مكافأة بائع هرم

01 نوفمبر 2016
لا يطلب شفقة أو حسنة (العربي الجديد)
+ الخط -
الدوائر اللبنانية نموذج عن الدولة العربية الصدئة التي لا تنجز معاملات مواطنيها إلاّ بإذلال اعتاد عليه كثيرون. آخرون يرفضون مثل هذا الإذلال فيلجؤون إلى الفساد، يرشون موظفاً. أو "يأتون إليه من فوق"، ذلك "الفوق" الذي فيه الكثير من المحاباة والتوصية وغرائب الأخبار. أو يغرقون بين أيدي السماسرة، على كثرتهم في كلّ دائرة، يكادون يكونون أكثر من المراجعين أنفسهم.

في إحدى الدوائر، تلك التي يمضي فيها المواطن أكثر من ثلاث ساعات حتى إنجاز معاملته بين مكتب ومكتب، ومسؤول ميداني ومنظّر ومدقق ومحاسب، وسط جدران تأكل نفسها بنفسها منذ إنشاء الدائرة، وعيون تستعد لنهشه حياً، يمضي بائع أوراق الحظ الهرم أيامه.

الانتظار ذو سطوة هائلة هناك، يبرز في وجوه متوترة وأخرى مترقبة، وغيرها مما أدمن المماطلة وبات يعرف خباياها وأسرارها ومواعيدها، فلا يستعجل موظفاً يعرف أنّه لن يستجيب إليه عاجلاً إلاّ من خلال سمسار، وإلاّ فالجواب جاهز: "انتظرني حتى أنادي عليك". ينتظر المواطن وتمنعه الدائرة من التدخين، فينضمّ بعد طول انتظار إلى صفوف المتوترين، يعضّ شفة، ويأكل أظافر، ولا ينتهي الانتظار إلاّ بروح تطلع ألف مرة من أجساد أصحابها.

وسط هذه الأجواء، وبين بائعين آخرين بعضهم يحمل السندويشات الجاهزة، وبعضهم القهوة والشاي، وغيرهم أكواب العصير، يمضي بائع الحظ ذهاباً وإياباً بين طابقين. عصاه في يد يتلمس فيها طريقه ببطء شديد، وأوراق الحظ في يد. وبينهما صوته يعلن عن إمكانية الفوز بثلاثة مليارات ليرة لبنانية ( مليونَي دولار أميركي).

في أواخر ستيناته، لا يجد، هو الشخص المكفوف، بداً من عمل ينهك صحته. هو لا يطلب شفقة أو حسنة. حتى المال الإضافي الذي يمكن أن يقدمه له مشترٍ يرفضه، ويستنظره حتى يعيد إليه "حقه"، لكن وهو يسرّ إليه: "إذا فزت، أريد منك أن تجلب لي كلب لابرادور... اسألني لماذا؟ كي يعبر بي الطريق". يتابع عندما يحدثه أحدهم في الأمر: "الكلب أفضل من الإنسان... أفضل صديق... أتمنى أن أحصل على واحد".

يحلم البائع بذلك الكلب، ويتمنّع عن أخذ ثمنه الكبير جداً، والاستغناء عن بيع أوراق الحظ. يقول إنّه لا يريد المال بل الكلب، فعمله موجود، ولن يقبل إلاّ بالكلب إذا كان الرابح يريد أن يكافئه فعلاً.

يعيل ذلك البائع الهرم نفسه وزوجته ويرفض إلاّ أن يعمل، فلا يمدّ يده إلى صاحب شأن حتى لو كان مرشحاً لرئاسة البلدية أو حتى النيابة: "قلت له عندما طلب صوتي: لن أنتخب إلاّ من يسمح لي أن أركب على ظهره... مللت من ركوبهم على ظهورنا كلّ هذه السنوات... مللت فعلاً".

المساهمون