13 نوفمبر 2024
ملاحظات بشأن الأزمة الخليجية
في ظل حالة التوتر الشديد التي تسيطر على منطقة الخليج، يجد المرء صعوبةً بالغةً في تحديد مسار الأزمة واتجاهاتها في الفترة المقبلة، فهناك متغيراتٌ عديدةٌ ومدخلاتٌ جديدةٌ، يمكن أن تطرأ في أي لحظة، وتؤدي إلى نتائج أو مخرجات مختلفة عن تلك المتوقعة. وما يزيد الأمر سوءاً احتمال الانزلاق باتجاهات صعبة في حال المغالاة بممارسة لعبة حافة الهاوية (Brinkmanship). فوق ذلك، وفي ظل القطيعة، وعدم وجود قنوات اتصالٍ مباشرةٍ بين أطراف الأزمة يزداد احتمال الوقوع في أحد أو كل الأخطاء الثلاثة القاتلة في عملية إدارة الأزمات، أو ما يُسمَّى أحياناً (3MISs)، وهي خطأ الحسابات أو التقديرات (miscalculation) وسوء الفهم (misunderstanding)، وخطأ التصورات (misperception).
قد تكون القوة بالتعريف البسيط الشائع هي قدرة طرفٍ على دفع آخر على سلوك مسلكٍ معين، ما كان يمكن للثاني أن يسلكه لولا ذلك، إلا أن افتراض الأول أن الثاني سيفعل ذلك من دون مقاومة (قد تصل إلى حد قلب المعادلة) هو افتراض خاطئ وفي غير محله. فوق ذلك، يجدر الانتباه إلى أنه كلما ازداد عدد أطراف أزمةٍ ما أصبحت القدرة على التوقع، أو التحكم بمسارها، أصعب. وواقع الحال أن الأزمة الخليجية، وبسبب حساسية المنطقة وحجم المصالح الكبرى فيها، لن تبقى، كما يبدو، محصورةً في منطقة الخليج، بل بدأت للتو بالتحوّل إلى مغناطيس يجذب اللاعبين وأصحاب المصالح إليها من داخل الإقليم وخارجه. فضلاً عن ذلك، أخذت الأزمة تهدّد بخلط التحالفات الإقليمية والدولية وإعادة صياغتها، بعضها بشكل غير مسبوق. فمن المرجح، إذا تصاعدت الأزمة وطال أمدها، أن يحصل تقارب تركي- إيراني، في إطار علاقات الصراع والتنافس التي تحكم مثلث القوى الإقليمي (تركيا- إيران- السعودية). وقد تظهر لدينا نزعةٌ ليست غير مسبوقة في العلاقات الإقليمية والدولية، وتتمثل في تعاون مختلف أطراف هذا المثلث في ملف معين، مع استمرار التنافس بينهم في ملفاتٍ أخرى. فظهور تحالف تركي- إيراني مثلاً لمنع السعودية والإمارات من الاستفراد بقطر لا يمنع استمرار التنافس التركي - الإيراني في سورية، أو استمرار التعاون النسبي التركي - السعودي لاحتواء النفوذ الإيراني فيها. مثلث القوى هذا قد يتحول إلى رباعي، إذا دخلت إسرائيل على الخط، لنصبح بذلك أمام احتمال قيام تحالف تركي - إيراني في مواجهة تعاون سعودي – إسرائيلي. وسيكون لهذا التطور إن حدث، من دون شك، فعل الصاعقة في الإقليم (Game Changer)، ليس فقط لأنه يمثل انقلاباً على كل السياسات العربية التي حكمت المنطقة خلال القرن الفائت، بل أيضاً لأن المحور الأول التركي - الايراني سيحظى في هذه الحالة بدعم روسي، إذ تجد موسكو نفسها بحاجةٍ ماسّةٍ له لمواجهة الولايات المتحدة، بعد أن خاب أملها في تحقيق تقاربٍ معها في ظل إدارة ترامب. في حين سترعى الأخيرة ظهور محور خليجي – إسرائيلي، بات يشكل جوهر سياساتها في المنطقة، في إطار سعيها إلى مواجهة ثنائي داعش - إيران، فيما بات يُعرف في الأدبيات الصحافية "صفقة القرن".
هذا يعني أن الأزمة الخليجية قد تتحول، في حال التصعيد، إلى مزيجٍ متفجر في خضم حالة التنافس التي تحتدم على المنطقة من داخلها والخارج، فلدى كل من هذه الأطراف الكثير لتربحه، وأكثر من ذلك لتخسره في لعبة معادلتها صفرية. لكن، وفي كل الأحوال، مهما كان الرابح، لن يكون العرب بينهم، والضحية الأولى ستكون بالطبع مجلس التعاون الخليجي. لكن هذا لن يكون أسوأ ما يحصل، إذا سلكت الأزمة مساراً تصعيدياً، وهو ما يسعى الرئيس ترامب إليه من خلال صبه الزيت على النار، فمنطقة الخليج وعموم الشرق الأوسط تقوم على موازين قوى تعمل بقوة دفع ذاتي، وهي من ثم لا يمكن أن تسمح لأي قوةٍ إقليميةٍ من حيازة أكثر مما ينبغي من مصادر القوة والثروة. حاول العراق ودفع الثمن، وحاولت إيران ودفعت الثمن، وحاولت تركيا وكادت تدفع الثمن، وليس هناك ما يجعل النتيجة مختلفةً في حالة السعودية.
خلاصة القول إن ترامب يورّطنا في مواجهةٍ ستأتي على ما تبقى من العالم العربي، ومن الحكمة أن نفوّت الفرصة عليه، من خلال البدء فوراً بحوار خليجي - خليجي يطفئ فتيل الأزمة، وينقذ العرب من محرقةٍ لن يكون غيرهم حطباً لها.
قد تكون القوة بالتعريف البسيط الشائع هي قدرة طرفٍ على دفع آخر على سلوك مسلكٍ معين، ما كان يمكن للثاني أن يسلكه لولا ذلك، إلا أن افتراض الأول أن الثاني سيفعل ذلك من دون مقاومة (قد تصل إلى حد قلب المعادلة) هو افتراض خاطئ وفي غير محله. فوق ذلك، يجدر الانتباه إلى أنه كلما ازداد عدد أطراف أزمةٍ ما أصبحت القدرة على التوقع، أو التحكم بمسارها، أصعب. وواقع الحال أن الأزمة الخليجية، وبسبب حساسية المنطقة وحجم المصالح الكبرى فيها، لن تبقى، كما يبدو، محصورةً في منطقة الخليج، بل بدأت للتو بالتحوّل إلى مغناطيس يجذب اللاعبين وأصحاب المصالح إليها من داخل الإقليم وخارجه. فضلاً عن ذلك، أخذت الأزمة تهدّد بخلط التحالفات الإقليمية والدولية وإعادة صياغتها، بعضها بشكل غير مسبوق. فمن المرجح، إذا تصاعدت الأزمة وطال أمدها، أن يحصل تقارب تركي- إيراني، في إطار علاقات الصراع والتنافس التي تحكم مثلث القوى الإقليمي (تركيا- إيران- السعودية). وقد تظهر لدينا نزعةٌ ليست غير مسبوقة في العلاقات الإقليمية والدولية، وتتمثل في تعاون مختلف أطراف هذا المثلث في ملف معين، مع استمرار التنافس بينهم في ملفاتٍ أخرى. فظهور تحالف تركي- إيراني مثلاً لمنع السعودية والإمارات من الاستفراد بقطر لا يمنع استمرار التنافس التركي - الإيراني في سورية، أو استمرار التعاون النسبي التركي - السعودي لاحتواء النفوذ الإيراني فيها. مثلث القوى هذا قد يتحول إلى رباعي، إذا دخلت إسرائيل على الخط، لنصبح بذلك أمام احتمال قيام تحالف تركي - إيراني في مواجهة تعاون سعودي – إسرائيلي. وسيكون لهذا التطور إن حدث، من دون شك، فعل الصاعقة في الإقليم (Game Changer)، ليس فقط لأنه يمثل انقلاباً على كل السياسات العربية التي حكمت المنطقة خلال القرن الفائت، بل أيضاً لأن المحور الأول التركي - الايراني سيحظى في هذه الحالة بدعم روسي، إذ تجد موسكو نفسها بحاجةٍ ماسّةٍ له لمواجهة الولايات المتحدة، بعد أن خاب أملها في تحقيق تقاربٍ معها في ظل إدارة ترامب. في حين سترعى الأخيرة ظهور محور خليجي – إسرائيلي، بات يشكل جوهر سياساتها في المنطقة، في إطار سعيها إلى مواجهة ثنائي داعش - إيران، فيما بات يُعرف في الأدبيات الصحافية "صفقة القرن".
هذا يعني أن الأزمة الخليجية قد تتحول، في حال التصعيد، إلى مزيجٍ متفجر في خضم حالة التنافس التي تحتدم على المنطقة من داخلها والخارج، فلدى كل من هذه الأطراف الكثير لتربحه، وأكثر من ذلك لتخسره في لعبة معادلتها صفرية. لكن، وفي كل الأحوال، مهما كان الرابح، لن يكون العرب بينهم، والضحية الأولى ستكون بالطبع مجلس التعاون الخليجي. لكن هذا لن يكون أسوأ ما يحصل، إذا سلكت الأزمة مساراً تصعيدياً، وهو ما يسعى الرئيس ترامب إليه من خلال صبه الزيت على النار، فمنطقة الخليج وعموم الشرق الأوسط تقوم على موازين قوى تعمل بقوة دفع ذاتي، وهي من ثم لا يمكن أن تسمح لأي قوةٍ إقليميةٍ من حيازة أكثر مما ينبغي من مصادر القوة والثروة. حاول العراق ودفع الثمن، وحاولت إيران ودفعت الثمن، وحاولت تركيا وكادت تدفع الثمن، وليس هناك ما يجعل النتيجة مختلفةً في حالة السعودية.
خلاصة القول إن ترامب يورّطنا في مواجهةٍ ستأتي على ما تبقى من العالم العربي، ومن الحكمة أن نفوّت الفرصة عليه، من خلال البدء فوراً بحوار خليجي - خليجي يطفئ فتيل الأزمة، وينقذ العرب من محرقةٍ لن يكون غيرهم حطباً لها.