وتستمر هذه السياسة بغض النظر عن نجاحها أم لا، في الحد من المشاكل الجذرية التي تساهم في أزمة السكن في مصر، وبدون الأخذ في الحسبان حقوق الأهالي بالسكن الملائم، ودور الدولة في حمايتهم من الإخلاء القسري.
هذا ما توصلت إليه دراسة حديثة أعدها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية –منظمة مجتمع مدني مصرية-، عن العشوائيات في مصر، وتحديدا عن حي الرزاز.
وتهدف الدراسة إلى تحليل مدى نجاح سياسة الإخلاء في التعامل مع أزمة السكن عن طريق دراسة حالة لمنطقة تم إخلاء أهاليها أخيراً، وهي منطقة الرزاز بالدويقة في محافظة القاهرة.
كما تهدف أيضا إلى طرح سؤال يمكن أن يتصوره البعض بسيطاً، ولكن إجابته تعكس رؤية الحكومة في التعامل مع أزمة السكن، وهو: "هل نفذت الدولة إزالة طوعية لمنطقة الرزاز وإلى أي مدى التزمت بمعايير السكن الملائم عند إعادة التسكين؟".
ويتعرض هذا البحث لمعاناة أهالي شارع الرزاز كنموذج من الممكن أن يعكس لنا ما يحدث أيضاً في مناطق أخرى من التهجير القسري وإعادة التسكين.
وشـارع الـرزاز منطقـة صــادر بشـأنها قرار إزالة رقم 16 لسنة 2014 من حي منشأة ناصر بمحافظة القاهرة بتاريخ 9 مارس/ آذار من العام الماضي، وتصنــف الدويقــة مــن المناطق غـيـر الآمنة بســبب طبيعتهــا الجبليــة وســوء التخطيط الإنشائي بها.
وهناك الآلاف من الأسر التي تعيـش في مناطـق خطـرة فـوق سـفح الجبـل وبـين جنباتـه وصخـوره، في حيـن أن مناطق أخـرى، ومنها شـارع الـرزاز، لا نسـتطيع الجـزم بأنهـا تمثل نفـس درجـة الخطورة على القاطنين فيها، إذ يقـع شـارع الـرزاز في مـكان منخفـض عـن سـطح الأرض، كممـر أو وادٍ يعلـو عن جانبيـه جبلان، وفي انحـدار الجبـل تتكـدس العشـش بشـكل عشوائي حتـى النـزول إلى سـطح الأرض حيـث الشـارع الـذي تصطـف البيـوت على جانبيـه بشـكل منتظـم إلى حـد معقـول.
ويذكر أن قرار إزالة حي الرزاز قد سمح بإزالة 16 منزلاً في مربع بــأول شــارع الــرزاز، وفي 7 أبريــل/ نيسان الماضي.
وفي العام 2014 بــدأت محافظــة القاهــرة حملــة لإزالة للبيــوت، وبعــد تنفيــذ عمليــات الإزالة، تـم نقـل الملاك إلى مسـاكن صبحـي حسـن بمنطقة المقطم وتم نقل المستأجرين إلى مدينة 6 أكتوبر.
وقد عانى الأهالي مـن مشـاكل أمنيـة عديـدة، فقـد لجـأت الدولة إلى أسـاليب تخيـف الأهالي وتدفعهم للموافقــة على إعــادة التسكين.
وتقــول زوجــة حســن عبــد ربــه، وهو مالك منزل مكــون مــن 3 شــقق، قبــل هــدم منزلهــم، إن موظفي المحافظة تعمدوا تخريب السباكة في المنزل من خلال قطع المياه عن البناية بأكملها من أجل إجبارهم على الموافقة على الرحيل.
كما قالــت ســعدية عبــد الحافــظ "أم بغــدادي" السبعينية -صاحبــة بيــت مكــون مــن 11 شــقة -قبل هــدم منزلهــا، إن قوة من الشرطة قد اصطحبتها إلى قسم الشرطة وحررت ضدها محضراً بالامتناع عن تنفيذ القرار، وحبسوا اثنين من قاطني العمارة من أجل إخافة الباقين.
ويـروي أحمـد مصطفـى أحـد المستأجرين في بيـت سـيد زكريـا والـذي أوشكت قـوات الإخلاء التابعـة للمحافظـة على طـرده وأرستـه في العـراء دون سـكن بديـل بحجـة عـدم وجـود عقـد إيجار مســجل بالشــهر العقــاري، وظــل عــدة أيــام تحــت هــذا التهديــد تــاركاً عملــه خوفــاً مــن الطــرد.
أما بعد الإخلاء، فتشير الدراسة إلى أن مصير الهــدم والتهجير القسري الــذي لحــق بمن تهدمــت منازلهــم، مــا زال الآخرون في انتظــاره، وتجتـاح الباقين مـن أهالي شـارع الـرزاز نظـرة يائسـة للمسـتقبل، لما لاقاه من رحلوا وغـادروا هـذا الشـارع مـن معانـاة وضرر مـادي ومعنـوي، فهنـاك الكثير مـن هؤلاء ممـن رفضـوا الموافقة على الإخلاء، إلا أن المفاوضات المليئة بالكلام المعسول من قبل المحافظة كانت تجبرهم على الامتثال للقرار.
وقد أجرت الدراسة مقارنة بين المساكن التي كان يقطنها الأهالي قبل الإخلاء القسري في حي الرزاز، وبين المساكن التي نقلوا إليها، وأوضحت المقارنة أن مساحة المنازل في منطقة الرزار كانت تتراوح ما بين 60 إلى 120 مترا تقريبا، أما المساحات في المساكن البديلة فلا تزيد عن 60 مترا في كل الأحوال.
كما أوضحت نتائج الدراسة أن المتضررين مـن عمليـة الهـدم والإخلاء لا يمتلكون أي سـند ملكيـة قانونية للســكن البديــل، فبعــد أن كانــوا يملكون عقــوداً موثقــة وإيصالات مــن شركات الكهربــاء والمياه تفيـد بملكيتهم منازلهم القديمة صـاروا في مسـكنهم البديـل لا يمتلكون سـوى ورقـة حمراء (إيصــال نقديــة)، لا يعتبر سنداً قانونياً، ولا يُثبت ملكيتهم.
أما عن المرافق والخدمات الاجتماعية، فأوضحت الدراسة في مقارنتها بين السكن الأصلي في حي الرزاز، والمساكن البديلة سواء في المقطم أو مدينة 6 أكتوبر، أن منطقـة الـرزاز كانـت كاملـة الخدمـات سـواء كانــت "الصحــة أو التعليــم أو الخدمــات الأمنية" وكذلــك بالنســبة للمرافــق كـ"وجــود عــدادات للكهربـاء وعـدم انقطـاع المياه، وتوافـر خدمـات الـرف الصحـي". بينـما بالنسـبة للسـكن البديـل فــإن واحــدة مــن أكبــر المشكلات التــي تواجــه الملاك في منطقة المقطم هــي المشكلة الأمنية، وكذلــك نقــص خدمــات المياه وعــدم وجــود عــدادات كهربــاء.
وأشارت الدراسة إلى مشكلة أخرى، نقلاً عن الأهالي، وهي ابتعـاد أماكـن العمـل عـن السـكن، مبينة أن أغلــب ســكان منطقــة الــرزاز يعملــون في منطقــة العتبــة والموسكي وهــي لا تبعــد عــن منشــأه ناصر ســوى بضــع دقائــق، ولكــن بعــد هــدم منازلهــم وتهجيرهــم إلى أماكــن بعيــدة، صــارت لديهــم مشكلات في الذهــاب إلى عملهــم، لعــدم توافــر وســائل مواصلات تتناســب وإمكانياتهــم المادية.
وأكدت الدراسة في توصياتها الختامية "إن الحكومـة المصرية لم تلتـزم بالحد الأدنى من معايير السكن المناسب، كما لم تراعِ توفير الخدمات الأساسية والمرافق العامة للحياة في المساكن البديلة، وأيضا لم تراعِ الحكومة الاحتياجات الأساسية التي تلزم حياة أي مواطن من مدارس ومستشفيات ومواصلات عامة".