غلبت لغة الشروط على كواليس مؤتمر إعمار العراق في الكويت، فلم تعد الضمانات المطلوبة لإنفاق المنح في مجالات ومناطق محددة قاصرة على المنظمات والجمعيات الدولية والعربية، وإنما أصر الكثير من ممثلي الشركات الكبرى على الحصول على تسهيلات وحوافز للاستثمار في مشروعات الإعمار وغيرها، في الدولة التي دمرتها الحرب ضد تنظيم داعش والاضطرابات الأمنية على مدار سنوات طويلة.
ويختتم مؤتمر إعمار العراق أعماله، غدا الأربعاء، حيث ينتظر الإعلان عن الدعم الذي ستقدمه الدول المشاركة والتي يصل عددها إلى نحو 49 دولة، بينما شهد أمس الإثنين جلسات للمنظمات والجمعيات الإغاثية العربية والدولية، التي أعلنت عن تعهدات بنحو 330 مليون دولار، وتم تخصيص اليوم الثلاثاء للشركات التي بحثت بيئة الاستثمار والفرص المتاحة.
وقال مسؤول عراقي رفيع المستوى في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن عددا غير قليل من المنظمات والجمعيات التي تعهدت في اليوم الأول للمؤتمر بتقديم منح لإعادة إعمار العراق، اشترطت أن تكون هذه المنح حصراً للمدن المدمرة في شمال وغرب البلاد وأن تنفذ مشاريع بنى تحتية من خلالها بشكل مباشر وضمن رعاية الحكومة العراقية في تلك المناطق.
وأشار المسؤول إلى أن المشاريع التي اشترطتها المنظمات تشمل قطاع السكن والمياه والصحة والمدارس، وليس كما كان متوقعا أنها ستكون في حساب صندوق إعادة إعمار العراق التابع للحكومة العراقية، مضيفا :"هناك خوف كبير من ملف الفساد بالعراق، الذي قد يلتهم مبالغ المساعدات وتنتهي في جيوب الفاسدين".
وأكبر تعهدات المنظمات كان من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بحجم 130 مليون دولار، كما تعهدت عدة منظمات كويتية غير حكومية بمبلغ قدره 122.5 مليون دولار، فيما كانت بقية التعهدات من منظمات في تركيا وقطر والسعودية والعراق وبريطانيا.
ويعد الفساد المستشري أحد أكبر التحديات أمام بغداد في سعيها لجمع الأموال. وفي العام الماضي 2017، احتل العراق المرتبة 166 من بين 176 دولة على لائحة البلدان الأكثر فساداً التي تصدرها منظمة الشفافية الدولية.
ويعول العراق، على المانحين الدوليين وخصوصا القطاع الخاص، بانتظار أن تعلن الدول المشاركة قيمة مساهماتها المالية اليوم الأخير من المؤتمر غداً الأربعاء.
وقال وزير التخطيط العراقي سلمان الجميلي، في أولى جلسات المؤتمر، أمس الإثنين، إن بلاده بحاجة إلى 88.2 مليار دولار لإعادة الإعمار. لكن تقديرات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، تشير إلى أن كلفة عمليات إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة قد تصل إلى 100 مليار دولار.
وأكدت وزارة التخطيط، أن المحافظات السبع التي هاجمها داعش شمال وغرب البلاد، تكبدت خسائر مباشرة تقدر بمبلغ 46 مليار دولار شملت تدمير 147 ألف وحدة سكنية.
ومثلما وضعت العديد من المنظمات الدولية والعربية شروطا لتقديم المنح، وفق المسؤول العراقي، فإن ممثلي الكثير من الشركات ناقشوا التسهيلات والحوافز التي ينتظرونها من بغداد، مقابل تنفيذ مشروعات في مختلف المجالات، في البلد الذي ما تزال المخاطر الأمنية تمثل فيه هاجساً للكثير من المستثمرين.
وتشارك نحو 1500 شركة في المؤتمر. ونشر العراق قائمة بنحو 157 مشروعاً يسعى للحصول على استثمارات أجنبية لها، تشمل إعادة بناء منشآت مدمرة من بينها مطار الموصل ومساكن واستثمارات جديدة لتنويع موارد الاقتصاد المعتمد على النفط من خلال تطوير النقل والزراعة، بالإضافة إلى البتروكيماويات وتكرير النفط.
وقال حافظ غانم، نائب رئيس مجموعة البنك الدولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لـ"العربي الجديد" إن القطاع الخاص عليه مسؤولية رئيسية في إعادة إعمار العراق، وبالتالي فهو يحتاج إلى مناخ جذاب، وهذا ما قامت الحكومة العراقية بتوفيره مؤخراً عبر برنامج إصلاح شامل، حيث قامت بإصلاح القوانين والإطار الإداري لجذب الاستثمارات.
وأضاف غانم أن الحكومة العراقية قدمت أولويات كثيرة كان من أهمها بالنسبة للبنك الدولي كوننا منظمة تنموية، التركيز على التنمية البشرية بدءاً من التعليم والصحة، إلى جانب التركيز على البنية التحتية وخاصة الطاقة والمياه والنقل والاتصالات.
وكان سامي الأعرجي، رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار في العراق، قال خلال لقاء نظمته غرفة التجارة والصناعة الكويتية، يوم الأحد الماضي، إن بلاده اتخذت عدة إجراءات لتوفير ضمانات للمستثمرين الذين يعتزمون دخول البلاد.
وأوضح الأعرجي، أن قانون الاستثمار يوفر ضمانات كبيرة، مشيراً إلى أن العقد الاستثماري (سواء كان مع الدولة أو مع القطاع الخاص) يعتبر عقداً مضموناً لدى كافة مؤسسات الدولة العراقية، مشيرا إلى وجود آلية لحل الخلافات، ووفق القانون الدولي واتفاقيات البنك الدولي.
وقال زياد بدر، مدير مكتب مؤسسة التمويل الدولية في العراق خلال حديثه لـ"العربي الجديد" على هامش المؤتمر، إن هناك أولوية لإعادة رؤوس الأموال التي هربت للخارج في ظل فترة عدم الاستقرار، موضحا: "نعمل على حشد الاستثمارات تحت مظلة منظمة التمويل الدولية وغيرها من المنظمات".
وبحسب قصي عبد الفتاح، المدير العام بوزارة التخطيط العراقية، فإن هناك حاجة إلى نحو 22 مليار دولار في الأجل القصير، وأكثر من 65 مليارا أخرى على المدى المتوسط دون أن يحدد أي إطار زمني.
وقال مهدي العلاق، الأمين العام لمجلس الوزراء العراقي خلال المؤتمر، إنه يمكن للدول مساعدة العراق بأن تكون ضامنة له لدى المقرضين بما يتيح حصوله على قروض ميسرة لتمويل مشروعات البنية التحتية.