وكشفت الحيثيات الكاملة لحكم المحكمة الإدارية العليا عن مفاجأة قانونية جديدة في مسار هذه القضية، تتمثل في أن المحكمة لم تلتفت في معظم أجزاء حيثياتها إلى التقرير الذي أعدته النيابة العامة بشأن المخالفات المنسوبة للحزب من قبل لجنة الأحزاب السياسية التي طلبت حلّه، بل استندت بالدرجة الأولى إلى أقوال رئيس الحزب ورئيس مجلس الشعب المنحل، محمد سعد الكتاتني.
وعاقبت المحكمة الحزب على أقوال الكتاتني التي ارتأت فيها "خروجاً عن الإجماع الوطني المرحب بثورة 30 يونيو/حزيران 2013، وما تلاها من بيان عزل محمد مرسي في 3 يوليو/تموز"، وذلك لتمسكه بعودة الرئيس المعزول، محمد مرسي، للحكم كأساس لأي حل سياسي للأزمة.
وقالت المحكمة إن من وجهة نظر رئيس الحزب، كما ذكر بالتحقيق، فإن ما حدث في 3 يوليو هو انقلاب على الشرعية وليس استجابة لمطالب الثورة، لأنه لم تكن هناك ثورة، وإنما كان الشعب المصري منقسماً، وكان الجزء الأكبر متمسكاً بالشرعية.
ورد الكتاتني على سؤال بما يعني بالعودة لما قبل 3 يوليو، بأنه يعني عودة مرسي للرئاسة، وأن أي حل يتجاوز عودة الرئيس المنتخب هو تجاوز للشرعية الدستورية.
كما أوردت المحكمة جزءاً آخر من التحقيق مع الكتاتني، سأله فيه المحقق عما اذا كان للحزب أية علاقة بأي تيارات دينية داخل مصر، فأجابه بأن "حزب الحرية والعدالة أسسه الإخوان المسلمون لكنه لكل المصريين، والإخوان لا يمثلون إلاّ جزءاً ضئيلاً من الحزب".
وبسؤاله عن الوسائل التي تتخذها جماعة "الإخوان المسلمين" للوصول إلى الحكم، أكد أنها تعتمد على الآليات الديمقراطية التي تعتمد على الشعب واختياره عبر صناديق الانتخاب، وأن أي فرد يخرج عن السياسة العامة التي رسمها مكتب الإرشاد للجماعة تتم محاسبته.
كما أشارت المحكمة إلى أن "رافضي ثورة 30 يونيو سعوا إلى نشر الفوضى في ربوع البلاد وإشاعة العنف بديلاً للحوار والديمقراطية، وتهديد السلام الاجتماعي، الأمر الذي من شأنه زوال الشرط المنصوص عليه في البند ثانياً من المادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسية عن نشاط الحزب، لأن فكره تعارض مع المبادئ الدستورية ومقتضيات حماية الأمن القومي المصري والنظام الديمقراطي والسلام الاجتماعي".
وكانت نيابة أمن الدولة العليا قد أجرت تحقيقاً، بناء على طلب النائب العام ولجنة "الأحزاب السياسية"، في سبتمبر/أيلول 2013، سَجل في أكثر من ألفي ورقة مخالفات عدة للحزب رأتها اللجنة اﻷحزاب تفقده أساس بقائه.
وبناءً على ذلك، استند حكم الحل في بعض الأجزاء إلى ما جاء في التحقيقات من أوامر إحالة إلى محاكم الجنايات الصادرة بحق قادة "الإخوان" ومن بينهم الرئيس المعزول محمد مرسي، رئيس الحزب سعد الكتاتني، وأعضاء "الهيئة العليا والهيئة البرلمانية"، فضلاً عن بعض أمناء المحافظات، وذلك في قضايا أحداث محيط مكتب الإرشاد والتخابر مع حركة "حماس" وأحداث قطع طريق قليوب، وتعذيب ضابط وفرد شرطة في اعتصام رابعة العدوية وغرفة عمليات رابعة.
وأكد الحكم وجود اندماج كامل بين الحزب وجماعة "الإخوان" التي وصفها بـ"المحظورة"، والمؤسسة على مخالفة أحكام القانون والنظام العام، بما يخالف أربعة بنود من قانون الأحزاب السياسية. وأضاف الحكم أن الحزب قام على أساس ديني ومشروع لإرساء دعائم الإسلام السياسي في مصر.
وأخذت المحكمة أيضاً بما ذكرته النيابة عن امتلاك الحزب تشكيلات عسكرية، وأنه ذراع سياسية لتنظيم الإخوان الدولي الذي تعد جماعة الإخوان فرعاً محلياً منه في مصر.
ويُعتبر هذا الحكم هو الأول من نوعه في تاريخ القضاء المصري، الذي يصدر بحل حزب سياسي بناءً على طلب لجنة "الأحزاب السياسية". وسبقه على صعيد أحكام الحل، حكم حل الحزب الوطني الديمقراطي عام 2011، والذي صدر بناءً على دعاوى من أشخاص عاديين وليس بناءً على طلب رسمي من لجنة الأحزاب.
وفي أول رد فعل على قرار الحل، اتهم محامو حزب "الحرية والعدالة" المحكمة الإدارية العليا، بأنها "تستمر في تنفيذ خطة الثورة المضادة لتفريغ ثورة 25 يناير من كل مكتسباتها وضرب كل أهدافها ورموزها".
ودلل المحامون على رأيهم بانتهاء المحكمة من القضية في 20 يوماً فقط، على الرغم من أن القانون منحها مهلة شهر للحكم.
وأكد المحامون أن "طلب حلّ الحزب هو نموذج لتغول السلطة التنفيذية على القضائية"، معتبرين أن "الحل دليل جديد على رغبة النظام القائم في تبني حكم الفرد وعودة للنظام الشمولي المستبد وترك أحزاب ورقية ضعيفة في المشهد السياسي لا تعبر عن جموع الشعب، بل تسير في فلك السلطة".
وأشار دفاع الحزب إلى أن الحكم "صدر بموجب مادة قانونية غير دستورية تبيح إصدار الأحكام القضائية على درجة واحدة بالمخالفة للدستور، الذي أكد وجوب التقاضي على درجتين حفاظاً على حقوق الأفراد والهيئات، من خروج إحدى درجات التقاضي عن الأصول القانونية".
تنديد إسلامي
واعتبر أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب "الحرية والعدالة"، محمد سودان، أن حكم حل الحزب صادر منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز العام الماضي. وأضاف أن حكم "الإدارية العليا" لا يعدو كونه إخراجاً لحكم صادر مسبقاً من الأدراج.
ووصف سودان الحكم في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أنه "والعدم سواء"، مؤكداً أن الجماعة لا تفكر في ممارسة أي عمل سياسي رسمي خلال الفترة الراهنة، نظراً لأنها "لا تعترف بنظام الحكم الحالي، حتى تمارس عملاً سياسياً معه عبر حزبها".
وتابع أنه "لا يمكن لأي حزب يرغب في ممارسة عمل سياسي محترم، أن يعمل في ظل هذه الأجواء القمعية"، مشيراً إلى أن من يريد أن يمارس العمل السياسي في هذه الأيام "إما أن يداهن النظام الحالي، وإما أن يصبح مكانه السجون"، على حد قوله.
ولفت إلى أن صدور الحكم في هذا التوقيت له علاقة مباشرة بمبادرة أستاذ العلوم السياسية، حسن نافعة، التي تقدم بها، أخيراً، لحل الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، مؤكداً أن "رفض الجماعة التعاطي مع المبادرة (التي اعتبرتها صيغت لدى أجهزة سيادية)، كان الرد عليه حل الحزب من قبل النظام".
بدورها، نددت "الجماعة الإسلامية"، وذراعها السياسية حزب "البناء والتنمية"، بقرار حل حزب الحرية والعدالة.
وحذرت، في بيان لها، على لسان رئيس مجلس شورتها عصام دربالة، من عملية الإقصاء السياسي للإسلاميين، وإمكان تسبب هذا الإقصاء في المزيد من الصراعات والأزمات بين السلطة الحالية والإسلاميين، وخصوصاً أن الحكم بمثابة تمهيد لحل بقية أحزاب تيار الإسلام السياسي.
(شارك في التغطية: أيمن المصري)