تحوّلت مدينة تكريت العراقية وضواحيها إلى كتلة من الدخان واللهب المتصاعد، مع الساعات الأولى لإعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ساعة الصفر للهجوم على المدينة، نتيجة القصف الجوي والصاروخي والمدفعي الذي بدأته القوات العراقية؛ تساندها ستة فصائل من مليشيات عراقية والعشرات من مقاتلي الحرس الثوري الإيراني بقيادة قائد فيلق القدس قاسم سليماني، في هجوم للسيطرة على تكريت ثاني كبرى المدن العراقية التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) منذ نحو تسعة أشهر.
وقال رئيس الوزراء العراقي، في مؤتمر صحافي من سامراء قبيل ساعات من بدء الهجوم الواسع على مدينة تكريت والبلدات المجاورة لها، "إن زيارتي إلى سامراء هي لإعلان انطلاق عمليات استعادة تكريت من تنظيم داعش"، موضحاً أن "القوات العراقية عازمة على تحقيق النصر"، مؤكداً إصداره تعليمات للقوات المهاجمة بضرورة الحفاظ على أرواح المدنيين.
ويوضح العميد الركن محمد حسين، من لواء التدخل السريع الأول المتواجد حول تكريت، أن "أكثر من عشرين ألف جندي عراقي سيشاركون في العملية، منهم ثلاثة أفواج قتالية خاصة جرى تدريبها من قبل الجيش الأميركي خلال الأشهر الثلاثة الماضية".
ويقول حسين، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن الهجوم على مدينة تكريت يقع ضمن خطة أُعدت مسبقاً وأشرف عليها فريق من المستشارين والضباط المتقاعدين في الجيش الأميركي، مؤكداً "مشاركة ثلاثة تشكيلات جوية في المعركة، هي الأميركية والفرنسية والعراقية".
ويكشف حسين، الذي يتواجد حالياً في منطقة سور شناس الواقعة على بُعد 20 كيلومتراً شرق تكريت، أن "ستة تشكيلات من مليشيات عراقية، تُضاف إليها قوات إيرانية "استشارية" تابعة للحرس الثوري، تدعم القوات النظامية في حربها ضد تنظيم داعش".
وكان مسؤول عسكري عراقي كشف لـ "العربي الجديد" أن سليماني وصل إلى تكريت قادماً من سورية بعد ساعات قليلة قضاها في بغداد، حيث حطت طائرته في مطار بغداد الدولي. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن "سليماني سيخوض المعارك بصفته داعماً وليس قائداً هذه المرة، إذ توجد وفرة كبيرة بالمقاتلين الذين يحتشدون على أسوار المدينة".
وكانت وكالة فارس للأنباء قد أعلنت عن وصول سليماني إلى محافظة صلاح الدين لتقديم المشورة للقادة العراقيين في الحرب مع "داعش"، ونشرت صوراً له وهو يقف بين مجموعة من العناصر الأمنية.
إقرأ أيضاً: العراق: مجلس الأنبار يتكتم على مجازر "داعش" في البغدادي
من جهته، يقول مسؤول عسكري عراقي آخر لـ "العربي الجديد" إن الهجوم الذي بدأته القوات العراقية لم يُحدد له تاريخ معيّن لإعلان النصر، وقد تستمر العمليات لأسبوع أو أكثر، لكن هناك إصرار على دخول سامراء وإنهاء سيطرة "داعش".
ويؤكد المسؤول العسكري أن "خطة القوات البرية والحشد الشعبي تتناسق مع ضربات التحالف الدولي، إذ نركز على كثافة النيران والقصف الجوي بشكل يُفقد داعش عامل المناورة والتحرك وحتى المقاومة"، لافتاً إلى "تسديد أكثر من 49 ضربة جوية في الساعات الخمس الأولى من الهجوم؛ فضلاً عن إطلاق عشرات الصواريخ والمئات من قذائف المدفعية على المدينة".
وكانت ثلاث مليشيات عراقية رفعت شعارات دينية خلال الساعات الأولى للهجوم، ما دفع برئيس الوزراء إلى إصدار أوامر بإنزالها، وتغيير اسم العملية من "الثأر لشهداء سبايكر" إلى حملة "لبيك يا رسول الله"، وفقاً لما يكشفه مسؤول محلي عراقي في حكومة محافظة صلاح الدين لـ "العربي الجديد".
ويقول عضو في مجلس محافظة صلاح الدين، لـ "العربي الجديد"، إن "القوات العراقية والتحالف الدولي يستخدمان سياسة الأرض المحروقة خلال اقتحام تكريت، وقد يكرران الخطة في مدن أخرى كالموصل"، موضحاً أن "القصف طال مدارس ومساجد ومنازل ومحطات ماء وكهرباء ومختلف البنى التحتية، كما أن هناك طائرات تجوب سماء المدينة وتقصف السيارات المتحركة بشكل منع الأهالي من الفرار من المدينة"، معلناً أنه تم الطلب من العبادي "بضرورة السماح للأهالي بالخروج من خلال إعطائهم مهلة لعدة ساعات، وإلا فإن القصف سيقضي عليهم جميعاً".
من جهته، يؤكد نائب رئيس مجلس عشائر صلاح الدين الشيخ عبد الله الحردان لـ "العربي الجديد"، وجود "ثلاثة تشكيلات دولية جوية في سماء مدينة تكريت فضلاً عن قوات إيرانية".
ويلفت الحردان إلى أن "هناك قوات جوية أميركية وفرنسية وعراقية تشارك في المعركة، وعلى الأرض مدافع وصواريخ وقوات بالآلاف ستُدمر المدينة بمن فيها"، معتبراً أنه "كان على الحكومة إبلاغ المدنيين بضرورة ترك منازلهم والنزوح عن تكريت قبل الهجوم".
إلا أن قيادياً بارزاً في مليشيا "حزب الله-الجناح العراقي" أعلن عن خلو تكريت من السكان المدنيين.
وقال الشيخ جعفر عبد رضا لـ "العربي الجديد" خلال تواجده قرب تكريت، إن "المدينة أصبحت خالية تماماً من السكان، وسيتم التعامل مع كل المتواجدين فيها على أنهم أعداء، ولن نأخذ أسرى بل كلهم سيصبحون قتلى"، معتبراً أن "تكريت ستكون المفتاح لتطهير محافظات أخرى من سيطرة داعش، كالموصل والأنبار".
وحذر من أن خسارة هذه المعركة "يعني التسليم بترك البلاد للإرهابيين"، مشيراً إلى أن الهجوم من عدة محاور سيضيّق الخناق على عناصر التنظيم ويُقلل من فرص هروبهم.
كما دعا زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، إلى "نشر جثث الدواعش في المزابل لتأكلها الكلاب"، مضيفاً في رسالة وجّهها لمقاتلي الحشد الشعبي: "لا أريد أن يُقال إن كلباً جاع في زمن قيس الخزعلي".
لكن زعيم مليشيا "بدر" هادي العامري، طالب "جميع المدنيين بالخروج من تكريت لأن الحرب ستكون واسعة وقد لا يسلم منها أحد"، وهو ما يعارض تصريح عبد رضا بعدم وجود مدنيين في المدينة.
في المقابل، ناشد سكان محليون رئيس الجمهورية فؤاد معصوم والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري، لإنقاذهم من نيران المواجهات التي قد تندلع خلال الساعات المقبلة بين القوات الأمنية والمليشيات من جهة، وتنظيم "داعش" من جهة أخرى، مشيرين في حديث لـ "العربي الجديد" إلى أن تصريحات قادة المليشيات تدعوهم للقلق من حدوث عمليات إبادة جماعية بحقهم.
في المقابل أعلن تنظيم "داعش" أن الدخول إلى تكريت "لن يكون نزهة للتحالف الشيطاني" وفق قوله.
وقال في بيان له "وصلتم كما أردتم لكن ستخرجون كما نريد"، نافياً في بيانه الذي وُزّع في الموصل ومدن أخرى يسيطر عليها، تحقيق القوات المشتركة أي تقدّم منذ انطلاق العمليات العسكرية التي تجري في وقت واحد على تكريت والعلم والدور؛ وهي المدن المتجاورة التي تمثل غالبية مساحة محافظة صلاح الدين.
وذكر شهود عيان من أهالي الموصل أن المئات من المقاتلين التابعين للتنظيم توجّهوا إلى تكريت على متن عربات مصفحة مستخدمين طرقاً صحراوية مختصرة.
ويُعتبر هجوم تكريت هو الأول من نوعه الذي تشارك به قوات إيرانية وعراقية نظامية وغير نظامية، وتساندها طائرات أميركية وفرنسية، وهو ما يدفع مراقبين إلى استنتاج أهمية المعركة بالنسبة للتحالف الدولي والعراقيين، إذ إن خسارة التنظيم المتطرف لتكريت تعني فقدانه أهم مواقعه في التواصل بين مدن شمال وغرب البلاد، والتي يفرض سيطرته عليها منذ أشهر طويلة.