05 نوفمبر 2024
منسي .. أسطورة من؟
محمد طلبة رضوان
لا يمكن أن ينكر أحد بطولات جمال عبد الناصر. تريندات السخرية منه لن تنفي أبدا أنه الشاب الذي وقف في مواجهة قوى الاستعمار، وأمّم قناة السويس، ولعب على التناقضات الدولية، وأسس لعدم الانحياز، ولم يكن تابعا، خطاياه أيضًا لن تنفي ذلك. محمد أنور السادات بدوره بطل، مناضل ضد الإنكليز، مشاغب، شارك في قتل أمين عثمان، كان ذلك نضالا أيامها، بصرف النظر عن رأينا الآن، شارك في إزاحة الملك، حارب في 6 أكتوبر وانتصر. صحيحٌ أنه خرّب البلد، خرّب اقتصادها بانفتاح غير مدروس، "سداح مداح"، وخرّب قضيتها ومكانتها باتفاقية كامب ديفيد، وخرّب مجتمعها، وحوّل المهرّبين إلى مستثمرين، وفي عهده جرى "توسيخ" كل شيء في مصر، من التفكير الديني وقيم المجتمع إلى التعليم والفن والثقافة، لكن ذلك كله لن ينفي أكتوبر، وما أدراك ما أكتوبر. حسني مبارك أيضا بطل، ليس بالتخطيط فقط، بل بالمشاركة، حارب بنفسه، في حرب حزيران/ يونيو 1967، وكان قائد الطيران في العبور العظيم، وله إنجازات سياسية (على خفيف) تحسب له، غير الكباري (الجسور)، وما أدراك ما الكباري، ومشروع مكتبة الأسرة، لصاحبته "المدام"، كل ذلك مفهوم ومقدّر. هامش الإنجازات الذي تعطف به كل زعيم دفع المصريون ثمنه، ستين سنة من الحكم العسكري، والمعايرة، وألف سنة من التخلف عن العالم والخروج من التاريخ، ناهيك بخسائر الأرواح والحيوات.
اليوم، نحن أمام حاكمٍ بلا منجز "حقيقي" في حياته، لم تفلح "السيسي خلّصنا من الإخوان" في أن تعيش منجزا حقيقيا، كانت "تريند" واختفى، ولحق بـ"الجيش حمى الثورة"، والآن هما نكتتان و"كوميكس". ركب عبد الفتاح السيسي مصر بالتريند، وكان من الضروري استمرار التريندات، لاستمرار لذّة الركوب. حفر ترعةً وسمّاها قناة السويس الجديدة، وفشل. وعد بحل مشكلة سد النهضة، وفشل. وعد باقتصاد قوي، وفشل. قروض البنك الدولي، وهبات الخليج بالمليارات، وبيع التراب المصري، ذلك كله لم يفلح في تغطية مصاريف الجنرال والتزاماته، وفواتير بقائه على الكرسي. والتريند الآن هو الاستثمار في دماء الشهداء، وكما نهب السيسي أموالنا، ينهب دماء عيالنا، لم يحارب السيسي بنفسه، فيأتي بمن حاربوا وينسب بطولاتهم إليه، وإلى نظامه، ويستخدم هذه الدماء الزكية وقودًا لاستمراره.
لا يحتاج الأمر إلى شرح، قد ينطلي هذا "السيرك" المنصوب على شاشات المخابرات الحربية في مصر على أهلنا من البسطاء والطيبين، ولكن ليس على مراقبٍ جاد، إن الجزم بأن بطولات العقيد أحمد المنسي (منسي) ورفاقه تتحرّك في سياقات دعم السيسي وشلته، لا يقل في درجته عن الجزم بهذه البطولات نفسها، وإجلالها، وتوقيرها. هذا "الفصل" الواجب والضروري بين معارضة النظام والتضامن مع أبطالنا الذين يواجهون إرهابا حقيقيا في سيناء يجب أن يصحبه "فصلٌ" آخر، لا يقل أهميةً، إن لم يزد، بين توقير الأبطال وتحقير المتاجرين بدمائهم، بل ومساءلتهم، الواجبة، عن تأمين أصحاب هذه الدماء. إرهاب سيناء لن يكون جسرًا لتمرير إرهاب من خرّبوا سيناء وحوّلوها إلى بيئةٍ حاضنةٍ لفيروسات السلفية الجهادية، ولو غفل المصريون، في زحام مآسيهم اليومية عن ذلك، فلا يصحّ أن يغفل الكاتب والمثقف عنه، وأن يقع تحت تأثير الابتزاز الإعلامي، بشكلٍ عاطفي عفوي، أو بشكلٍ مدروسٍ لزوم التقرّب و"المحلسة" وتسجيل بيانات "الطالب" في كشوف العذرية الوطنية.
منسي ليس ابنًا للسيسي، ولا ممثلا له، أو عنه، منسي ابنٌ لأهله، للحواري التي أنجبته، فانحاز لها، ومات ليحميها، عساكره يقولون إنه كان يحبهم، ويتباسط معهم، ويغني لهم، ومعهم، وهذا استثنائي في مؤسسةٍ يحكمها فاسدون ومستبدون، ولذلك أحبوه، ولو كانت آخر كلماته هي "يا نجيب حقهم يا نموت زيهم"، كما سمعنا، فهذه كلماتنا، لا كلمات السيسي، كلمات "عيال الناس" الذين نزلوا في ثورة يناير يواجهون الموت على يد رجال مبارك، منسي أسطورتنا نحن، وشهيدنا نحن، ومن خدعنا بـ "منسي" لن ننخدع له.
ذلك هو معنى تعظيم الشهيد.
لا يحتاج الأمر إلى شرح، قد ينطلي هذا "السيرك" المنصوب على شاشات المخابرات الحربية في مصر على أهلنا من البسطاء والطيبين، ولكن ليس على مراقبٍ جاد، إن الجزم بأن بطولات العقيد أحمد المنسي (منسي) ورفاقه تتحرّك في سياقات دعم السيسي وشلته، لا يقل في درجته عن الجزم بهذه البطولات نفسها، وإجلالها، وتوقيرها. هذا "الفصل" الواجب والضروري بين معارضة النظام والتضامن مع أبطالنا الذين يواجهون إرهابا حقيقيا في سيناء يجب أن يصحبه "فصلٌ" آخر، لا يقل أهميةً، إن لم يزد، بين توقير الأبطال وتحقير المتاجرين بدمائهم، بل ومساءلتهم، الواجبة، عن تأمين أصحاب هذه الدماء. إرهاب سيناء لن يكون جسرًا لتمرير إرهاب من خرّبوا سيناء وحوّلوها إلى بيئةٍ حاضنةٍ لفيروسات السلفية الجهادية، ولو غفل المصريون، في زحام مآسيهم اليومية عن ذلك، فلا يصحّ أن يغفل الكاتب والمثقف عنه، وأن يقع تحت تأثير الابتزاز الإعلامي، بشكلٍ عاطفي عفوي، أو بشكلٍ مدروسٍ لزوم التقرّب و"المحلسة" وتسجيل بيانات "الطالب" في كشوف العذرية الوطنية.
منسي ليس ابنًا للسيسي، ولا ممثلا له، أو عنه، منسي ابنٌ لأهله، للحواري التي أنجبته، فانحاز لها، ومات ليحميها، عساكره يقولون إنه كان يحبهم، ويتباسط معهم، ويغني لهم، ومعهم، وهذا استثنائي في مؤسسةٍ يحكمها فاسدون ومستبدون، ولذلك أحبوه، ولو كانت آخر كلماته هي "يا نجيب حقهم يا نموت زيهم"، كما سمعنا، فهذه كلماتنا، لا كلمات السيسي، كلمات "عيال الناس" الذين نزلوا في ثورة يناير يواجهون الموت على يد رجال مبارك، منسي أسطورتنا نحن، وشهيدنا نحن، ومن خدعنا بـ "منسي" لن ننخدع له.
ذلك هو معنى تعظيم الشهيد.
مقالات أخرى
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024