ويلفت مسؤولون أفغان إلى أن الجانب الباكستاني طلب الوفد إلى إسلام أباد لإبلاغه فقط بقراره بنصب أربع بوابات على الحدود المشتركة بهدف قطع الطريق على المسلحين الذين ينشطون في البلدين، لكن الوفد أصرّ على رفضه لأي تحرك أحادي على الحدود. وعلى الرغم من إصرار إسلام أباد على أنّ تشديد الرقابة على الحدود يهدف إلى القضاء على نشاط الجماعات المسلحة، يرى الجانب الأفغاني عكس ذلك.
ويقول السفير الأفغاني المعتمد لدى إسلام أباد، مندوب الرئيس الأفغاني لدى باكستان، داكتر عمر زاخيلوال، إن المسلحين يحصلون على الدعم داخل المدن الباكستانية، ومنها كويتا وبشاور، وأنهم يسلكون غير الطرق المعتادة على الحدود، بدعم من الأجهزة الباكستانية. ويوجد حوالي 350 طريقاً على امتداد الحدود الأفغانية ــ الباكستانية التي يصل مداها إلى 2500 كيلومتر.
في المقابل، تصرّ الاستخبارات الباكستانية على أن لديها أدلّة توثّق أن منفذي هجمات عدة، أخيراً، في باكستان عبرت الحدود المشتركة على نقطة طورخم الحدودية، التي وقعت فيها الاشتباكات بين القوات الحدودية الأفغانية والباكستانية، الأسبوع الماضي، والتي أدت إلى مقتل وإصابة العديد من العسكريين والمدنيين على الضفتين.
وما يؤكد فشل المباحثات تصريحات مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون الخارجية، سرتاج عزيز، الحادّة، التي صدرت فور مغادرة الوفد الأفغاني إسلام أباد. وقال عزيز إن "أفغانستان والولايات المتحدة تريدان أن تخوض إسلام أباد حرب أفغانستان على أرض باكستان من خلال شن الحرب على حركة طالبان، ولن يحدث ذلك"، مطالباً الجانب الأفغاني أن يقدم لـ"طالبان" ما يمنعها من مواصلة الحرب والانخراط في العمل السياسي.
إلا أنّ ما أثار استغراب الأفغان هو اعتراف عزيز أن لبلاده تأثيراً على "طالبان"، وأن عودة الأخيرة إلى الحوار ستحصل بعد أن تقدم الحكومة الأفغانية للحركة امتيازات أكثر. وأكد عزيز أن بلاده ستتعامل بالمثل مع أي عدوان على الحدود، وأنها ستنفذ خططها على الحدود من دون استئذان أي جهة.
على الضفة الأخرى، يقول نائب في البرلمان الأفغاني، كمال ناصر أصولي، أن الرئيس الأفغاني أشرف غني، وشورى الأمن أصدرا توجيهات صريحة إلى القوات الحدودية بأن تتصدى لأي محاولة من جانب باكستان لنصب البوابة على الحدود المتنازع عليها. إصرار الجانبين على موقفيهما، وفقاً لمراقبين، يؤكد أن الحدود قد تشهد تطورات عسكرية أكثر خطورة خلال الأيام المقبلة.
تظاهرات على الحدود
شهد طرفا الحدود الأفغانية ـ الباكستانية التي تقطنها القبائل البشتونية تظاهرات في الأيام القليلة الماضية. كل طرف يؤيد موقف بلاده ويندد بالآخر. في مدينة كرديز، عاصمة إقليم بكتيا الأفغاني، تظاهر مئات الأفغان، الثلاثاء الماضي، للتنديد بما وصفوه بـ"الاعتداء الباكستاني على الحدود الأفغانية"، مهددين بتنظيم جيوش قبلية ضد الجيش الباكستاني للدفاع عن أراضيهم. ورفع المتظاهرون لافتات ضد الجيش والحكومة الباكستانيين، مطالبين الحكومة الأفغانية بعدم الرضوخ إلى مطالب باكستان والاستعانة بالقبائل للدفاع عن الحدود.
وفي تعليق له، يقول الزعيم القبلي في إقليم بكتيا، مسافر خان، وهو أحد منظمي التظاهرات في الإقليم، إنّ القبائل لن تقبل أي بوابة من الجانب الباكستاني، إذ إن "تشديد الرقابة على الحدود يفصل بين أبناء القبائل، ولن نعترف بتلك الحدود، ونرى أن خط ديورند من صنع الإنكليز لتمزيق أواصر قبائلنا". ويضيف الزعيم أن القبائل كلها مستعدة للدفاع عن وحدتها.
كما شهد منفذ طورخم الحدودي في إقليم ننجرهار، شرق أفغانستان، تظاهرة، الثلاثاء الماضي. وهدّد المتظاهرون بإغلاق الطرق في وجه التجارة بين الدولتين، ومنع البضائع الباكستانية التي يستوردها الأفغان، والتي تكسب منها باكستان الملايين، كما يدعي المتظاهرون الغاضبون. لا يطلب هؤلاء من باكستان مراجعة قرارها بنصب البوابات، بل يدعونها إلى إلغاء نظام التأشيرة وجواز السفر.
في المقابل، شهدت مدينة بشاور، عاصمة إقليم خيبر بختونخوا، يوم الإثنين، تظاهرة شارك فيها العشرات من التجار ونشطاء المجتمع المدني. وعلى الرغم من أن التظاهرة كان هدفها العلني مطالبة الحكومة الباكستانية بترحيل اللاجئين الأفغان، فإن جميع اللافتات التي رفعت كانت ضد الرئيس الأفغاني وسياساته مع باكستان. وأحرق المتظاهرون صور الرئيس الأفغاني.
بطاقة اللاجئين والقبائل
يتوقع مراقبون أن يتباحث وزير الخارجية الأفغاني صلاح الدين رباني، في القضية مع مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون الخارجية سرتاج عزيز، على هامش اجتماع منظمة شنغهاي في العاصمة الأوزباكستانية طشقند، الأسبوع المقبل. لكن نظراً إلى موقف الطرفين والتحركات الموجودة على ضفتَي الحدود، لا يتوقع مراقبون أي تطور هام في هذا الصدد.
إلا أنه وقبل أي تطور عسكري على الحدود، يرجح هؤلاء المراقبين أن يمارس كل طرف ضغوطاً متزايدة على الطرف الثاني، وقد تستخدم باكستان مرة أخرى بطاقة اللاجئين، إذ أكد سرتاج عزيز في تصريحاته الأخيرة، أن اللاجئين الأفغان عبئ ثقيل على باكستان، وأن وجود هؤلاء خطر على أمن بلاده. كما صرّح وزير شؤون اللاجئين الأفغاني عالمي بلخي، في تصريحات له يوم الثلاثاء، أن باكستان لم تجدّد فترة إقامة اللاجئين الأفغان على الرغم من وعودها للجانب الأفغاني والمفوضية العليا للاجئين.
أما الجانب الأفغاني، فقد يستخدم قبائل الطرفين التي تتأثر أكثر من أي جهة أخرى من خلال تشديد الرقابة على الحدود، وأنّ تحرُّك هؤلاء، لا محالة، وفقاً لمتابعين، سيخلق مشاكل للحكومة الباكستانية. كما يُتوقع أن تغلق تلك القبائل الطرق في وجه التجارة مع باكستان. وبالتالي، ستخسر باكستان الأسواق الأفغانية لصالح منافسيها، إيران ودول آسيا الوسطى.
ومع تدشين ميناء تشهاربهار الإيراني، الشهر الماضي، وجدت أفغانستان طريقها إلى البحر والهند، ولم تعد بحاجة إلى ميناء كراتشي. كما أن إيران والهند ترغبان في أن تخسر باكستان أسواق أفغانستان، وتعملان لذلك مع الحكومة الأفغانية، وهو الأمر الذي ذكر خلال اجتماعات الوفد الأفغاني مع مسؤولين باكستانيين، الإثنين الماضي، إذ أعرب الجانب الباكستاني عن حفيظته إزاء النفوذ الهندي في أفغانستان.
وفي حال وقوع أي تطور مسلّح على الحدود، فإن الطرفين سيخسران الكثير، وقد يدخلان في دوامة حرب لا تحمد عقباها، وفقاً للمراقبين أنفسهم. إلا أن ما تخشى باكستان من حدوثه هو أن الصين قد تعيد النظر في مشاريعها التنموية بباكستان في حال استمرار التوتر على الحدود، لا سيما أن معظم تلك المشاريع تتعلق بالمناطق الحدودية. وتحاول الصين أن تصل عبر باكستان وأفغانستان إلى دول آسيا الوسطى. لذا فإن باكستان ترغب في تطبيق مخططاتها على الحدود مع أفغانستان، لكنها تتجنب، في الوقت ذاته، الحروب والتوتر على الحدود، وتريد أن ترضخ أفغانستان لمطالبها من دون أي تحرك عسكري. لكن لا يبدو في الوقت الراهن أن تقوم كابول بذلك، لا سيما أنها تتهم إسلام أباد بالتدخل العسكري من خلال دعم "طالبان" والجماعات المسلحة.