الملابس الجديدة مجرد حلم في غزة، فقد لجأت عائلات كثيرة إلى تصليح أو تقصير وتضييق وتوسيع ما لديها من ملابس بالية، لتبدو مناسبة، إلى حدّ ما، لأطفالها في العيد.
يعمل الخياط أبو كريم أبو ندى (44 عاماً)، في سوق فراس، أحد أبرز الأسواق القديمة في مدينة غزة، في القطاع المحاصر، ملاحظاً الإقبال غير العادي من الغزيين طوال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، على تصليح ملابسهم وبعض الحقائب النسائية وحتى الأحذية، خصوصاً للأطفال، في ظل رغبتهم في عيش طقوس عيد الفطر، بالرغم من فقرهم. ويقول أبو ندى لـ"العربي الجديد": "نعمل في هذا الوقت جيداً، على عكس كثير من أيام العام، ونسمع قصصاً كثيرة عن الفقراء في غزة، منهم من لا يضحك، ومنهم الغاضب، وبينهم أطفال ينظرون إلينا بحسرة. وبالرغم من الرزق الجيد الذي نحصل عليه فأنا حزين لأنّ الأطفال سيرتدون ملابس قديمة خضعت للتصليح".
أظهرت نتائج مسح أجراه مركز الإحصاء الفلسطيني نهاية عام 2018 أنّ نسبة الفقراء في الضفة الغربية وصلت إلى 13.9 في المائة، بينما تجاوزت نسبتهم في قطاع غزة نصف السكان، وتحديداً 53 في المائة، أي ما يفوق نسبة الفقر في الضفة الغربية بنحو أربعة أضعاف.
أمّا بناءً على خط الفقر المدقع فقد بلغت نسبة الفقراء، بحسب المسح في الضفة الغربية، 5.8 في المائة، بينما وصلت في قطاع غزة إلى 33.8 في المائة، أي ما يفوق نسبة الفقر المدقع في الضفة الغربية بنحو ستة أضعاف. يعلق رئيس اللجنة الشعبية لكسر الحصار عن غزة، جمال الخضري، أنّ دخل الفرد في غزة وصل إلى أدنى مستوياته طوال أعوام الحصار مع دخول العام الثالث عشر. يتابع الخضري أنّه بحسب أرقام مركز الإحصاء الفلسطيني، فإنّ متوسط إنفاق الفرد الشهري في فلسطين 169.5 ديناراً أردنياً (239 دولاراً أميركياً)، بواقع 220.1 ديناراً (310.4 دولارات) في الضفة الغربية مقابل 91.2 ديناراً (128.6 دولاراً) في قطاع غزة، لكنّ دخل المواطن في غزة حالياً لا يتجاوز دولارين يومياً، أي 60 دولاراً شهرياً، وفي منتصف 2019 بات نحو مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة فقراء.
يقول الخياط بهاء سكر (36 عاماً)، إنّ الإقبال على الخياطين بدأ منذ منتصف شهر رمضان، وغالبية الثياب التي جلبها الزبائن للتصليح هي لأطفال، ولا تكلف الأسرة كثيراً، فهي ما بين 3 شيكلات (0.80 دولار) و5 شيكلات (1.5 دولار). يتابع سكر لـ"العربي الجديد": "أصحاب المحلات التجارية والباعة على بسطات يشتكون من قلة البيع بالمقارنة مع السنوات السابقة من موسم العيد، فهذا العام زبائننا جميعهم من الفقراء، لأنّ أزمة رواتب الموظفين العمومين الذين يشكلون العجلة الأساسية للاقتصاد الغزي ما زالت مستمرة، علماً أنّ عددهم 100 ألف موظف يتبعون لحكومة غزة وحكومة السلطة الفلسطينية في رام الله". يضيف: "يحضر إلينا بعض الآباء أو الأمهات لتصليح عدد من الملابس، وبالرغم من أنّنا نراعي ظروفهم المعيشية ونطلب سعراً أقل من الاعتيادي، فإنّ كثيرين منهم يعطوننا مبلغاً أقلّ ويقولون إنّه كلّ ما يحملون، بينما يهمس آخرون خجلاً أنّهم لا يملكون أكثر، فأرضى بما يدفعون ولا أقول شيئاً".
من جهتها، تتحسر خديجة أبو وهبة وهي تنظر إلى ملابس أطفالها القديمة بينما تصلحها عند أحد الخياطين في سوق الشجاعية، شرقي مدينة غزة. عجزت عن تلبية رغبة أطفالها في أحذية فقط هذا العام في ظل ظروف أسرتها، وزوجها العاطل من العمل منذ عامين. كان زوجها نجاراً في إحدى الورش الكبرى التي أغلقت أبوابها مع انهيار الاقتصاد المحلي في غزة، وانضمت أسرتها إلى الأسر التي تطالب وزارة التنمية الاجتماعية بمبلغ مالي كلّ ثلاثة أشهر ضمن برامج الأسر الأشد فقراً. لكنّهم تقدموا قبل عام ونصف للحصول على المبلغ المالي ولم يحصلوا على ردّ بعد في ظلّ الأعداد الكبيرة للفقراء في غزة الذين يتقدمون إلى البرنامج نفسه. تقول أبو وهبة لـ"العربي الجديد": "أصلحت حقيبتي الجلدية وملابس أطفالي الأربعة وحذاء زوجي. الظروف قاسية علينا والفقر قتلنا، لكنّنا لا نريد التسول. أتمنى أن يعمل زوجي، لأتمكن من إدخال البهجة على أطفالي بملابس جديدة. منذ عام لم أشترِ لهم أيّ قطعة بالرغم من أنّ ملابسهم ضاقت عليهم وقصرت".
أما مريم حمدان، فقد أجلت الدفع للخياط في سوق الزاوية، وسط مدينة غزة، إلى ما بعد عيد الفطر، لأنّها لم تتمكن من تأمين المقابل المالي لخياطة ملابس أولادها الخمسة وملابسها هي وزوجها، وزوجها عاطل من العمل منذ 4 سنوات، وكان يعمل سائق أجرة، لكن نتيجة إصابته بحادث سير بترت ساقه على أثره أصبح قابعاً في بيته. تقول لـ"العربي الجديد": "أصبحنا نؤجل دفع المقابل المادي للخياطين ولست أنا الوحيدة، الكثيرون مثلي، من الأساس إذا أمّنّا طعامنا اليومي فنحن بخير، القيادة في غزة والضفة الغربية لا يشعرون بنا، يحبون الشعارات ويتركون أطفالنا لا يحتفلون في عيد المسلمين جميعاً، لن أسامح القيادات الفلسطينية جميعها".