13 نوفمبر 2024
منسوب ديني متصاعد للخطاب الصهيوني
أثبت "قانون القومية" الإسرائيلي (سُنّ في يوليو/ تموز 2018)، من ضمن أمور أخرى، أن ثمّة ارتفاعًا في المنسوب الديني داخل الخطاب الصهيوني الراهن. هذا ما استنتجه أكثر من باحث، استنادًا إلى تأكيد البند الأول من القانون أن حق تقرير المصير للشعب اليهودي في فلسطين حصريّ، وأنه ليس حقًا قوميًا فقط، إنما أيضًا حقّ دينيّ. والادعاء أعلاه الذي بات يُسمع اليوم من أعضاء كنيست ووزراء كثيرين يعكس، برأي منتقديه حتى بين بعض الأوساط الإسرائيلية، قدرة الدين على منح المؤمنين إجاباتٍ مطلقةً في جميع مجالات الحياة، ويخدم مؤيدي القومية المتطرّفة المسيانية الذين يعملون للسيطرة على الحركة الصهيونية، وإعادة إنتاجها بموجب رؤيتهم. ووفقًا لادعائهم، فإن الوعد الإلهي لـ"شعب إسرائيل" بأن يرث البلد، والتجنّد من أجل ذلك تحديدًا، هما اللذان تسبّبا ببعث "دولة إسرائيل" وازدهارها، وليس خطوات الحركة الصهيونية، وقرارات زعمائها في شتى المفترقات.
ولا يرى مؤيدو هذه القومية المسيانية أن العمل السياسي عامة، والممارسات الاستيطانية للحركة الصهيونية خاصة، كانتا بمثابة خطوتين ضروريتين لبناء اقتصاد "الدولة التي على الطريق" ومؤسساتها. وإنما ليس ذلك كله أكثر من إشارة إلهية إلى إنهاء المنفى وبداية الانبعاث. وفي قراءتهم، الصهيونية هي حمارٌ سيركب عليه الملك المخلص الذي سيبشر بالانبعاث، على حدّ ما ورد في الآية التاسعة من سفر زكريا التاسع: "ابتهجي جدًا، يا ابنة صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم، هو ذا ملكك يأتي إليك، هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار، وعلى جحش ابن أتان".
وبموجب الباحث شاؤول أريئيلي الذي يعتقد أن المسيانيين يسعون، منذ عدة أعوام، إلى استملاك الصهيونية، فإن الانتصار في حرب 1948 لم يكن في نظرهم سوى معجزة من الله، بينما الإعداد الدقيق لخوض الحرب في ذلك العام، وواقع أنه كان لدى إسرائيل في حينه "جيش أكبر مما كان لهم" (العرب)، كما أكد ذلك رئيس الحكومة الأول ديفيد بن غوريون أمام الكنيست عام 1960، كانا من الحقائق التاريخية عديمة المعنى من ناحيتهم. وفي الأعوام اللاحقة، أصبحت حرب يونيو (حزيران) 1967 أيضًا معجزة إلهية، وحتى الاستيطان في الأراضي الفلسطينية التي احتلت، إثر تلك الحرب، جرى تعليله بحقيقة أن "الحمار الذي يعمل في خدمتهم هو الذي تغيّر فقط"!
واضحٌ، في الوقت نفسه، أن ما يتطلع إليه هذا الباحث هو الإيهام بأن الاتجاه الذي يتبناه القومويون المسيانيون الذين تحوّلوا إلى مجموعة مهيمنة على الحلبة السياسية الإسرائيلية في الأعوام القليلة الفائتة، يشكل قطيعة مع اتجاه آباء الصهيونية، ومع ورثتهم من حركة العمل. وهو إيهامٌ من شأن وقائع الدعم الذي حصلوا عليه من أولئك الورثة، سيما بعد 1967، أن تفندّه جملة وتفصيلًا.
وإذا ما بقينا متركزين في موضوع الاستيطان، في عام 1967 مثلًا فضلت حركة العمل الاستيطان في أراضٍ خصبة "نظيفة" من العرب، كما تؤكد أبحاث عالم الاجتماع، ليف غرينبرغ، التي توضح أن هذا هو الفرق بين استيطان "اليسار الصهيوني" الذي جاء بعد "تنظيف المنطقة" من العرب، واستيطان اليمين المستعد لإقامة مستوطناتٍ في قلب منطقة فلسطينية مأهولة، كي يمارس حقه في فلسطين التاريخية كلها التي يسميها "أرض إسرائيل". وتأسيسًا على هذا، واصل حزب الليكود، ابتداء من 1977، عام وصوله إلى سدّة الحكم في إسرائيل، التوسع الإقليمي في شتى أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة، كي يمنع إمكان تقسيم البلد بصيغة "هم هناك ونحن هنا" التي سوّقها "اليسار" مشروع تسوية على الأراضي، من منطلقٍ عنصريٍّ يرمي إلى الانفصال عن "الخطر الديموغرافي". غير أن القاسم المشترك بين هذين المعسكرين أكبر من الذي يفصل بينهما، وفحواه أن لكل يهودي، لمجرد كونه يهوديًا، حقًّا أكبر في البلد، في مقابل حق العرب الأصلانيين. ويتفق جميع المنضوين داخل المعسكرين على ضرورة استمرار نظام الامتيازات الفائضة لليهود الذي يحكم دولةً تُسمي نفسها يهودية وديمقراطية.
ولا يرى مؤيدو هذه القومية المسيانية أن العمل السياسي عامة، والممارسات الاستيطانية للحركة الصهيونية خاصة، كانتا بمثابة خطوتين ضروريتين لبناء اقتصاد "الدولة التي على الطريق" ومؤسساتها. وإنما ليس ذلك كله أكثر من إشارة إلهية إلى إنهاء المنفى وبداية الانبعاث. وفي قراءتهم، الصهيونية هي حمارٌ سيركب عليه الملك المخلص الذي سيبشر بالانبعاث، على حدّ ما ورد في الآية التاسعة من سفر زكريا التاسع: "ابتهجي جدًا، يا ابنة صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم، هو ذا ملكك يأتي إليك، هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار، وعلى جحش ابن أتان".
وبموجب الباحث شاؤول أريئيلي الذي يعتقد أن المسيانيين يسعون، منذ عدة أعوام، إلى استملاك الصهيونية، فإن الانتصار في حرب 1948 لم يكن في نظرهم سوى معجزة من الله، بينما الإعداد الدقيق لخوض الحرب في ذلك العام، وواقع أنه كان لدى إسرائيل في حينه "جيش أكبر مما كان لهم" (العرب)، كما أكد ذلك رئيس الحكومة الأول ديفيد بن غوريون أمام الكنيست عام 1960، كانا من الحقائق التاريخية عديمة المعنى من ناحيتهم. وفي الأعوام اللاحقة، أصبحت حرب يونيو (حزيران) 1967 أيضًا معجزة إلهية، وحتى الاستيطان في الأراضي الفلسطينية التي احتلت، إثر تلك الحرب، جرى تعليله بحقيقة أن "الحمار الذي يعمل في خدمتهم هو الذي تغيّر فقط"!
واضحٌ، في الوقت نفسه، أن ما يتطلع إليه هذا الباحث هو الإيهام بأن الاتجاه الذي يتبناه القومويون المسيانيون الذين تحوّلوا إلى مجموعة مهيمنة على الحلبة السياسية الإسرائيلية في الأعوام القليلة الفائتة، يشكل قطيعة مع اتجاه آباء الصهيونية، ومع ورثتهم من حركة العمل. وهو إيهامٌ من شأن وقائع الدعم الذي حصلوا عليه من أولئك الورثة، سيما بعد 1967، أن تفندّه جملة وتفصيلًا.
وإذا ما بقينا متركزين في موضوع الاستيطان، في عام 1967 مثلًا فضلت حركة العمل الاستيطان في أراضٍ خصبة "نظيفة" من العرب، كما تؤكد أبحاث عالم الاجتماع، ليف غرينبرغ، التي توضح أن هذا هو الفرق بين استيطان "اليسار الصهيوني" الذي جاء بعد "تنظيف المنطقة" من العرب، واستيطان اليمين المستعد لإقامة مستوطناتٍ في قلب منطقة فلسطينية مأهولة، كي يمارس حقه في فلسطين التاريخية كلها التي يسميها "أرض إسرائيل". وتأسيسًا على هذا، واصل حزب الليكود، ابتداء من 1977، عام وصوله إلى سدّة الحكم في إسرائيل، التوسع الإقليمي في شتى أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة، كي يمنع إمكان تقسيم البلد بصيغة "هم هناك ونحن هنا" التي سوّقها "اليسار" مشروع تسوية على الأراضي، من منطلقٍ عنصريٍّ يرمي إلى الانفصال عن "الخطر الديموغرافي". غير أن القاسم المشترك بين هذين المعسكرين أكبر من الذي يفصل بينهما، وفحواه أن لكل يهودي، لمجرد كونه يهوديًا، حقًّا أكبر في البلد، في مقابل حق العرب الأصلانيين. ويتفق جميع المنضوين داخل المعسكرين على ضرورة استمرار نظام الامتيازات الفائضة لليهود الذي يحكم دولةً تُسمي نفسها يهودية وديمقراطية.