في قرية "الريحانية" على الحدود التركية السورية المتاخمة لمعبر باب الهوى، لم تستطع اللاجئة السورية أم محمد، إخفاء فرحتها بالحصول على فرصة عمل رغم أنها لمدة مؤقتة، بعد أن ظلت تشكو من ضيق العيش.
لم يكن من السهل الحصول على فرصة عمل في المناطق الحدودية، بخاصة للنساء، عدا بعض الأعمال الزراعية الموسمية، التي لا طاقة لهن على تحملها، فضلاً عن الأجر اليومي الذي لا يزيد عن 25 ليرة تركية (9.3 دولارات)، ولا تكاد تسد احتياجات الأسرة اليومية الأساسية.
"اليوم فقط وجدت عملاً على ماكينة خياطة بأجر 250 دولاراً شهرياً، لكنهم أخبروني أن العمل مؤقت، ولا تتجاوز مدة العقد ثلاثة أشهر، لكني مسرورة رغم ذلك، لن يكون هناك استغلال ولا تعب مضنٍ خلال ساعات العمل".
أم محمد، أرشدتنا لورشة الخياطة التي التحقت بالعمل فيها، وهي مشغل تابع لمؤسسة أورينت للأعمال الإنسانية التي تقدم مساعدات للاجئين السوريين، وحل جزء من مشاكل السوريات.
جمال طباع، مدير المشغل، يقول لـ "العربي الجديد"، إن المشغل يقوم بتشغيل نحو 40 امرأة شهرياً، عبر أسلوب تبديل العمالة كل فترة، لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من النساء السوريات.
ويؤكد طباع، أنه تم اعتماد هذه الطريقة نظراً لكثرة طالبات العمل، وتردي الوضع المعيشي للسوريات في المناطق الحدودية، بعد ارتفاع تكاليف المعيشة ووصول إيجار المنزل لنحو 700 ليرة تركية شهرياً (262 دولاراً)، بعد حالات الهجرة الكبيرة.
ويضيف: "القائمون على المؤسسة لا يريدون أرباحاً من المشغل، وأبلغونا أن ما نحصل عليه نطور به المشغل ونزيد فرص العمل".
ويتذكر طباع كيف هدمت صواريخ نظام بشار الأسد مشغله الخاص وصالة المبيع في مدينة إدلب شمال سورية، بحجة مناصرته للثورة، قبل أن يهرب نتيجة الملاحقة الأمنية، ليفتح مشغل خياطة في مدينة "سلقين" غربي إدلب، أغلقه لاحقاً بسبب عدم وجود مواد أولية، بعد قصف النظام لمناطق الشمال وتوقف الإنتاج، لتبلغ خسارته نحو 2 مليون ليرة سورية (9.3 آلاف دولار)، قبل أن يبدأ بإدارة المشغل الجديد، بناء على طلب مؤسسة أورينت التابعة لأحد رجال الأعمال السوريين.
وعن موجودات المشغل ونوع وكميات الإنتاج يوضح طباع أنه يوجد حالياً 35 ماكينة خياطة، ونحو 40 عاملة سورية، بأجر شهري 250 دولاراً للعاملة، مقابل ست ساعات عمل.
ويشير إلى أن المشغل ينتج بزات عسكرية وألبسة أطفال ومدارس ولوازم مشافي وألبسة أطباء وممرضين، فضلاً عن العباءات وألبسة أخرى إن تم طلبها من المحال في تركيا أو سورية أو من منظمة إغاثية بهدف تقديم الألبسة للسوريين.
وليس من طاقة إنتاجية محددة بالشهر، إذ تتراوح على حسب الطلبات، لكنها بمعدل 1000 بزة عسكرية و2000 بنطال أولادي و3 آلاف عباءة نسائية.
ويقول طباع " لو وجدنا أسواقا أو طلبات خاصة، لكانت الطاقة الإنتاجية ضعف الحالية، لكن الوضع في الداخل السوري وعدم توجه المشغل للهدف الربحي، هي الأسباب الأهم في عدم استغلال الطاقة القصوى للآلات، ولو تم الاهتمام بعامل التسويق وتأمن تصريف الإنتاج، لتوسعنا بالعمل واستوعب المشغل 200 عاملة سورية".
ويضيف " لو أن المؤسسات السورية أو المنظمات الإغاثية تشتري ما يوزعونه للسوريين من مشغلنا، لتغير واقع الحال وشغلنا أيد عاملة أكثر وبأجور أكثر، فمرة واحدة منذ وجودي بالمشغل منذ نحو عام، لم يتم استجرار منتجاتنا سوى مرة واحدة من مؤسسة إغاثية سورية اشترت ألبسة أطفال للمخيمات بتركيا بقيمة 6500 دولار".
وعن جهوزية المشغل لتلبية طلبات المؤسسات الإغاثية، قال طباع " لدينا بعض الإنتاج في المخازن ويمكننا العمل على حسب الطلبات، وقد تعاقدت معنا بعض المحال في مدينة انطاكية التركية، وقدمنا لها الإنتاج بالمواصفات والسعر والزمن المحدد".
ويتابع " نهتم بتأهيل العاملات وتعليمهن التصميم والقص والخياطة عبر قسم متخصص بالمشغل، لتمتلك السوريات مهنة تمكنهن من العمل في المشاغل والورش التركية".
ويشير إلى أن معظم الأشهر لا تسد الأرباح مصاريف المشغل، فكتلة الرواتب والأجور والإيجار تزيد عن 10 آلاف دولار شهريا، لكن هدف المؤسسة غير الربحي يبقي على المشغل، بل ويتم قبول عاملات جديدات شهريا لتأهيلهن والتعاقد معهن ولو لثلاثة أشهر، حتى لو اضطررنا لمنح القديمات إجازة توازي عقود الجديدات.
ويضيف "تأتيني نساء سوريات وضعهن يبكي الحجر، فهذه زوجها استشهد وتركها وأسرتها لمصيرها المجهول، وتلك هاجرت مرغمة بعد تهديم بيتها وأخرى تعيل أكثر من أسرة أربابها معتقلون أو مفقودون .. لذا ارتأينا تبديل العمالة كل فترة علنا نقدم ما يسعف السوريات ولو بالحدود الدنيا التي تقيهن ذل العوز والسؤال".
اقرأ أيضاً:
تركوا المدارس وامتهنوا مسح الأحذية والتسول.. مأساة أطفال سورية