20 نوفمبر 2024
معركة العراقيين في بدايتها
بعد شهرين من المماطلة والتسويف، اضطر رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، إلى تقديم استقالته. استقال بعد ساعة فقط من إعلان المرجع الشيعي علي السيستاني، على لسان ممثله في خطبة الجمعة الماضية، ضرورة تغيير القيادة العراقية. إعلان المرجعية مهم، ويعد تطورا كبيرا في موقفها، جاء بعد تردّد طويل، ومدفوعا بتضحيات العراقيين، وبالمجازر التي وقعت أخيرا في الناصرية، والنجف نفسها، مقر الحوزة الدينية. ولكن هذا الإعلان يعطي، من جهة أخرى، انطباعا بأن موقف المرجعية كان أكثر أهمية وتأثيرا في قرار عبد المهدي الاستقالة من دماء أكثر من أربعمائة عراقي سقطوا خلال الاحتجاجات الى جانب نحو عشرين ألف جريح!
كان في مقدور عبد المهدي أن ينهي حياته السياسية بطريقة مشرفة أكثر، لو أنه اختار الخروج منذ بداية الانتفاضة، وسقوط أول شهيد. وكان في وسعه أيضا أن يصارح الشعب العراقي بحقيقة أنه لا يملك من أمره شيئا، بدل أن يتحمّل وزر الدم الذي أهرق في عهده، خصوصا، بعد أن تبيّن، بوضوح، أن قرار قمع الاحتجاجات تم اتخاذه في طهران، ونفذه على الأرض حلفاؤها، سواء في أجهزة الدولة، أو الحشد الشعبي، أو مكتب رئيس الوزراء نفسه، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة.
في كل الأحوال، يجب ألا يغيب عن البال أن التوافق على مجيء عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2018 تم أساسا لكونه شخصية سياسية ضعيفة، لا تسنده قوةٌ سياسيةٌ أو حزبية، وجاء بعد أن اعترضت إيران على حيدر العبادي الذي أبدى نوعا من الاستقلالية عنها خلال فترة حكمه (2014 - 2018)، فضلا عن أن تحالف النصر الذي كان يقوده جاء ثالثًا في انتخابات مايو/ أيار 2018. وعلى الرغم من أن مقتدى الصدر جاء أولَ بحصول تحالف سائرون الذي يتزعمه على 54 مقعدا، إلا أن هذا الآخر رضي من الغنيمة بالسلامة، وسار في "صفقة" عبد المهدي، بعد أن صارت إيران المقرّر الأول في شأن العراق، خصوصا بعد نشوء فصائل الحشد الشعبي، التي قامت لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وبسطت من خلالها سيطرتها على العراق.
لقد أنهت الاحتجاجات التي انطلقت من مدن الجنوب العراقي الجزء الأسهل من المعركة التي أعلنها العراقيون لاستعادة دولتهم وتقرير مستقبلهم، بطيها صفحة عبد المهدي، والتوافقات التي جاءت به تنفيذا لإرادة إيرانية، ولكن ما زال أمامهم الكثير لبلوغ أهدافهم، خصوصا أن إيران تبدي إصرارا على إبقاء العراق ضعيفا، مخترقا وتحت هيمنتها. مسارعة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، رفقة ضباط من الحرس الثوري، إلى بغداد، والنجف التي صارت تشكل تحدّيا كبيرا للهيمنة الإيرانية، لترتيب مرحلة ما بعد عبد المهدي، تعد شاهدا على إصرارها على التحكّم بمخرجات الحركة الاحتجاجية، بعد أن فشلت في قمعها.
في مقابل الإرادة الإيرانية، تبرز إرادة العراقيين المصرّين على الاستمرار في نضالهم السلمي حتى تحقيق أهدافهم، وتتمحور خطوتهم التالية حول دفع البرلمان إلى القيام بإجراء تغييرات جذرية على قانون الانتخابات، بما يسمح ببروز قوى سياسية غير التي حكمت البلد ونهبت مقدراته في السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي عام 2003، يتم بعدها الدعوة إلى انتخابات مبكرة تحت إشراف هيئة جديدة مستقلة للانتخابات. لن يكون هذا الأمر سهلا، لأنه سيكون مطلوبا من القوى السياسية عينها التي تحكم قبضتها الآن على البرلمان أن تُصدر حكما بالإعدام على نفسها. ولكن هذه الخطوة ضرورية، بدونها لن تكون الانتفاضة قد حقّقت شيئا فعليا، فعبد المهدي ليس سوى واجهة باهتة لشبكة مصالح فوق وطنية عابرة للحدود، تستحكم بروح العراق وجسده، وتتلقّى تعليماتها من طهران. ومن الممكن جدا لها أن تستبدله برئيس حكومة آخر، وتستمر في هيمنتها. إذا تحقّقت هذه الخطوة، أي إفراز قوى سياسية وطنية تحل محل القائمة عبر قانون انتخاب جديد، يكون العراقيون قد قطعوا نصف الشوط نحو استعادة دولتهم، عبر تمثيل سياسي يعكس إرادتهم ويحقق مصالحهم. الخطوة التالية الأصعب سوف تتمثل في المجيء بسلطةٍ تكرّس سيادة القانون، وتحتكر استخدام العنف في المجتمع، عبر تفكيك كل المليشيات ودمج أفرادها في أجهزة الدولة. فقط عندها يمكن القول إن العراق استعاد قراره، وكسب معركة استقلاله.
في كل الأحوال، يجب ألا يغيب عن البال أن التوافق على مجيء عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2018 تم أساسا لكونه شخصية سياسية ضعيفة، لا تسنده قوةٌ سياسيةٌ أو حزبية، وجاء بعد أن اعترضت إيران على حيدر العبادي الذي أبدى نوعا من الاستقلالية عنها خلال فترة حكمه (2014 - 2018)، فضلا عن أن تحالف النصر الذي كان يقوده جاء ثالثًا في انتخابات مايو/ أيار 2018. وعلى الرغم من أن مقتدى الصدر جاء أولَ بحصول تحالف سائرون الذي يتزعمه على 54 مقعدا، إلا أن هذا الآخر رضي من الغنيمة بالسلامة، وسار في "صفقة" عبد المهدي، بعد أن صارت إيران المقرّر الأول في شأن العراق، خصوصا بعد نشوء فصائل الحشد الشعبي، التي قامت لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وبسطت من خلالها سيطرتها على العراق.
لقد أنهت الاحتجاجات التي انطلقت من مدن الجنوب العراقي الجزء الأسهل من المعركة التي أعلنها العراقيون لاستعادة دولتهم وتقرير مستقبلهم، بطيها صفحة عبد المهدي، والتوافقات التي جاءت به تنفيذا لإرادة إيرانية، ولكن ما زال أمامهم الكثير لبلوغ أهدافهم، خصوصا أن إيران تبدي إصرارا على إبقاء العراق ضعيفا، مخترقا وتحت هيمنتها. مسارعة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، رفقة ضباط من الحرس الثوري، إلى بغداد، والنجف التي صارت تشكل تحدّيا كبيرا للهيمنة الإيرانية، لترتيب مرحلة ما بعد عبد المهدي، تعد شاهدا على إصرارها على التحكّم بمخرجات الحركة الاحتجاجية، بعد أن فشلت في قمعها.
في مقابل الإرادة الإيرانية، تبرز إرادة العراقيين المصرّين على الاستمرار في نضالهم السلمي حتى تحقيق أهدافهم، وتتمحور خطوتهم التالية حول دفع البرلمان إلى القيام بإجراء تغييرات جذرية على قانون الانتخابات، بما يسمح ببروز قوى سياسية غير التي حكمت البلد ونهبت مقدراته في السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي عام 2003، يتم بعدها الدعوة إلى انتخابات مبكرة تحت إشراف هيئة جديدة مستقلة للانتخابات. لن يكون هذا الأمر سهلا، لأنه سيكون مطلوبا من القوى السياسية عينها التي تحكم قبضتها الآن على البرلمان أن تُصدر حكما بالإعدام على نفسها. ولكن هذه الخطوة ضرورية، بدونها لن تكون الانتفاضة قد حقّقت شيئا فعليا، فعبد المهدي ليس سوى واجهة باهتة لشبكة مصالح فوق وطنية عابرة للحدود، تستحكم بروح العراق وجسده، وتتلقّى تعليماتها من طهران. ومن الممكن جدا لها أن تستبدله برئيس حكومة آخر، وتستمر في هيمنتها. إذا تحقّقت هذه الخطوة، أي إفراز قوى سياسية وطنية تحل محل القائمة عبر قانون انتخاب جديد، يكون العراقيون قد قطعوا نصف الشوط نحو استعادة دولتهم، عبر تمثيل سياسي يعكس إرادتهم ويحقق مصالحهم. الخطوة التالية الأصعب سوف تتمثل في المجيء بسلطةٍ تكرّس سيادة القانون، وتحتكر استخدام العنف في المجتمع، عبر تفكيك كل المليشيات ودمج أفرادها في أجهزة الدولة. فقط عندها يمكن القول إن العراق استعاد قراره، وكسب معركة استقلاله.