التقينا بمقهى بالقرب من بيتها في برلين، المدينة التي لجأت إليها قادمة من عمّان بعد الشّام قبل عاميْن وشهريْن تقريبًا؛ ملكة جزماتي، مواليد العام 1987، أحد أهم الأسماء المرتبطة بالمطبخ السّوريّ اليوم في برلين هي ومشروعها الذي يحمل الاسم "مذاقات شاميّة"، "حين يسألني أحد ماذا أقصد بالمذاقات الشّاميّة، أجيبه بأن تخصصي هو المطبخ السّوريّ، لكني أقدّم أكلًا شاميًا؛ من فلسطين، لبنان، الأردن وسورية، هذه هي بلاد الشّام، بلاد المشرق، من هُنا خرج كلّ شيء يشرق على العالم، على الرّغم من أننا مطفيّون اليوم"، تقول ملاك في حديث خاص. قبل أيام، اختار مهرجان برلين السّينمائيّ الدوليّ – برلينالي، ملكة جزماتي، لطهي الأطباق الشاميّة في افتتاح المهرجان، لأهم ضيوفه من سينمائيّين/ات وعاملين/ات في القطاع السينمائيّ، وذلك يوم 15 شباط/ فبراير 2018.
خلال وجودها في دمشق، لم يكن لملكة أي علاقة بالطبخ، "كانوا يطلقون عليّ اسم مِس سباغيتي"، تقول ملكة. من الشّام التي أنهت فيها دراساتها بالأدب العربيّ، انتقلت إلى عمّان لمواصلة دراستها في العلاقات الدوليّة والعلوم الدبلوماسيّة، أقامت ملكة في العاصمة الأردنية عمّان مدة 3 سنوات، حيث بدأت هوايتها في الطبخ هناك وتقول "يبدو كان لدي نَفَس بالطعام، واكتشفته عندها"، وتتابع: "كنت أتفاجأ من ردود فعل الناس، خاصّة بما يتعلق بالأطباق التي تحتوي على لحومٍ، وذلك لأني نباتيّة، منذ أن كنت في السابعة من عمري، ولا أتذوّق اللحوم أبدًا".
تركت ملكة عمّان برفقة زوجها محمد الغميان باتجاه برلين، مرفقة بشعور قلق، عن هذا تقول: "كنت خائفة كثيرًا، أن أترك مكانًا أليفا وأعرفه، مثل عمّان، وأذهب لمكان لا أعرف فيه أحدا ولا أحد يعرفني، إلى مجتمع جديد وثقافة جديدة ولغة لا أعرفها، وهذا مقلق، لكني شعرت بأن هنالك معارك يجب أن أخوضها على أصعدة عديدة".
رأت ملكة جزماتي أن هذه المعارك متنوعة، منها الشخصيّ النابع من خوفها بأن تعيش وحيدة ورغبتها ببناء صداقات جديدة، وتتابع: "لم أرد أن أتحطم، خاصّة لأني شعرت بأن في برلين سأبدأ من تحت الصّفر، لكني أقنعت نفسي بأني قادرة، بالتأكيد هنالك شيء ما بداخلي سأحققه رغم كل هذه الظروف"، بموازاة ذلك، لم تكن المعارك بنسبة لها على المستوى الشخصيّ فقط، إنّما العامّ أيضًا، فتضيف ملكة: "أردت أن أثبت للمجتمع الأوروبيّ بأننا لسنا مجرمين، هذه الفكرة توجعني، نحن لسنا مجرمين ولسنا متخلفين، نحن نستحق حياة أفضل من التي نعيشها، نحن شعوب يحكمنا حكّام ظالمون كرّسوا هذه الفكرة عنا أيضًا، كما أن الإعلام ساهم في ذلك، نحن لسنا قتلة، بالمقابل، هنالك المستوى الاجتماعيّ، والسؤال حول كيف أحارب ممارسات وأفكار مجتمعي التي تضطهد المرأة كثيرًا"؟
خلال الفترة الأولى لإقامتها في برلين، بدأت ملكة جزماتي بطهي مأكولات شاميّة لمجموعات مختلفة، المجموعات الأولى التي استضافتها كانت تحتوي على ثلاثين نفرًا، حين أخبرها زوجها عن هذه المجموعة، سألته: "ماذا يحبّون أن يأكلوا هُنا"؟ أجابها: "باذنجان"، عندها قررت ملكة أن نطهي باترشي، وهو طبق من حماة. بعد فترة، جاءتها دعوة للطهي في حدث أكبر، يضم 350 نفرًا يوميًا، كانت عندها في الأشهر الأولى للحمل، جمعت هي وزوجها من حولهما مجموعة من الأصدقاء والصديقات للمساعدة في المطبخ، "أوّل يوم، حرقت الأرز"، تقول ملكة، وتابعت وهي تضحك: "وضعت 20 كيلو من الأرز في طنجرة واحدة، احترق من الأسفل ولم ينضج من الأعلى، لكن أرسل لي الله ملائكة لإزالة الرائحة المحروقة من الأرز، وبعد ذلك، مرّت باقي الأيام على خير وبنجاح".
بعد هذا الحدث، قررا ملكة وزوجها تأسيس شركتهما، حيث انضمت إليهما أخت زوجها، رامة، "الجندي المجهول"، تسميها ملكة، وتضيف: "تداوم رامة في مدرستها صباحًا، وفي المساء، تجيب عن الرسائل التي تصل بريدنا الإلكترونيّ، نحن شركة لا تغلق أبوابها، نعمل ونحن جالسون على الكنبة، نأكل ونشرب ونتواصل مع الناس".
مع تأسيس الشركة، بدأت ملكة بالمشاركة في أحداث عديدة لطهي مأكولات شاميّة، مع مرور الوقت، فكرتْ بأن تتوجه للمقهى عند أسفل البناية التي تعيش فيها مع زوجها وابنها، وأن تقترح على إدارته تخصيص يوم لطهو مأكولات سوريّة، فوافقت الإدارة على الفور، وهكذا أسّست مشروع "مذاقات شاميّة"، والذي يقام كل يوم أحد من السّاعة 12 ظهرًا لغاية السّادسة مساءً، حيث تبدأ ملكة أسبوعيًا بتجهيز الطعام عند السّادسة صباحًا.
اقــرأ أيضاً
ترى ملكة أنه من دون الأكل، سيموت الناس، وأن الطعام هو نوع من أنواع الفنّ، خاصّة إن كان لذيذًا، وتتابع: "ليس مثلما تأكلين خيارة وبندورة سريعًا، لو ذهبنا إلى مطعم وأكلنا طعامًا طيّبًا، سنشعر بأننا في رحلة. رسالتي في ما أطبخه، حتى عندما أدعو الأصدقاء إلى تناول وجبة عشاء في البيت، أريد أن أمنحهم رسالة كرم وحبّ، وهي نابعة من موروثنا الحضاريّ، وهذه رسالة عظيمة".
تعتبر ملكة أن الطبخ غيّرها وهندس حياتها بشكل مختلف، وتقول: "نحن نتيجة مطابخ أمهاتنا والحبّ الذي منحنه لنا في الأكل، هذه رسالة قوية جدًا، عندما أطهو ورق العنب، يسألني الأصدقاء عن الوقت الذي استغرقه بتجهيزه، أجيبهم 6 ساعات للفّ ورق العنب، و12 ساعة لطبخه لأنه يجب أن يبقى على نار هادئة، كي يستوي على مهلٍ، المرأة التي تعلّم أولادها هذا الطبق، لا يمكن أن تعلّمهم كيف تُصنع قذيفة".
ترى ملكة أن السّوريّين يحاربون الغربة بالمطبخ، وتتابع: "بعدما تغربنا، وعشنا هذا الحنين، صرنا نرغب بأن نجهز الطعام تمامًا كما نعرفه من الشّام، أن يشبه شكل الطبق ذاك الشكل الذي نعرفه هناك، صحيح أن الطبق هُنا في مكان جغرافيّ مختلف، لكن ربما إن أغمضت عيني، سوف أتخيّل أن الطبق موجود في الشّام، وأنا موجودة هُناك معه".
تركت ملكة عمّان برفقة زوجها محمد الغميان باتجاه برلين، مرفقة بشعور قلق، عن هذا تقول: "كنت خائفة كثيرًا، أن أترك مكانًا أليفا وأعرفه، مثل عمّان، وأذهب لمكان لا أعرف فيه أحدا ولا أحد يعرفني، إلى مجتمع جديد وثقافة جديدة ولغة لا أعرفها، وهذا مقلق، لكني شعرت بأن هنالك معارك يجب أن أخوضها على أصعدة عديدة".
رأت ملكة جزماتي أن هذه المعارك متنوعة، منها الشخصيّ النابع من خوفها بأن تعيش وحيدة ورغبتها ببناء صداقات جديدة، وتتابع: "لم أرد أن أتحطم، خاصّة لأني شعرت بأن في برلين سأبدأ من تحت الصّفر، لكني أقنعت نفسي بأني قادرة، بالتأكيد هنالك شيء ما بداخلي سأحققه رغم كل هذه الظروف"، بموازاة ذلك، لم تكن المعارك بنسبة لها على المستوى الشخصيّ فقط، إنّما العامّ أيضًا، فتضيف ملكة: "أردت أن أثبت للمجتمع الأوروبيّ بأننا لسنا مجرمين، هذه الفكرة توجعني، نحن لسنا مجرمين ولسنا متخلفين، نحن نستحق حياة أفضل من التي نعيشها، نحن شعوب يحكمنا حكّام ظالمون كرّسوا هذه الفكرة عنا أيضًا، كما أن الإعلام ساهم في ذلك، نحن لسنا قتلة، بالمقابل، هنالك المستوى الاجتماعيّ، والسؤال حول كيف أحارب ممارسات وأفكار مجتمعي التي تضطهد المرأة كثيرًا"؟
(فيسبوك)
تشكّل هذه الأسئلة هاجسًا لملكة جزماتي، التي رأت أن الإيمان بالنفس والنجاح بتحقيق الطموحات بمثابة الإجابات لذلك. وتتابع: "عندما وصلنا برلين، وجدت أن هنالك من يعرفني، أراد زوجي أن يعوضني على ترك عمّان بأن يخبر الناس عني، كامتنان وتقدير لأهمية ما فعلته من أجل العائلة وإيماني بقيمتها في الحياة، ولأني ضحيت من أجلها على حساب طموحاتي المهنيّة، نحن نعيش في زمن تنقص فيها قيمة العائلة، للأسف". خلال الفترة الأولى لإقامتها في برلين، بدأت ملكة جزماتي بطهي مأكولات شاميّة لمجموعات مختلفة، المجموعات الأولى التي استضافتها كانت تحتوي على ثلاثين نفرًا، حين أخبرها زوجها عن هذه المجموعة، سألته: "ماذا يحبّون أن يأكلوا هُنا"؟ أجابها: "باذنجان"، عندها قررت ملكة أن نطهي باترشي، وهو طبق من حماة. بعد فترة، جاءتها دعوة للطهي في حدث أكبر، يضم 350 نفرًا يوميًا، كانت عندها في الأشهر الأولى للحمل، جمعت هي وزوجها من حولهما مجموعة من الأصدقاء والصديقات للمساعدة في المطبخ، "أوّل يوم، حرقت الأرز"، تقول ملكة، وتابعت وهي تضحك: "وضعت 20 كيلو من الأرز في طنجرة واحدة، احترق من الأسفل ولم ينضج من الأعلى، لكن أرسل لي الله ملائكة لإزالة الرائحة المحروقة من الأرز، وبعد ذلك، مرّت باقي الأيام على خير وبنجاح".
بعد هذا الحدث، قررا ملكة وزوجها تأسيس شركتهما، حيث انضمت إليهما أخت زوجها، رامة، "الجندي المجهول"، تسميها ملكة، وتضيف: "تداوم رامة في مدرستها صباحًا، وفي المساء، تجيب عن الرسائل التي تصل بريدنا الإلكترونيّ، نحن شركة لا تغلق أبوابها، نعمل ونحن جالسون على الكنبة، نأكل ونشرب ونتواصل مع الناس".
مع تأسيس الشركة، بدأت ملكة بالمشاركة في أحداث عديدة لطهي مأكولات شاميّة، مع مرور الوقت، فكرتْ بأن تتوجه للمقهى عند أسفل البناية التي تعيش فيها مع زوجها وابنها، وأن تقترح على إدارته تخصيص يوم لطهو مأكولات سوريّة، فوافقت الإدارة على الفور، وهكذا أسّست مشروع "مذاقات شاميّة"، والذي يقام كل يوم أحد من السّاعة 12 ظهرًا لغاية السّادسة مساءً، حيث تبدأ ملكة أسبوعيًا بتجهيز الطعام عند السّادسة صباحًا.
ترى ملكة أنه من دون الأكل، سيموت الناس، وأن الطعام هو نوع من أنواع الفنّ، خاصّة إن كان لذيذًا، وتتابع: "ليس مثلما تأكلين خيارة وبندورة سريعًا، لو ذهبنا إلى مطعم وأكلنا طعامًا طيّبًا، سنشعر بأننا في رحلة. رسالتي في ما أطبخه، حتى عندما أدعو الأصدقاء إلى تناول وجبة عشاء في البيت، أريد أن أمنحهم رسالة كرم وحبّ، وهي نابعة من موروثنا الحضاريّ، وهذه رسالة عظيمة".
تعتبر ملكة أن الطبخ غيّرها وهندس حياتها بشكل مختلف، وتقول: "نحن نتيجة مطابخ أمهاتنا والحبّ الذي منحنه لنا في الأكل، هذه رسالة قوية جدًا، عندما أطهو ورق العنب، يسألني الأصدقاء عن الوقت الذي استغرقه بتجهيزه، أجيبهم 6 ساعات للفّ ورق العنب، و12 ساعة لطبخه لأنه يجب أن يبقى على نار هادئة، كي يستوي على مهلٍ، المرأة التي تعلّم أولادها هذا الطبق، لا يمكن أن تعلّمهم كيف تُصنع قذيفة".
ترى ملكة أن السّوريّين يحاربون الغربة بالمطبخ، وتتابع: "بعدما تغربنا، وعشنا هذا الحنين، صرنا نرغب بأن نجهز الطعام تمامًا كما نعرفه من الشّام، أن يشبه شكل الطبق ذاك الشكل الذي نعرفه هناك، صحيح أن الطبق هُنا في مكان جغرافيّ مختلف، لكن ربما إن أغمضت عيني، سوف أتخيّل أن الطبق موجود في الشّام، وأنا موجودة هُناك معه".