استمراراً لسياسة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للدفع بكثافة بعناصر جديدة موالية له في جميع أجهزة الدولة، أتم رئيس هيئة الرقابة الإدارية الجديد، اللواء شريف سيف الدين، إجراءات تعيين دفعة جديدة من ضباط الرقابة الإدارية، هي الأولى التي تضم خريجين من غير ضباط الجيش والشرطة.
واختارت الاستخبارات العامة المصرية، التي يديرها المدير السابق لمكتب الرئيس، اللواء عباس كامل، الملتحقين الجدد بالرقابة الإدارية من خريجي الأكاديمية الوطنية للشباب والبرنامج الرئاسي لإعداد الشباب للقيادة، الذين سبق تعيين العشرات منهم في مختلف الوزارات، وذلك بعد إجراء تحريات أمنية ورقابية مكثفة عنهم وعن عائلاتهم، لتضم الهيئة بذلك ضباطاً من خريجي الكليات المدنية، للمرة الأولى في تاريخها. واعتمدت التعيينات الجديدة على القانون الجديد للهيئة الذي صدر في عهد رئيسها السابق، محمد عرفان، والذي أجاز للمرة الأولى تعيين أعضائها من خارج الجيش والشرطة، كما استثنى الهيئة من اتباع الإجراءات المعمول بها للإعلان عن الوظائف في الأجهزة الحكومية المختلفة، بحيث يتم التعيين من دون إعلانات مسبقة أو إجراء مسابقات تحظى ببعض سمات الشفافية.
وقالت مصادر حكومية مطلعة إن الهدف الرئيس من هذه الخطوة هو استكمال سيطرة السيسي على أجهزة الدولة، بالدفع بأجيال جديدة موالية له وحده، وليست محسوبة على أي عهد سابق، وتكون لها أولوية في قيادة تلك الأجهزة بعد سنوات معدودة. وأضافت المصادر أن تعيين العناصر الجديدة يهدف أيضاً لتعويض العدد الكبير من ضباط الرقابة الإدارية الذين أبعدوا على مدى السنوات الأربع الماضية، نتيجة عمليات "تطهير" الأجهزة الأمنية والسيادية من معارضي السيسي، والمحسوبين على نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ومن لهم صلات اجتماعية بجماعة الإخوان المسلمين. وكان السيسي قد دفع، في الأشهر الماضية، بالعشرات من ضباط هيئة الرقابة الإدارية داخل دواوين الوزارات لأداء أدوار مهمة عدة، من شأنها بسط رقابة الهيئة، ومن خلفها دائرة السيسي الخاصة، على القرارات التنفيذية والتعاملات المالية المختلفة في دواوين الوزارات وإدارات المصالح الحكومية، لتحل هذه السيطرة الرقابية تدريجياً بدلاً من التحكم الأمني في القيادات التنفيذية، والذي كان معمولاً به في العقد الأخير من عهد مبارك، عندما كان جهاز أمن الدولة هو المآل الأخير لكل أزمة وصاحب القرار الحاسم لكل مشكلة. وشهدت دواوين الوزارات في العام الحالي مستجداً مهماً، هو انتقال عدد من ضباط الرقابة الإدارية برتب متقدمة (عقيد وعميد وأحياناً لواء) للوجود الدائم والمستمر في مكاتب مغلقة خصصت لهم في دواوين جميع الوزارات، وانتقلت إلى هؤلاء الضباط سلطة الإشراف المباشر على إدارات الأمن بدواوين الوزارات التي يتولاها دائماً ضباط سابقون بالجيش أو الشرطة، وكذلك سلطة مراقبة الأعمال الفنية التفصيلية الموكلة لنواب الوزراء ومساعديهم.
وسبق أن أكدت مصادر حكومية، لـ"العربي الجديد"، أن "ضباط الرقابة المنتدبين" تمتعوا تدريجياً بصلاحية حضور اجتماعات الوزير بجميع مساعديه ورؤساء القطاعات بالدواوين، واجتماعات الوزير مع رؤساء الشركات القابضة والتابعة العاملة في مجالات التجارة والإنتاج، لكن جميع الأعمال الخاصة بهؤلاء الضباط ترتبط رأساً بهيئة الرقابة الإدارية، ولا يملك الوزير أو أي من مساعديه سلطة عليهم. وفي مقابل الكشف عن العشرات من وقائع الفساد منذ تولي السيسي المسؤولية وتضخيمها إعلامياً، ابتداءً من قضية رشوة وزير الزراعة الأسبق، صلاح هلال، ومدير مكتبه محيي قدح، ثم قضية رشوة مجلس الدولة التي تورط فيها الأمين العام السابق للمجلس، وائل شلبي، الذي انتحر في حجرة احتجازه داخل مقر الرقابة الإدارية بمدينة نصر، ثم قضية رشوة نائبين سابقين لرئيس محكمة بالزقازيق، وقضيتي نائب محافظ الإسكندرية، سعاد الخولي، ومحافظ المنوفية، هشام عبد الباسط، تلعب الرقابة الإدارية دوراً سياسياً في محاصرة الموظفين والقيادات التنفيذية المناوئة للسيسي، وإبعاد القيادات المشكوك في ولائها، وكذلك تسليط ضباط الهيئة على القضاة باعتبارهم عاملين عاديين في الدولة بدعوى محاربة الفساد أيضاً. كذلك بدأ السيسي يعتمد عليها في تنفيذ مهام إدارية بعينها، كرفع كفاءة وإعادة تأهيل التلفزيون المصري، وإدارة وتشغيل القناة الأولى الحكومية، فضلاً عن دخولها مجال التجارة واستثمار الأموال في بعض المشاريع. كذلك اكتسبت الهيئة الرقابية صلاحيات أوسع بالتحري عن المرشحين لشغل المناصب القضائية والدبلوماسية، وليس فقط الوظائف الإدارية والوزراء ونوابهم.
وبحسب المصادر فإن برنامج السيسي لتأهيل الشباب تقاطع في الأشهر الأخيرة مع الدورات العسكرية والاستراتيجية التي يخضع لها المرشحون للعمل بوزارة الخارجية، إذ منحت الأفضلية في التعيينات الجديدة، وكذلك في الترقي في الهيئة الدبلوماسية، لخريجي البرنامج الرئاسي، الذي بدوره يعطي أولوية الالتحاق للدبلوماسيين الشباب وخريجي كليات السياسة والإعلام والحاصلين على دورات من أكاديمية ناصر العسكرية. وتكرس هذه الإجراءات تكوين جيل من القيادات الوسطى في البيروقراطية المصرية استقت تعليماً موحداً في مرحلة عمرية متقاربة، وأجيزت أمنياً واستخباراتياً، وتدين بالولاء للسيسي والمؤسسة العسكرية بعيداً عن المعارضة أو التفكير النقدي لسياساته. ومن بين المناهج التي يدرسها "شبيبة السيسي" في هذا البرنامج، الذي يستغرق عاماً وبضعة أشهر قبل التخرج، دراسات عن حروب الجيل الرابع، واستهداف القوى العالمية لمصر، ومكافحة الإرهاب، ومحاربة التيارات الإسلامية، والتطوير الإداري، والتخطيط السياسي والمالي، والقانون الدولي، والإدارة المحلية، و"الأتيكيت" والمراسم.