وأجرت "العربي الجديد" مقارنة رقمية بين عدد المرشحين المتنافسين في الانتخابات الحالية مع سابقاتها من استحقاقات بعد الثورة المصرية، تكشف نتائجها عن ضعف الإقبال على هذا الاستحقاق، ما يفسر القلق الحكومي الكبير من تدني نسبة المشاركة وحديث السيسي المستمر عن ضرورة المشاركة بكثافة. وأظهرت النتائج أنّه في انتخابات 2011، تنافس 6024 مرشحاً على 166 مقعداً فردياً بمعدل 36 مرشحاً تقريباً على المقعد الواحد، كذلك تنافس 4340 مرشحاً بنظام القوائم النسبية على 332 مقعداً مخصصاً للقوائم التي كانت مقتصرة آنذاك على الأحزاب.
وفي الانتخابات الحالية، يتنافس 5420 مرشحاً على 448 مقعداً فردياً بمعدل 12 مرشحاً تقريباً على المقعد الواحد (أي نسبة الثلث من الإقبال في 2011). كما يتنافس 420 مرشحاً فقط في نظام القائمة المطلقة على 120 مقعداً مخصصاً للقوائم، والتي يجيز القانون الحالي تشكيلها من الحزبيين أو المستقلين، أي أنّ المفروض نظرياً، كان زيادة عدد المرشحين وليس العكس. ويُلاحظ أيضاً، أنّ عدد المرشحين حالياً أقل من العدد الذي كان منتظراً خوضه في انتخابات مارس/آذار 2015، والتي أُلغيت بحكم المحكمة الدستورية ببطلان تقسيم الدوائر. في تلك الانتخابات الملغاة، كان من المنتظر أن يتنافس 6126 مرشحاً على 420 مقعداً فردياً بمعدل 15 مرشحاً تقريباً على المقعد الواحد، كما يتنافس 645 مرشحاً بالقوائم المطلقة على 120 مقعداً، أي أنّ عدد القوائم كان أكبر من المتنافسين حالياً.
لا يستغرب مراقبون العزوف عن الترشح في ظلّ استمرار وجود عوائق قانونية تهدّد مجلس النواب الجديد بالحلّ، فضلاً عن ضعف أهمية البرلمان لدى النظام السياسي الحالي، والذي يركّز على رئيس الجمهورية كرأس للسلطة التنفيذية، ويسعى إلى تعديل الدستور لإضعاف سلطات مجلس النواب المنتخب مقابل توسيع سلطات الرئيس، بالإضافة إلى ما سيضمه البرلمان من وجود أغلبية في صورة "كوتة شبه مغلقة" للنواب المختارين من قبل الأجهزة الأمنية والمدعومين من النظام، والممثلين بقائمة "في حب مصر" ومرشحي حزب "مستقبل وطن"، الذي يترأسه الشاب محمد بدران المقرب من السيسي.
تجعل هذه الأسباب، وفقاً لكثيرين، المعارضة في مجلس النواب المقبل، أقل من مجرد "ديكور" لتجميل النظام، والذي لا يزال قلقاً بشأن نسبة المشاركة التي يراقبها العالم ويعتبرها معياراً لنزاهة أجواء العملية الانتخابية.
وتكفي جولة سريعة في الشوارع، ليتبيّن أنّ الملصقات واللافتات التي كانت سمة الانتخابات المصرية، اختفت في معظم الدوائر، على الرغم من زيادة عدد مقاعد البرلمان التي يجري عليها الانتخاب من 498 عام 2011 في مجلس الشعب الذي قضت المحكمة الدستورية العليا بحلّه في 2 يونيو/حزيران 2012، إلى 568 مقعداً في البرلمان المزمع تشكيله.
اقرأ أيضاً: موسم الرزّ الانتخابي في مصر... هؤلاء رموز المال السياسي
وتتركز الدعاية الانتخابية بصورة ملحوظة في المناطق الريفية والقبلية والعائلية التي ينتمي إليها المرشحون، وهو ما كان من المعالم الرئيسية للانتخابات في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وخصوصاً انتخابات مجلس الشعب عام 2010، والتي دفع فيها "الحزب الوطني" الحاكم بأكثر من مرشح على المقعد الواحد في العديد من الدوائر. اختفت هذه الظاهرة في انتخابات 2011، بسبب خفوت نجم معظم أعضاء "الحزب الوطني" المنحلّ وعدم خوضهم الانتخابات، وتراجع النعرات القبلية والعائلية حتى في محافظات الصعيد، وسيطرة قوى التيار الإسلامي، وخصوصاً حزب "النور" السلفي، على الدوائر التي كان "الحزب الوطني" يسيطر عليها سابقاً، مستفيداً من هذه النعرات.
تعود الأمور اليوم إلى سابق عهدها، في البرلمان الأوّل الذي يُشكّل في عهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إذ تنحصر المنافسة في معظم الدوائر بين ثلاثة أنواع من المرشحين؛ الأوّل، هو المنتمي لعائلات وقرى أو حزب داخل الدوائر ويستفيد من أصوات أهل بلدته، ولا يحوز أصوات آخرين، والنوع الثاني، هو الحزبي الذي يركّز على المناطق الحضارية، والنوع الثالث، هو المستقل الذي يراهن على غير المنتمين إلى الأحزاب أو النعرات، وعدد كبير من هؤلاء يبحثون عن الدعاية الإعلامية، قبل الجديّة في دخول البرلمان.
يرى مراقبون أنّه نتيجةً لضعف أداء الأحزاب في معظم المناطق الريفية وعجزها عن استمالة مرشحين من ذوي النعرات، باتت المنافسة فيها منحصرة بين قبائل أو عائلات أو قرى بعينها، تملك القوة البشرية أو المادية للحشد أو القوتين معاً، وهو ما كان "الحزب الوطني" في عهد أمين تنظيمه السابق، كمال الشاذلي، يركّز عليه في اختيار مرشحيه، فيعمد إلى اختيار المرشح صاحب القدرة الأعلى على تجسيد العصبية، والذي يسانده أهالي قريته أو عائلته الأكثر عدداً والأكثر قابلية للذهاب إلى صندوق الاقتراع، ثم يضيف إلى هذه المزايا أيضاً الدعم الأمني والسياسي.
أمام هذا الواقع الميداني والرقمي، وجّهت الحكومة ممثلة في وزارة الأوقاف، خطباء المساجد يوم الجمعة الماضي، للحديث عن أهمية المشاركة السياسية بالتصويت في الانتخابات، باعتبارها أمانة وشهادة لا يجوز كتمانها. كذلك اتفقت الدولة مع القنوات الفضائية التابعة للقوى السياسية، مثل شبكة "الحياة" المملوكة لرئيس "حزب الوفد" السيد البدوي، وشبكتيْ "أون" و"تن" المملوكتين لرجل الأعمال نجيب ساويرس، ومع جميع الصحف المؤيدة للنظام، على تدشين حملات لحشد الناخبين للمشاركة، على الرغم من عدم اهتمام الشارع بالحدث السياسي.
اقرأ أيضاً: أيام الدعاية الانتخابية المصرية: زحمة فلول "في حب مصر"