هل هناك أزمة شعر؟ بالطبع لا. هناك أزمة شعراء، وهي تقع تحديداً في مدى استشراف الشاعر تجربة معنى كونه إنساناً في هذا العالم وفرادة هذا الاستشراف.
الأزمة أو الإشكالية غير مقيّدة بالأحداث والأزمات الراهنة، بل هي إشكالية تلازم كل فعل إبداعي، وتتجاوز الآني والعابر إلى شيء أعمق يتصل بممارسة الفعالية الشعرية، أو بوعي العالم شعرياً انطلاقا من أسس وأنساق ثقافية.
هذه الأسس في ثقافتنا العربية هي الثبات في العلاقة بين الوعي ومعطيات التجربة، أي أن التجربة مفهوم ملتبس وجديد في الثقافة العربية التي ما زالت تحيل الأصالة إلى حسن الاتباع لا التفرّد، وتحفظ للعالم صورته الأزلية. ومن هذه الأسس أيضاً الخرافة وتمثيلاتها أو التصور الزراعي الرعوي للعالم، والافتقار إلى الحرية أمام الخطاب السلطوي المهيمن.
هناك إذن أزمة أو مشكلة شاعر، وهي مشكلة عامة لا تختص به كفرد "متميز" بقدر ما تختص به كإنسان بالدرجة الأولى، كمشروع باحث عن تحقيق وجود عميق ووطيد في ظل انعدام الحرية على أكثر من صعيد.
لكن هذا الشاعر يمتلك من جانب آخر وجهاً خاصاً لمشكلته، وهو أن تحققه في التاريخ الثقافي لن يكون بالخضوع والتكرار، بل بما يمارس من استشراف خلاق يعيد مساءلة الأساسيات والأنساق، أو نظرة الإنسان العربي إلى نفسه وإلى العالم.