منيرة المهدية: شال الحمام حط الحمام

13 مارس 2019
عملت مع محمد عبد الوهاب (أرشيف)
+ الخط -
حلت أمس الذكرى الرابعة والخمسون على رحيل منيرة المهدية، الملقبة بـ "سلطانة الطرب"، التي رحلت سنة 1965 عن 86 عاماً. تصادف هذه الذكرى الاحتفال بمئوية ثورة المصريين، في عام 1919، إذ كان لمنيرة المهدية دورٌ فيها يذكره المؤرخون. 

كان لمنيرة المهدية نفوذٌ كبير في الحياة السياسية المصرية. وحين أغلقت السلطات الإنكليزية جميع المقاهي والمسارح وحاصروا المطربين والفنانين كي لا يقفوا في صف الثورة ويدعموا سعد زغلول بأغانيهم وأعمالهم؛ لم تجرؤ السلطات على إغلاق مقهى منيرة المهدية، "نزهة النفوس"؛ فقدّمت من خلاله العديد من الأعمال الوطنية والأغاني الثورية.

يروي عمرو سميح، في كتابه "سعديون أم عدليون؟"، أن سعد زغلول كان من مريدي فن منيرة المهدية، خصوصاً مسرحيتها "كارمن" التي مثلتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى عام 1917 على خشبة "تياترو برينتانيا". كما أطلقت الصحافة اسم "هواء الحرية" على مسرح منيرة المهدية.

المنسي
أما زيد عساف؛ فيقول في كتابه "المنسي في الغناء العربي": "في كثير من الأحيان؛ كان مجلس الوزراء الذي يرأسه حسين رشدي يعقد جلساته في عوّامة منيرة المهدية، خاصة عندما أصدر البريطانيون قراراً بمنع التجمعات؛ فاجتمعت الحكومة في العوامة، وعقدت جلستها التي تعدّ الشرارة الأولى لثورة 1919".

وبعد قيام الثورة، كان يُحظر على الناس أن يتلفظوا باسم سعد زغلول، وكانت عقوبة من يفعل ذلك السجن لمدة ستة أشهر، إضافة إلى عشرين جلدة. حينئذ، أنشدت منيرة المهدية أغنيتها الرمزية الشهيرة: "شال الحمام حط الحمام.. من مصر السعيدة لما السودان.. زغلول ومال قلبي إليه.. أنهله لما احتاج إليه". يقول زيد عساف إن هذه الأغنية انتشرت ورددها الناس في أرجاء مصر كافة حتى تحوّلت إلى ما يشبه النشيد الوطني.



زواج أول
كانت منيرة المهدية في أوج مجدها تستغل نفوذها لإطلاق سراح الطلاب المعتقلين سياسياً، وذات مرة توسطت لدى المعتمد البريطاني لإطلاق سراح أحد الشباب المعتقلين ويدعى محمود جبر؛ فسألها عن علاقته به؛ فادعت أنه خطيبها ويخططان للزواج. وحتى يقوم المعتمد البريطاني بإحراجها ويكشف زيف ادعائها؛ قام بإحضار المأذون وطلب منه أن يعقد قرانهما في مكتبه؛ فوافقت وتم العقد. وكان هذا هو زواجها الأول، والذي استمر لمدة أربع سنوات.

على خشبة المسرح
أما عن تاريخها الاجتماعي والفني؛ فقد ولدت زكية حسن منصور في قرية المهدية، في محافظة الشرقية سنة 1885. أصبحت يتيمة الأم والأب في سن مبكرة جداً؛ فانتقلت إلى الإسكندرية لتعيش مع أختها الكبرى. أحبت الغناء ومارسته في سن مبكرة، وغيرت اسمها إلى منيرة المهدية حتى لا تحرج عائلتها الريفية بعملها في مجال الغناء. ازدادت شهرتها إلى أن أصبحت المطربة الأولى في عشرينيات القرن الماضي. وكانت أول امرأة تصعد على خشبة المسرح حين انضمت إلى فرقة عزيز عيد، وكان اسمها يوضع على أفيش الأعمال المسرحية بعد عبارة "الممثلة الأولى"، وكانت تمثل آنذاك دور رجل. ثم كونت فرقتها الخاصة التي أحدثت نقلة نوعية في المسرح الغنائي؛ فبدأت منيرة تظهر بأدوار النساء بعد أن كان هذا الأمر حكراً على الرجال، ثم مهدت الطريق لممثلات مصريات يقفن على خشبة المسرح بعد أن كان الأمر مقتصراً على فنانات من أصول أجنبية أو شامية. 



سيّدتان
اكتشفت محمد عبد الوهاب، وقدمته بديلاً لسيد درويش الذي رحل فجأة قبل أن يُتم لحن مسرحية كيلوباترا، فأتمها عبد الوهاب وأسندت له في العرض دور البطولة، واستمر تألقه في فرقتها؛ حتى بدأ حضوره يطغى على منيرة نفسها، وهو ما كان سبباً في فض شراكتهما. كما أسهمت فرقتها في اكتشاف عشرات الفنانين، من ممثلين ومطربين، بزغوا لاحقاً.

مع ظهور أم كلثوم، بدأت تنطفئ شعلة منيرة المهدية لصالح المطربة الجديدة، وهو ما كان محوراً للخلاف والأحاديث الصحافية، فابتعدت عن الغناء والشهرة شيئاً فشيئاً، إلى أن انقطعت نهائياً، وحين قررت العودة في عام 1948، كان صوتها قد بدأ يعاني من الشيخوخة، ويقال إنه فسد من كثرة تدخين "الشيشة" (الأرجلية)، فلم يستقبلها الجمهور استقبالاً حسناً. ووفقاً لمذكرات الناقد الراحل رجاء النقّاش؛ فإن الأديب نجيب محفوظ حضر آخر حفلات منيرة المهدية؛ فذكر محفوظ أنه نال شرف حضور آخر حفلات منيرة المهدية التي ظهر عليها فيها التأثر بتقدم العمر، وكانت تغني قليلاً وتسعل قليلاً، إلى أن انتهى الحفل، وقررت بعده اعتزال الفن نهائياً. 

الغندورة
ولسوء حظ منيرة المهدية، أو لسوء حظّنا ربّما؛ فإن عصر تألقها لم يشهد تسجيلات جيدة لأغانيها، كما أن مسرحياتها لم تسجل أيضاً، ولا توجد نسخة معروفة لفيلمها الوحيد الذي قامت ببطولته في عام 1935 وهو فيلم "الغندورة". ومن أغانيها الباقية المحفوظة: "أسمر ملك روحي"، و"يمامة حلوة"، و"حبك يا سيدي غطى على الكل". بعد رحيلها، أخرج حسن الإمام فيلماً عن حياتها بعنوان "سلطانة الطرب"، أدّت دور المهدية فيه الفنانة شريفة فاضل.​

دلالات
المساهمون