زهيدة تعد أم كرم التمائم (كل ما يعلق في العنق دفعاً للعين والشر) للمرضى وللعاقر ولمن يبحث عن وظيفة ومن وقع في مشكلة وغيرها، على حد قولها. تتابع: "أسعى لعمل الخير فقط". لكن يعرف عنها أنها لا تتوانى عن عمل أي تميمة تنال من ورائها مبلغاً من المال مهما كان زهيداً، حتى وإن كان يلحق الضرر بآخرين.
الإقبال على العرافين والروحانيين زاد كثيراً خلال السنوات الأخيرة. يقول ضابط برتبة رائد رفض الكشف عن اسمه، إن القوات الأمنية ألقت القبض على عدد كبير من الدجالين والمشعوذين الذين يستغلون الناس بحجة تحقيق آمالهم، من خلال حملات أمنية عدة. ويؤكد أن عدداً كبيراً من الذين اعتقلوا يعملون ضمن عصابات تستغل الناس وتوقع بهم وتبتزهم.