يمكن القول إن المعارضة السورية المسلحة تمكنت، من خلال حسم معركة بصرى الشام في ريف درعا، من تحقيق أبرز انتصار عسكري، حتى الآن، على القيادة الإيرانية العسكرية للحرب في الجبهة السورية.
فقد أخذت معارك هذه الجبهة طابعاً مختلفاً بعض الشيء عن المدن الأخرى، بعدما قررت إيران قيادة المعركة هناك، في سعي وراء تقويض أحلام المعارضة السورية في الدخول إلى دمشق عبر الخاصرة الجنوبية والغربية للعاصمة، وإنتاج منطقة جغرافية أقرب للجنوب اللبناني من حيث التركيبة الطائفية والحزبية المسلحة بشعار المقاومة.
على ضوء ذلك، وبعد سلسلة من المعارك المتواصلة بين فصائل المعارضة وقوات النظام، المدعومة بقوات من "حزب الله" اللبناني والحرس الثوري الإيراني ومليشيات أفغانية وعراقية، في المناطق الواصلة بين درعا والقنيطرة وريف دمشق، وأبرزها بلدة حمريت، أرادت قوات المعارضة قلب المعطيات على إيران، فبدأت من أهم معاقل جيش النظام وحلفائه في درعا، والخزان البشري في المنطقة، والمتمثل في مدينة بصرى الشام، في ريف درعا الشرقي، قرب محافظة السويداء.
في هذه الأثناء، حاول النظام السوري، إحداث فتنة بين السويداء ودرعا، عبر الادعاء بأن أهالي درعا يريدون الدخول إلى السويداء، إلا أن المعارضة كانت واعية ومدركة لذلك، وأصدرت "غرفة الإعلام العسكري" في الجبهة الجنوبية بياناً أوضحت فيه أن "قوات المعارضة لم ولن تسعى إلى دخول مناطق السويداء، ولكن كان المطلوب قطع الإمداد من قريتي بكا وذيبين، وما الاشتباكات التي حصلت إلا رد فعل على بعض الذين حاولوا الاصطياد بالماء العكر".
وسرعان ما بدأت حواجز قوات النظام تتهاوى أمام هجوم المعارضة على المدينة، بعد ثلاثة أيام من إطلاق معركة تحت شعار "قادسية بصرى"، في إشارة إلى المعركة الشهيرة بين العرب والفرس في العراق التي وقعت في عام 636 ميلادي، وانتهت بانتصار حاسم للعرب. وتمكنت المعارضة المسلحة من السيطرة على القلعة الأثرية وحاجز برد العسكري والمستشفى الوطني، وأعلنت أمس الأول الثلاثاء، السيطرة على المدينة بشكل كامل، خالية من قوات النظام و"حزب الله" والحرس الثوري الإيراني.
وفي هذا السياق، يؤكد المتحدث الرسمي باسم "الفيلق الأول" التابع لـ "الجيش السوري الحر" ابراهيم نور الدين، أن "أهمية السيطرة على مدينة بصرى الشام معنوية؛ كونها تضم أكبر معاقل النظام وتجمعات للحرس الثوري الإيراني وعناصر حزب الله، وشكلت ضربة قاسمة للنظام ولحلفائه".
ويوضح نور الدين، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن" السيطرة على المدينة كانت أيضاً بهدف فك الحصار الذي يعاني منه مدنيو الجزء الغربي والشرقي من المدينة، بالإضافة لكون المدينة آخر تواجد للمليشيات وللنظام بين محافظتي السويداء ودرعا، مما يسهل وصول الثوار للطريق العسكري القديم الذي يصل بين السويداء ومعبر نصيب، على امتداد الحدود الأردنية؛ وهذا يؤدي لقطع طرق إمداد النظام من محافظة السويداء".
اقرأ أيضاً: مقاتلو درعا: طريق دمشق لا يمر بالسويداء
وتقع مدينة بصرى الشام التاريخية على بعد 40 كيلومتراً عن مركز مدينة درعا، ونحو 140 كيلومتراً عن دمشق، وترتفع عن سطح البحر نحو 850 متراً، وتعتبر من المدن التاريخية ذات الأهمية، حيث كانت عاصمة دينية ومركزاً تجارياً هاماً وممراً على طريق الحرير الذي يمتد إلى الصين.
وأشاد الائتلاف الوطني المعارض بما سماها "الانتصارات المتلاحقة التي يحققها الجيش السوري الحر، بعد تحرير بصرى الشام". وأكد المتحدث الرسمي باسم الائتلاف سالم المسلط بأن "الجيش السوري الحر يثبت مرة بعد أخرى، بأن عزيمته ثابتة ومبادئه راسخة، وأنه قادر على تحقيق الانتصارات بمعزل عن التردد والتقاعس الدولي"، مجدداً "الثقة بقوى الثورة التي تدافع عن المدنيين وتلتزم بمبادئها وتحترم العهود"، ومشدداً على "موقفنا بالتمسك بمبادئ الثورة حتى إسقاط النظام".
ويبدو أن السيطرة على مدينة بصرى الشام كانت نقطة البداية، بعد ارتفاع المعنويات في صفوف المعارضة، إذ أصدرت الجبهة الجنوبية بياناً تلقت "العربي الجديد" نسخة منه، أعلن فيه الجيش الأول والفصائل المشاركة من الجبهة الجنوبية، بدء معركة جدية غرب مدينة الصنمين في الريف الشمالي الغربي لمحافظة درعا.
ويؤكد الناشط الإعلامي من درعا عماد الحوراني، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "فتح معركة تحرير كتيبة جدية، يأتي ضمن معارك تحرير الريف الشمالي باتجاه دمشق"، مشيراً إلى أن "التقدّم الآن هو للجيش الحر، وهناك معارك أخرى سيتم الإعلان عنها تباعاً، وسيستأنف العمل على منطقة قرفا، قرب مدينة ازرع على الأوتوستراد الدولي، والتي إن تحررت سيتم قطع الإمدادات بشكل كامل عن كل النقاط باتجاه مدينة درعا".