على الرغم من إجراء أربع جولات حوار بين الحكومة العراقية في بغداد، وحكومة إقليم كردستان في أربيل، منذ منتصف فبراير/ شباط الماضي، بهدف التوصل إلى تفاهمات بشأن القضايا الخلافية بين الجانبين، إلا أنّ هذه الحوارات لم تحقق أي تقدم يذكر بعد تعقّد النقاشات نتيجة زيادة سقف المطالب من قبل المسؤولين في بغداد، ورفض الإقليم لهذه المطالب التي تمثلت برغبة الحكومة الاتحادية بالسيطرة على جميع الموارد النفطية، وإيرادات المنافذ الحدودية في كردستان، بالإضافة إلى الخلافات بشأن المسائل التقليدية العالقة، كالأوضاع في المناطق المتنازع عليها، ومرتبات موظفي الإقليم.
وقالت مصادر سياسية في إقليم كردستان لـ"العربي الجديد"، إنّ الوفد الكردي الذي زار بغداد مطلع الأسبوع الحالي، فوجئ بزيادة في سقف المطالب، بعدما طالب مسؤولون حكوميون سلطات إقليم كردستان بتسليم بغداد كل واردات النفط المصدر من الإقليم، وعدم الاكتفاء بإيرادات 250 ألف برميل يومياً كما في الاتفاقات السابقة، وذلك مقابل إطلاق حصة كردستان من موازنة الدولة الاتحادية. وأوضحت المصادر أنّ مسؤولين عراقيين طالبوا أيضاً بافتتاح منفذ جديد مع تركيا ضمن حدود إقليم كردستان وإخضاع المنافذ كلها إلى سلطة الدولة الاتحادية، كما ينصّ عليه الدستور. فضلاً عن طلب كشوفات بالصادرات النفطية من الإقليم منذ عام 2014 ووجهتها، مع طرح موضوع التقارير التي تؤكد وصول النفط العراقي المصدّر من حقول الإقليم عبر الموانئ التركية إلى الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، وهو ما أكده مسؤول عراقي لـ"العربي الجديد" كذلك، قائلاً إنّ القوى العربية الشيعية والسنية تؤيد هذا الطرح أيضاً بخصوص ملف أربيل.
الوفد الكردي الذي زار بغداد مطلع الأسبوع الحالي فوجئ بزيادة في سقف المطالب
ولفتت المصادر إلى أنّ القوى الكردية بدأت منذ السبت الماضي بالتنسيق في ما بينها للتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يساهم في إنجاح الحوارات مع الحكومة العراقية، موضحةً أنّ أغلب أحزاب كردستان لا تميل إلى تقديم مزيد من التنازلات لبغداد، والتعامل مع مطالب الحكومة العراقية وفقاً للدستور.
وأول من أمس، الأربعاء، قال بيان لرئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور البارزاني، إن الأخير اجتمع عبر تقنية "الفيديو كونفرنس" مع الوفد الذي زار بغداد لعقد المباحثات بين الجانبين. ونقل البيان عن البارزاني تأكيده على ضرورة استمرار المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن حقوق الإقليم ومستحقاته الدستورية. وأكد أنّ إقليم كردستان "مصمم على الدفاع عن حقوقه المشروعة في إطار الدستور العراقي، ولن يتنازل عنها على الإطلاق".
من جهتها، نقلت وسائل إعلام مقربة من حكومة الإقليم، عن نائب رئيس حكومة كردستان قوباد الطالباني، الذي يرأس الوفد الكردي المفاوض، أنّ الأخير سيعقد سلسلة اجتماعات مع السفراء والقناصل ومبعوثي الدول الأجنبية، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، لإطلاعهم على المفاوضات، ما يشير إلى تعقّد الأجواء مجدداً مع بغداد.
في السياق، أكد عضو البرلمان السابق عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، ماجد شنكالي، استمرار التواصل بين بغداد وأربيل من أجل التوصل إلى اتفاق في ظلّ معاناة كلا الطرفين من أزمة مالية خانقة، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الجميع يريد التوصل إلى حلول". وتابع "لكن إلى حدّ الآن، لم يتم توقيع اتفاق كامل بين الجانبين"، مشيراً إلى "وجود بعض الأطراف التي تريد استغلال الظرف الاقتصادي الذي يمرّ به إقليم كردستان".
ولفت شنكالي إلى أنّ مفاوضي إقليم كردستان "لن يقبلوا بوضعهم تحت الضغط"، مؤكداً أنّ "حكومة بغداد تطالب بأن يقوم الإقليم بتسليمها إيرادات النفط، وكذلك السيطرة على المنافذ". واعتبر شنكالي أنّ "المسألة هي مسألة إرادة، فإذا كانت هناك إرادة من قبل الطرفين يمكن الوصول إلى حلّ وسط، أما إذا كان أحد الطرفين يريد أن يستفيد على حساب الآخر، فذلك سيصعّب الوصول إلى اتفاق"، مضيفاً أنه "إذا تمّ صرف كل موازنة إقليم كردستان يمكن التوصل إلى اتفاق، أما في حال قيام بغداد بصرف مبلغ 600 مليار دينار فقط (500 مليون دولار) شهرياً، مقابل استلام كل واردات الإقليم، ففي هذه الحالة من الصعب الوصول إلى حلّ".
أغلب أحزاب إقليم كردستان لا تميل إلى تقديم مزيد من التنازلات لبغداد
وأوضح أنّ إقليم كردستان "لديه تفاهمات مع شركات أجنبية في ما يتعلق بالنفط"، مبيناً أن "حصول اتفاق على تسليم واردات النفط إلى بغداد، هو أمر يترتب عليه وصول الإيرادات عن طريق شركة تسويق النفط العراقية التابعة للحكومة الاتحادية (سومو)".
وأكد النائب الكردي السابق أنّ أبرز الملفات العالقة بين بغداد وأربيل هو ملف المادة 140 من الدستور والتي تضع آليات لحل الخلافات بين بغداد وأربيل بشأن كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها، موضحاً أن هذا الملف هو "الأهم والأخطر الذي يجب تجاوزه في المرحلة المقبلة". ورأى أنّ موازنة الإقليم، والخلافات بشأن النفط، ومرتبات موظفي كردستان، "تعدّ قضايا يمكن حلها من خلال القوانين، أما المادة 140، فهي تمثل ملفاً سياسياً شائكاً، يشمل مكونات مختلفة في مناطق متعددة فيها تداخل اجتماعي كبير".
ووفقاً للمادة 140 من الدستور العراقي، فإنّ على السلطة التنفيذية الاتحادية استكمال متطلبات المادة 58 في قانون إدارة الدولة بجميع فقراتها، بما فيها الإحصاء السكاني، والتطبيع (علاج التغييرات التي طرأت على التركيبة السكانية) والاستفتاء في كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها قبل نهاية عام 2007. ونصت المادة 58 من قانون إدارة الدولة على إلزام الحكومة العراقية بإزالة الظلم الذي مارسه النظام السابق (نظام صدام حسين) الذي نتج عنه تغيير ديمغرافي في كركوك ومناطق عراقية أخرى.
إلى ذلك، أكد المتحدث باسم كتلة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في البرلمان العراقي، آرام بالتي، أنّ حكومة الإقليم سلمت بغداد كل البيانات المتعلقة بأعداد موظفي كردستان، والملف النفطي، مبيناً في تصريح صحافي، أنّ الحكومة العراقية ستقوم بدراسة المقترحات الكردية ومن ثمّ سترد عليها. وقال إنّ حكومة بغداد "تريد أن تتعامل مع ملف نفط كردستان من دون مراعاة التزامات حكومة الإقليم مع شركات النفط العالمية"، موضحاً أنّ أربيل "أبدت استعدادها لدراسة أي حلّ يمكن أن يرضي الطرفين".
والأسبوع الماضي، زار بغداد وفد كردي برئاسة نائب رئيس حكومة إقليم كردستان قوباد طالباني، والتقى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ومسؤولين عراقيين آخرين وناقش معهم القضايا العالقة، قبل أن يصل وفد فني آخر من أربيل إلى بغداد للموضوع نفسه. وبحسب وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار، فإنّ "النقاشات مستمرة بهدف ترميم العلاقة مع إقليم كردستان"، مشدداً في حديث نشرته صحيفة "الصباح" الرسمية، على "ضرورة التزام الإقليم بمحددات وقرارات منظمة أوبك". وأوضح أنه "يجب ألا يزيد إنتاج الإقليم من النفط عن 370 ألف برميل يومياً"، مبيناً أنّ الحكومة العراقية "مؤمنة بوجوب التكامل بين الحكومة الاتحادية والإقليم في قراراته وسياساته العامة".
حكومة الإقليم سلمت بغداد كل البيانات المتعلقة بأعداد موظفي كردستان، والملف النفطي
ولفت عبد الجبار إلى أنّ "جميع حقول النفط في البلاد يجب أن تكون خاضعة لسياسة نفطية واحدة، فضلاً عن إدارة الثروات ضمن السياسة الاتحادية، مع الأخذ بعين الاعتبار حقوق الإقليم التي ينصّ عليها الدستور العراقي".
إلى ذلك، قال عضو البرلمان عن تحالف "الفتح"، عامر الفايز، إنّ الخلافات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، "ترجع إلى تزمت الموقف الكردي"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "كميات النفط المصدرة من الإقليم تمثّل مشكلة رئيسية بين بغداد وأربيل". وأشار إلى أنّ "حكومة بغداد لديها استحقاقات مالية على أربيل"، معتبراً أنّ الحكومة الاتحادية "لم ترفع سقف مطالبها، بل طالبت باستلام حقوقها المترتبة على حكومة كردستان".
وتابع أنّ "الساسة الأكراد لا يريدون التجاوب مع بغداد"، مؤكداً أنّ "مطالبة الأخيرة بواردات النفط تعدّ أمراً عادلاً ووفق الدستور الذي ينصّ على أنّ الثروات الوطنية ومن ضمنها النفط هي ملك للعراق ككل، وذلك مطبق على البصرة والمحافظات النفطية الأخرى، ويجب أن يطبق على كل المحافظات بما فيها محافظات إقليم كردستان".
ولفت الفايز إلى أنّ "إقليم كردستان صدّر خلال الفترة الماضية كميات من النفط أكبر من المخصصة له، ولم يسلّم إيراداتها إلى الحكومة الاتحادية"، مشيراً إلى أنّ حكومة الإقليم "منحت نفسها امتيازات متعلقة بالنفط من دون موافقة بغداد، وهذا غير مقبول، لأن النفط ثروة وطنية". وأضاف "إذا قامت محافظات أخرى مثل البصرة بفعل ما يفعله إقليم كردستان بخصوص النفط، فإنّ ذلك يعني التشتت وعدم وصول الأموال للموازنة العامة"، مشيراً إلى أنّ "النفط يعدّ أحد أهم الملفات العالقة بين بغداد وأربيل، فضلاً عن المنافذ الحدودية التي تعدّ من الموارد الوطنية، وكذلك المناطق المتنازع عليها".