معارك الشمال السوري: تهديد تركي بالتدخّل مع تقدّم النظام

01 فبراير 2020
نزح600 ألف شخص جراء حملة النظام(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -


يفتح تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن قوات بلاده عملية عسكرية في محافظة إدلب، الباب أمام تصعيد أكبر في شمال غرب سورية، خصوصاً أن روسيا كعادتها تذرعت بوجود "إرهابيين" في المنطقة لتبرير دعمها لقوات النظام التي واصلت تقدمها، مقتربة من سراقب، بالإضافة إلى سيطرتها على مواقع في محيط بلدة خان طومان، جنوب غربي حلب.

ولمّح أردوغان، أمس الجمعة، إلى إمكانية استخدام القوة العسكرية لوقف تقدم قوات النظام في ريف إدلب، والذي أدى إلى فرار عشرات الآلاف من المدنيين إلى مناطق قرب الحدود التركية. وقال، خلال اجتماع لرؤساء فروع حزب "العدالة والتنمية" في الولايات التركية بالعاصمة أنقرة: "سنفعل ما يلزم عندما يهدد أحد ما أراضينا. لن يكون أمامنا خيار إلا اللجوء للمسار نفسه مرة أخرى، إذا لم يرجع الوضع في إدلب إلى طبيعته بسرعة"، مضيفاً "إننا نريد إرساء الاستقرار في سورية، ولن نتردد في القيام بكل ما يلزم إزاء ذلك، بما فيه استخدام القوة العسكرية"، لافتاً إلى أن "أي تطور في سورية أمر بالغ الأهمية، كأي تطور داخل تركيا على الأقل". وأضاف "لن نبقى، ولا يمكننا البقاء متفرجين حيال الوضع، لا في إدلب، ولا في مناطق أخرى في سورية". وقال أردوغان "لن نسمح للنظام (السوري) بوضع بلدنا تحت التهديد المستمر للمهاجرين عن طريق تعذيب ومهاجمة وسفك دماء شعبه". وتابع "نحن موجودون في سورية بناء على اتفاقية أضنة، وسنبقى نحارب الإرهابيين هناك".

وجاء تهديد أردوغان بعدما اقتربت قوات النظام من محاصرة النقطة العسكرية التركية الجديدة في جنوب سراقب، وإمكانية وقوع مواجهة مع الجنود الأتراك في النقطة الثانية في شمال المدينة، والواقعة خلف تقاطع الطريقين الدوليين "إم 4" (الحسكة – حلب – اللاذقية)، و"إم 5" (حلب – دمشق). وكان مجلس الأمن القومي التركي قد أعلن، أول من أمس، أن "تركيا ستتخذ إجراءات إضافية للتصدي للهجمات التي تستهدف قواتها والمدنيين في محافظة إدلب". وأضاف، في بيان، أن "تركيا تؤكد التزامها باتخاذ إجراءات إضافية ضد الهجمات الإرهابية، التي تواصل استهداف قواتها الأمنية والسكان المدنيين في مناطق مختلفة من سورية، خصوصاً إدلب".

وسارع الكرملين إلى الرد على اتهام أردوغان بأن موسكو لا تفي بالتزاماتها بموجب اتفاق "خفض التصعيد" في إدلب. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: "لا نوافق على ذلك، روسيا تنفذ التزاماتها بالكامل بموجب اتفاقات سوتشي في ما يتعلق بمنطقة إدلب". وأضاف "في الوقت نفسه، نأسف لأن الوضع القائم هناك يجعلنا نتمنى أن يكون أفضل بكثير مما هو عليه حالياً. لسوء الحظ، لا تزال هذه المنطقة حتى الآن مكان تمركز عدد كبير من الإرهابيين الذين يقومون باستمرار بأعمال هجومية عدوانية ضد القوات المسلحة السورية، وكذلك ضد القاعدة الروسية في حميميم".



ودعا ناشطون، في بيان تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى التوجه، غداً الأحد، نحو الحدود السورية - التركية ضمن تظاهرات تحت عنوان "من إدلب إلى برلين"، في إشارة لتجاوز الحدود مع تركيا والتوجه نحو أوروبا، مبررين ذلك بأنه "لم يعد أمامهم خيار، فقرروا إما أن يموتوا ببراميل (بشار) الأسد وسلاحه الكيميائي، أو يعبروا جميعاً إلى أوروبا". وقال فريق "منسقو الاستجابة" إن أعداد النازحين من "منطقة خفض التصعيد"، التي تضم كامل إدلب وريفي حلب الغربي والجنوبي، وأجزاءً من ريف اللاذقية الشرقي وحماة الشمالي، قد بلغت نحو 1.7 مليون نازح، وذلك منذ توقيع اتفاق سوتشي بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر/ أيلول 2018. يشار إلى أن أكثر من 600 ألف منهم نزحوا جراء الحملة الأخيرة للنظام وروسيا في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من ريفي إدلب وحلب.

في هذا الوقت، تتواصل المعارك بين قوات النظام والفصائل المسلحة على محاور ريفي إدلب الجنوبي والشرقي. ويمثل وصول قوات النظام إلى مقربة من سراقب انتقال المعركة إلى الريف الأوسط من محافظة إدلب. وكانت هذه القوات قد سيطرت على قرى تل مرديخ وجوباس والهرتمية وقمحانة، وباتت على مسافة نحو كيلومترين من سراقب، وسط أنباء عن استعادة قوات المعارضة لتل مرديخ وجوباس ونقاط أخرى. وبادرت الفصائل في مدينة سراقب إلى رفع سواتر ترابية على الطريق الدولي حلب – دمشق، بهدف إعاقة عمليات تقدم قوات النظام والمليشيات الداعمة لها. وأعلنت "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تعتبر أهم الفصائل المقاتلة على جبهات إدلب، أنها أوقعت مجموعة مؤلفة من 16 عنصراً بين قتيل وجريح خلال الاشتباكات على محور معردبسة، جنوب سراقب. كما تمكنت "الجبهة" من تدمير دبابة للمليشيات المساندة لقوات النظام، إثر استهدافها بصاروخ مُوجَّه على محور قرية معردبسة أيضاً، والتي سيطرت عليها قوات النظام خلال اليومين الماضيين. كما أكدت الفصائل مقتل مجموعة من عناصر النظام عقب محاولة تقدم على محور قرية لوف بريف إدلب الشرقي. وتناوبت طائرات حربية روسية وأخرى تابعة لقوات النظام على قصف مدينة سراقب ومحيطها، كما قصفت بلدة ميزناز بريف حلب بصواريخ شديدة الانفجار، فيما ألقت المروحيات 14 برميلاً متفجراً على سراقب وكفر بطيخ والترنبة، التي تعتبر آخر المحطات قبل وصول قوات النظام إلى سراقب.

أما في ريفي حلب الجنوبي والغربي، فقال مراسل "العربي الجديد"، إن قوات النظام سيطرت على معمل البرغل ومواقع أخرى في محيط بلدة خان طومان، جنوب غربي حلب، وذلك بعد ساعات من سيطرتها على البلدة، التي تعتبر ذات أهمية كبيرة بسبب إشرافها على طريق دمشق – حلب الدولي وكشفها لمناطق ومواقع عدة. كما تمكنت قوات النظام من السيطرة على جمعية الصحفيين بريف حلب الغربي، وبذلك تكون قد سيطرت حتى الآن، إضافة إلى خان طومان ومستودعاتها، على تل الزيتون والراشدين الخامسة وجمعية الصحفيين ومعراتا، فضلاً عن مواقع ونقاط وتلال أخرى بريفي حلب الغربي والجنوبي.

وتزامن ذلك مع وصول مئات المقاتلين في "الجيش الوطني السوري" إلى ريف حلب الغربي لتعزيز محاور القتال. وأشار مراسل "العربي الجديد"، إلى أن المئات من عناصر "حركة نور الدين الزنكي" سابقاً، والذين يندرجون ضمن صفوف "الجيش الوطني السوري"، المدعوم من تركيا، وصلوا، أمس الجمعة، إلى جبهات حلب، لتعزيز محاور القتال ضد قوات النظام، بعد اتفاق مع "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) التي كانت تمنع وصول مقاتلي "الحركة" إلى الجبهات، إثر خلاف أفضى لمواجهات بين الطرفين بداية العام الماضي، وانتهى بنفي مقاتلي "الزنكي" من معقلهم بريف حلب الغربي إلى عفرين، شمالي حلب، بالإضافة لحل الحركة.

ورحب القائد السابق لـ"الزنكي" توفيق شهاب الدين بالاتفاق. وكتب في تغريدة "الحمد لله الذي أقرّ أنفسنا بالاتفاق بين ثوار ريف حلب الغربي وبين هيئة تحرير الشام بوساطة الإخوة في أحرار الشام. جزاهم المولى خيراً على عودة الثوار إلى نقاط رباطهم والمشاركة في صد الهجمة الشرسة لمليشيات روسيا وإيران". وأضاف "فيا ثوارنا الأبطال في كل المحرر، البدارَ البدار، والسلاحَ السلاح، فهذا يومكم، هذا يوم المرحمة والملحمة، أروا الله من أنفسكم خيراً، وتعاونوا على صد المرتزقة، ودافعوا عن أهلكم وعرضكم وثورتكم، ولننسَ الماضي ولنسر على بركة الله". وسيشارك مقاتلو "الزنكي" سابقاً تحت مسمى "اللواء الثالث" المقاتل ضمن "فيلق المجد" التابع لـ"الجيش الوطني"، وهي التسمية للجديدة للحركة بعد حلها مطلع العام الماضي. ومن المتوقع أن تُحدث مشاركتهم فارقاً في موازين القتال، كون غالبيتهم من أبناء الريف الغربي لحلب، ويعرفون جغرافية المنطقة بشكل كامل بسبب قتالهم فيها لأعوام.

وأكد القائد العسكري لـ"اللواء الثالث" محمد محمود، لـ"العربي الجديد"، أن عناصر لوائه توزعوا على عدة نقاط "للرباط بالريف الغربي من حلب، منها البحوث العلمية والراشدين الشمالي والمنصورة. كما توزعوا كذلك على محاور القتال مزودين بأسلحة فردية ومتوسطة، وأنهم سيدفعون بمزيد من التعزيزات في الأيام القليلة المقبلة". وأشار إلى أن "نحو 300 مقاتل من اللواء هم الدفعة الأولى من التعزيزات التي وصلت إلى الريف الغربي، وستتبعها دفعات أخرى، سيشكلون فارقاً في عمليات القتال، كونهم تمرسوا في هذه الجبهات التي رابطوا وقاتلوا فيها لثماني سنوات قبل خروجهم إلى الريف الشمالي. علاوة على أن أغلبهم من أبناء المنطقة، بالإضافة إلى أن المدنيين سيرتاحون لوجودهم بينهم أو على جبهاتهم".