14 نوفمبر 2024
معرض مسقط للكتاب... أسئلة وأمنيات
في طريقي الآن إلى مسقط لحضور جانبٍ من فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب الذي سيكون قد افتتح البارحة (الأربعاء). ومع كل معرضٍ للكتاب، تتجدّد الآمال العريضة بمستقبل الكتاب العربي، وتاليا بالقراءة باعتبارها بضاعة الكتاب، وهو بضاعتها!
ما أراه من نموّ مطرد لدور النشر، وخصوصا في الخليج، يجعلني متفائلةً بذلك المستقبل، فقد أصبحت، في السنوات الأخيرة، أكتشف المزيد من دور النشر الجديدة مع كل دورة من دورات معارض الكتب التي أحضرها، وقاعدتي بسيطة على هذا الصعيد؛ لو لم يكن سوق النشر ناجحا لما دخلت إلى هذا السوق عناصر جديدة، ولو لم يكن للكتاب قرّاء، لما انتشرت دور النشر الجديدة بهذا الشكل الذي أصبحت فيه ظاهرة حقيقية.
صحيح أن الرديء مما يُكتب ويُطبع وينشر عبر هذه الدور، وغيرها، أكثر من الجيد، لكن هذا مؤقت. ومن متابعتي أسماء كثيرة انتشرت كتبها الرديئة بشكلٍ لا يكاد يصدّق، تبين أنها مجرّد فقاعاتٍ تضخمت فجأةً نتيجة النفخ الإعلامي الذاتي وغير الذاتي فيها. وسرعان ما اختفت، وظهرت غيرها بعد أن ساهمت، من حيث لا تدري، في تطوير صناعة النشر.. ومرحليا، يمكن قبول ذلك، اعتمادا على ما ينبغي تشجيعه من تفعيلٍ لدور النقد الذي لا يجب أن يقتصر على النقاد المحترفين وحسب، بل يشارك فيها كل القراء، ما دامت منابر التعبير السهل والصريح والمباشر والآني قد توفّرت أمام الجميع في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بتطبيقاتٍ متعدّدة.
وأنا أشدّد على هذه الجزئية تحديدا، لأنني لاحظتُ أن النقد يكاد يختفي من المشهد القرائي، إما لكثرة ما ينشر من كتبٍ أدبيةٍ في ظل قلة عدد النقاد، وإحساسها بثقل المهمة، أو لأن كثيرين ممن يقرأون يؤمنون بعدم جدوى النقد، ما دام أن المؤلفين لا يأخذون بها، ولا يهتمون بما يكتبه هؤلاء النقاد، وكأن ما يكتبه النقاد موجه للمؤلفين أساسا لا للقراء.. وحتى للمؤلفين. ولكن، بصفتهم قراء لا مؤلفين مؤقتا! وهكذا أصبحنا نقرأ عن كتب بلغ عدد طبعاتها العشرات، من دون أن يصاحب هذه الطبعات المتتالية أي مقالات نقدية. وعلى سبيل المثال، وقع بين يدي أخيرا كتاب صغير الحجم لمؤلف شاب في طبعته التي تربو على السبعين.. نعم! سبعون طبعة لهذا الكتاب الأول لصاحبه، فعنّ لي أن أبحث عبر محرر البحث "غوغل" عن أي مقالات نقدية تناولته فلم أجد شيئا تقريبا.
وهذا يتكرّر بالنسبة لكتب شعرية وروائية وقصصية أخرى، ما يجعل القارئ الباحث عن خياراتٍ جيدة للقراءة يحتار في ما يختار، فلا يجد أمامه سوى تلك المؤشرات المضللة غالبا للحكم على جودة الكتاب، ومنها عدد طبعاته وحجم الدعاية له من مؤلفه أو الدار التي طبعته ونشرته.. وربما سعره أيضا!
أتمنى أن أجد في متن معرض مسقط الدولي للكتاب الذي أحضره لأول مرة، بنسخته الثانية والعشرين، وعلى هامشه أيضا، ما يعزّز من تفاؤلي، ويغير بعض القناعات السلبية على صعيد الكتابة والكتاب والقراءة والطباعة والنشر وما حولها. وأظن أن هذا سيحدث لسبب شخصي بسيط، وهو أن مسقط عوّدتني دائما على المفاجآت الإيجابية السارّة في كل مرة أزورها فيها. فهي تعمل دائما على مواجهة كل الأسئلة والتحدّيات المستفزة حولها بهدوءٍ يليق بجمالها، وبصمتٍ يناسب شخصيتها، وبتواضعٍ نابع من ثقتها بنفسها.. وبإبداعٍ لا يشبه سواها.