08 نوفمبر 2024
معركة السلطوية في المغرب
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
صار المغرب حقاً استثناءً في بلدان شمال أفريقيا والمشرق العربي، بما تحمله العبارة من معانٍ، فبعد أشهر من إعلان نتائج الانتخابات، كان فيها الوفاء للصندوق، والكلمة للشعب الذي هزم، أول مرة في التاريخ، وزارة الداخلية، لا يزال مصير الحكومة الحادية والثلاثين في علم الغيب، لأن مراكز السلطة داخل الدولة لم تستوعب بعد ما جرى يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، عندما قرّر الشعب المغربي؛ وتحديداً الفئة المقتنعة بقواعد اللعبة السياسية، السير في طريق الديمقراطية، ومواصلة نهج الإصلاحات، على الرغم من تكلفتها المرتفعة، حتى لا تلتحق البلاد بركب الدول العربية الفاشلة.
يمثل هذا الطرف "الجناح السلطوي" داخل الدولة، والذي يخترق بنية النظام السياسي بما يتوفر له من وكلاء وممثلين في الميادين كافة: السياسي، الاقتصادي، الديني، الإعلامي، الرياضي... يسعى إلى استعادة تقليدانيته التي تنازل عنها اضطرارياً مع الربيع العربي، وذلك بإعادة عقارب ساعة الإصلاح في المغرب إلى ما قبل 20 فبراير/ شباط 2011، والتحلل التدريجي من مقتضيات الدستور الجديد، أو على الأقل، إعطائه تأويلاً غير ديمقراطي.
في مقابل ذلك، يصر الطرف الآخر؛ أو ما يعرف بأنصار "الإرادة الشعبية"، في مقدمتهم عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المتصدّر الانتخابات، والمكّلف تشكيلَ الائتلاف الحكومي، على الانضباط لقواعد التفاوض، كما أفرزتها نتائج الاقتراع التي تعكس إرادة الشعب من وجهة نظره؛ أي أنه يفاوض بقية الأطراف من منطق انتخابي صرف، ليخرق بذلك العرف السلطوي الجاري به العمل منذ الاستقلال، والذي يقضي بالخضوع للتعليمات، ومسايرة الأوامر الصادرة من دوائر صناعة القرار. ما يعني أن الرجل أصبح يهدّد لعبة التوازنات الموروثة عن الماضي، وبدأ يدخل الرأي العام شاهداً، وحكماً على ما يجري في كواليس القرار.
معادلة صعبة، لا يعرف طرفيها ما يقدّمان، ولا ما يؤخّران في ظل اختلال موازين القوى التي تحول دون وضوح معالم صفقةٍ سياسيةٍ بينهما، فالدولة العميقة تفاوض من موقع ما قبل
الدستور، في سعيها إلى إنهاء الاستثناء المغربي، وتيار الإصلاح يصر على تحصين المكتسبات الديمقراطية، وتحسين موقعه التفاوضي باستثمار الشرعيتين، الدستورية والانتخابية.
بناءً عليه، يواصل أنصار السلطوية إصرارهم في السعي إلى نيل مرادهم، مهما كانت التكلفة، وشعارهم، في سبيل ذلك، تلك الحكمة العربية القديمة "العبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات". ما أوقعه في أخطاء فادحة، يُجمع المحللون على أنها نقاط مجانية منحت لرئيس الحكومة، ولسان حاله يردّد؛ مع الراحل عبدالكبير الخطيبي "يريدون أن يؤطروني في خانة ما، والحال أني ممتهن لقياس المساحات".
فرضت الدولة العميقة على بنكيران، حرصاً منها على ضبط جيد لهندسة الحكومة المقبلة، إبعاد حزب الاستقلال؛ صاحب المرتبة الثالثة في الانتخابات، بعدما كان التحفظ في البداية مقتصراً على شخص الأمين العام للحزب، حميد شباط. في موقف أثار غضب قواعد حزب تاريخي وقياداته، وهو حزب أسدى خدمات عديدة للدولة، ولمن يعملون على إبعاده من الائتلاف الحكومي. وبذلك يكون هذا الحزب قد دفع ضريبة تمرّده على مخطط ما عُرف بـ "انقلاب 8 أكتوبر"؛ الرامي إلى عزل حزب العدالة والتنمية، وإعلان أغلبيةٍ برلمانيةٍ دونه، حيث يصبح عندها أقليةً داخل مجلس النواب؛ حتى وإن حصل على حوالى ثلث المقاعد. ما يعني أن الانقلاب الأبيض على النتائج، وعلى الإرادة الشعبية، سيكون ناعماً وشرعياً وبالضربة القاضية، قبل الانتقال، بعد فشل ذاك السيناريو، إلى خيار معركة الجولات التي تحول حزب الاستقلال إلى واحدة منها.
شرط أريدَ به تحجيم قوة بنكيران في الحكومة والبرلمان؛ أي أن يكون رئيس حكومة لأغلبية تسيِّره، غير أن الراسخين في التنظير للسلطوية لا يتقنون كثيراً حساب الاحتمالات، حين دفعوا، من حيث لا يدرون، حزب الاستقلال إلى الاصطفاف مع الأغلبية الحكومية، حتى وإن لم يشارك في الائتلاف، ما يعني منح أصوات الفريق الاستقلالي (48 مقعداً) في مجلس النواب لرئيس الحكومة.
أعلن بنكيران، بعد ذلك، في خطوةٍ كان القصد منها وضع حد لمسلسل العرقلة، حصر مكونات الائتلاف الحكومي في الأحزاب الأربعة المنتهية ولايتها؛ ويقصد حزبه مع كل من أحزاب
التقدم والاشتراكية، الحركة الشعبية، التجمع الوطني للأحرار، غير أن تلك الخطوة لم ترق كثيراً لرجل الأعمال، عزيز أخنوش، زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، كبير المفاوضين الذي تمكّن من نسج تحالف رباعي غريب؛ حين ضم إليه حزب الاتحاد الدستوري، الحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في عز الأزمة الحكومية، بغرض محاصرة رئيس الحكومة، وإرغامه على قبول الشروط التي وضعها التحالف.
"تحالف أبيض" صُنع في زمن قياسي، يجمع أحزاباً أُمِرت بتشكيل تحالفٍ يفتقد إلى أرضية سياسية مشتركة وبرنامج موحد، ما يثبت أنه تكتيكي مؤقت، لا ينسجم مع خطاب الملك محمد السادس في دكار، لأن ممثلي هذا التحالف يتفاوضون بمنطق اقتسام الكعكة الحكومية وتوزيع الحقائب، وليس بمنطق البرنامج والأرضية الأيديولوجية (أحزاب يمينية إدارية مع حزب يساري اشتراكي)، وهو ما اعتبره رئيس الحكومة بمثابة ابتزاز له وللمؤسسة التي يمثلها، وإهانةً للمغاربة الذين جدّدوا الثقة فيه وفي حزبه، ومنحوه المرتبة الأولى، فأصدر بيانه "انتهى الكلام"، والذي أربك به أوراق المربع السلطوي، حين قرّر إيقاف سلسلة المشاورات، بعدما تبيّن له أن الأدوات الموجودة بيد دوائر السلطة المحرّكة لتلك الأحزاب محدودةٌ جداً، وهامش المناورة لديها يضيق يوماً بعد آخر.
فرضت عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي على رئيس الحكومة ضرورة مصادقة البرلمان على القانون الأساسي للاتحاد. وبذلك، وجد بنكيران نفسه مضطر الاستجابة لطلب الملك بهيكلة مجلس النواب. وقد أعادت هذه المسألة التواصل بين الأطراف، بغية التوافق حول شخصية من الأغلبية الحكومية المرتقبة، وهو ما لم يتم حين دعم زعيم التحالف الرباعي مرشحاً وحيداً، وهو لحبيب المالكي، من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (20 مقعداً)، الذي ظفر بالرئاسة، بفضل أصوات حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، فيما انسحب حزب الاستقلال من الجلسة، وصوّت حزبا العدالة والتنمية و"التقدم والاشتراكية" بالورقة البيضاء.
كانت خطةً دقيقة للغاية منها فرض حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في التركيبة الحكومية، من باب رئاسة مجلس النواب التي جرى العرف أن رئاستها تكون بيد حزب من الائتلاف الحكومي، وليس لأحزاب المعارضة. لكن بنكيران استطاع أن يفلت من هذا المأزق الذي ينتظر أن يكون بمثابة انتصارٍ للجناح السلطوي في هذه المعركة، حين أكد أنه يفصل بين انتخاب هياكل مجلس النواب الذي اقتضته مصلحة الوطن ممثلة في قضية الصحراء وتشكيل الحكومة والمشاورات المتعلقة بذلك.
وحتى لا تحسب عليه العرقلة، اقترح أن ينهج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خيار حزب الاستقلال؛ أي المساندة النقدية للحكومة، بمعنى رئاسة مجلس النواب من دون المشاركة فيها. وبذلك يضمن الخروج من وضعية الأغلبية المصطنعة المتحكّم فيها، كما تريد السلطوية، إلى أغلبية سياسية مسؤولة تابعة له، بصفته رئيساً للحكومة.
لن يحظى اقتراح كهذا بالقبول، لأن نجاحه سوف يفرغ موقع المعارضة في البرلمان التي سوف يمثلها حزب الأصالة والمعاصرة وحده. ويعزّز صفوف الأغلبية الحكومية بتموقع حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المساندة النقدية، ما يعني أن 66 مقعداً خارج الائتلاف الحكومي إلى جانب بنكيران، وهذا ما لن يسمح به الجناح السلطوي أبداً.
يظهر أن بنكيران حاول قدر المستطاع أن يضع سقفاً لما يمكن التنازل عنه، وما لا يمكن التفريط فيه، لكنه لم يستطع، حتى اللحظة، إيجاد توافق مع السلطوية التي تمعن في الصلابة، إلى درجة تقودها إلى أخطاء فادحة أحياناً.
وهذا طبيعي جداً، فهي تعلم علم اليقين أن أي تنازل منها سوف يتحوّل إلى مكسبٍ شعبي، لا مجال للتراجع عنه مستقبلاً. باختصار، الصراع قائم لتغيير عقلية سلطوية ترسخت عقوداً، تصر على أن تكون السنوات الخمس الماضية مجرد استثناء في تاريخ ممتد لسلطويةٍ ضد التحديث السياسي، ضد الخيار الديمقراطي، ضد شرعية الصندوق، ضد البرامج والأفكار... ضد الإرادة الشعبية.
يمثل هذا الطرف "الجناح السلطوي" داخل الدولة، والذي يخترق بنية النظام السياسي بما يتوفر له من وكلاء وممثلين في الميادين كافة: السياسي، الاقتصادي، الديني، الإعلامي، الرياضي... يسعى إلى استعادة تقليدانيته التي تنازل عنها اضطرارياً مع الربيع العربي، وذلك بإعادة عقارب ساعة الإصلاح في المغرب إلى ما قبل 20 فبراير/ شباط 2011، والتحلل التدريجي من مقتضيات الدستور الجديد، أو على الأقل، إعطائه تأويلاً غير ديمقراطي.
في مقابل ذلك، يصر الطرف الآخر؛ أو ما يعرف بأنصار "الإرادة الشعبية"، في مقدمتهم عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المتصدّر الانتخابات، والمكّلف تشكيلَ الائتلاف الحكومي، على الانضباط لقواعد التفاوض، كما أفرزتها نتائج الاقتراع التي تعكس إرادة الشعب من وجهة نظره؛ أي أنه يفاوض بقية الأطراف من منطق انتخابي صرف، ليخرق بذلك العرف السلطوي الجاري به العمل منذ الاستقلال، والذي يقضي بالخضوع للتعليمات، ومسايرة الأوامر الصادرة من دوائر صناعة القرار. ما يعني أن الرجل أصبح يهدّد لعبة التوازنات الموروثة عن الماضي، وبدأ يدخل الرأي العام شاهداً، وحكماً على ما يجري في كواليس القرار.
معادلة صعبة، لا يعرف طرفيها ما يقدّمان، ولا ما يؤخّران في ظل اختلال موازين القوى التي تحول دون وضوح معالم صفقةٍ سياسيةٍ بينهما، فالدولة العميقة تفاوض من موقع ما قبل
بناءً عليه، يواصل أنصار السلطوية إصرارهم في السعي إلى نيل مرادهم، مهما كانت التكلفة، وشعارهم، في سبيل ذلك، تلك الحكمة العربية القديمة "العبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات". ما أوقعه في أخطاء فادحة، يُجمع المحللون على أنها نقاط مجانية منحت لرئيس الحكومة، ولسان حاله يردّد؛ مع الراحل عبدالكبير الخطيبي "يريدون أن يؤطروني في خانة ما، والحال أني ممتهن لقياس المساحات".
فرضت الدولة العميقة على بنكيران، حرصاً منها على ضبط جيد لهندسة الحكومة المقبلة، إبعاد حزب الاستقلال؛ صاحب المرتبة الثالثة في الانتخابات، بعدما كان التحفظ في البداية مقتصراً على شخص الأمين العام للحزب، حميد شباط. في موقف أثار غضب قواعد حزب تاريخي وقياداته، وهو حزب أسدى خدمات عديدة للدولة، ولمن يعملون على إبعاده من الائتلاف الحكومي. وبذلك يكون هذا الحزب قد دفع ضريبة تمرّده على مخطط ما عُرف بـ "انقلاب 8 أكتوبر"؛ الرامي إلى عزل حزب العدالة والتنمية، وإعلان أغلبيةٍ برلمانيةٍ دونه، حيث يصبح عندها أقليةً داخل مجلس النواب؛ حتى وإن حصل على حوالى ثلث المقاعد. ما يعني أن الانقلاب الأبيض على النتائج، وعلى الإرادة الشعبية، سيكون ناعماً وشرعياً وبالضربة القاضية، قبل الانتقال، بعد فشل ذاك السيناريو، إلى خيار معركة الجولات التي تحول حزب الاستقلال إلى واحدة منها.
شرط أريدَ به تحجيم قوة بنكيران في الحكومة والبرلمان؛ أي أن يكون رئيس حكومة لأغلبية تسيِّره، غير أن الراسخين في التنظير للسلطوية لا يتقنون كثيراً حساب الاحتمالات، حين دفعوا، من حيث لا يدرون، حزب الاستقلال إلى الاصطفاف مع الأغلبية الحكومية، حتى وإن لم يشارك في الائتلاف، ما يعني منح أصوات الفريق الاستقلالي (48 مقعداً) في مجلس النواب لرئيس الحكومة.
أعلن بنكيران، بعد ذلك، في خطوةٍ كان القصد منها وضع حد لمسلسل العرقلة، حصر مكونات الائتلاف الحكومي في الأحزاب الأربعة المنتهية ولايتها؛ ويقصد حزبه مع كل من أحزاب
"تحالف أبيض" صُنع في زمن قياسي، يجمع أحزاباً أُمِرت بتشكيل تحالفٍ يفتقد إلى أرضية سياسية مشتركة وبرنامج موحد، ما يثبت أنه تكتيكي مؤقت، لا ينسجم مع خطاب الملك محمد السادس في دكار، لأن ممثلي هذا التحالف يتفاوضون بمنطق اقتسام الكعكة الحكومية وتوزيع الحقائب، وليس بمنطق البرنامج والأرضية الأيديولوجية (أحزاب يمينية إدارية مع حزب يساري اشتراكي)، وهو ما اعتبره رئيس الحكومة بمثابة ابتزاز له وللمؤسسة التي يمثلها، وإهانةً للمغاربة الذين جدّدوا الثقة فيه وفي حزبه، ومنحوه المرتبة الأولى، فأصدر بيانه "انتهى الكلام"، والذي أربك به أوراق المربع السلطوي، حين قرّر إيقاف سلسلة المشاورات، بعدما تبيّن له أن الأدوات الموجودة بيد دوائر السلطة المحرّكة لتلك الأحزاب محدودةٌ جداً، وهامش المناورة لديها يضيق يوماً بعد آخر.
فرضت عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي على رئيس الحكومة ضرورة مصادقة البرلمان على القانون الأساسي للاتحاد. وبذلك، وجد بنكيران نفسه مضطر الاستجابة لطلب الملك بهيكلة مجلس النواب. وقد أعادت هذه المسألة التواصل بين الأطراف، بغية التوافق حول شخصية من الأغلبية الحكومية المرتقبة، وهو ما لم يتم حين دعم زعيم التحالف الرباعي مرشحاً وحيداً، وهو لحبيب المالكي، من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (20 مقعداً)، الذي ظفر بالرئاسة، بفضل أصوات حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، فيما انسحب حزب الاستقلال من الجلسة، وصوّت حزبا العدالة والتنمية و"التقدم والاشتراكية" بالورقة البيضاء.
كانت خطةً دقيقة للغاية منها فرض حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في التركيبة الحكومية، من باب رئاسة مجلس النواب التي جرى العرف أن رئاستها تكون بيد حزب من الائتلاف الحكومي، وليس لأحزاب المعارضة. لكن بنكيران استطاع أن يفلت من هذا المأزق الذي ينتظر أن يكون بمثابة انتصارٍ للجناح السلطوي في هذه المعركة، حين أكد أنه يفصل بين انتخاب هياكل مجلس النواب الذي اقتضته مصلحة الوطن ممثلة في قضية الصحراء وتشكيل الحكومة والمشاورات المتعلقة بذلك.
وحتى لا تحسب عليه العرقلة، اقترح أن ينهج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خيار حزب الاستقلال؛ أي المساندة النقدية للحكومة، بمعنى رئاسة مجلس النواب من دون المشاركة فيها. وبذلك يضمن الخروج من وضعية الأغلبية المصطنعة المتحكّم فيها، كما تريد السلطوية، إلى أغلبية سياسية مسؤولة تابعة له، بصفته رئيساً للحكومة.
لن يحظى اقتراح كهذا بالقبول، لأن نجاحه سوف يفرغ موقع المعارضة في البرلمان التي سوف يمثلها حزب الأصالة والمعاصرة وحده. ويعزّز صفوف الأغلبية الحكومية بتموقع حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المساندة النقدية، ما يعني أن 66 مقعداً خارج الائتلاف الحكومي إلى جانب بنكيران، وهذا ما لن يسمح به الجناح السلطوي أبداً.
يظهر أن بنكيران حاول قدر المستطاع أن يضع سقفاً لما يمكن التنازل عنه، وما لا يمكن التفريط فيه، لكنه لم يستطع، حتى اللحظة، إيجاد توافق مع السلطوية التي تمعن في الصلابة، إلى درجة تقودها إلى أخطاء فادحة أحياناً.
وهذا طبيعي جداً، فهي تعلم علم اليقين أن أي تنازل منها سوف يتحوّل إلى مكسبٍ شعبي، لا مجال للتراجع عنه مستقبلاً. باختصار، الصراع قائم لتغيير عقلية سلطوية ترسخت عقوداً، تصر على أن تكون السنوات الخمس الماضية مجرد استثناء في تاريخ ممتد لسلطويةٍ ضد التحديث السياسي، ضد الخيار الديمقراطي، ضد شرعية الصندوق، ضد البرامج والأفكار... ضد الإرادة الشعبية.
دلالات
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
محمد طيفوري
مقالات أخرى
23 أكتوبر 2024
11 أكتوبر 2024
22 سبتمبر 2024