يعكس الأدب الكشميري المعاصر حالة الصراعات السياسية التي تعيشها البلاد من أجل نيل الحكم الذاتي لكشمير منذ ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وما تلاها من حكايات مروعة ولامتناهية عن فصول التضحيات بغية إقامة الاستفتاء الذي تعهد به مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
حتى قبل ضم كشمير من طرف الهند في عام 1948 بعدة قرون، حافظت البلاد على تراثها الأدبي العريق والغني. إلا أن معظم الإنتاجات الأدبية خلال القرن العشرين كتبت إما بالإنجليزية أو الأردو بدلا من اللغة الكشميرية الأم، بدعوى أن هذه الأخيرة كلغة محلية ومعزولة لا تتمتع بالجاذبية الكبرى التي يحتاجها الأدباء لنقل رسائلهم وأفكارهم.
تتنوع مواضيع الأدب الكشميري ما بين قصص الحب والبطولة والرثاء والتراجيديا والأساطير، الأمر الذي أدى لبروز شعراء معاصرين من أمثال رحمان راهي وأمين كامل بالإضافة إلى كتاب قصة من أمثال هاري كريشان كاول، وأختار محيي الدين. وبالرغم من وجود دلائل على تحول جذري عن الأدب القديم الكشميري، إلا أن هناك رغبة مضمرة تتمثل في الاستمرار بتناول موضوعات العنف وأزمة الوجود في كتابات الأدباء الكشميريين، إضافة إلى ثيمات من الفكر الصوفي. فالقضايا السياسية خلال الخمسينيات والسبعينيات مثل اعتقال القادة والزعماء الكشميريين، وحملات التحريض الطويلة من أجل استفتاء الأمم المتحدة، نراها ظاهرة في كتابات رحمان راهي، أمين كامل وأختار محيي الدين.
ولكن مع صعود التمرد والمقاومة ضد الحكم الهندي في التسعينيات، بدأ الأدب الكشميري يشهد بعض التراجع، حيث إنه بين سنوات 1990 و 1995 لم يتمكن العديد من الأدباء الكشميريين من نشر أعمالهم وقتها، بل اكتشفت هذه الأعمال مؤخرا فقط، أي بعد مرور عشر سنوات على الاضطرابات في البلاد، حتى أن بعض الأدباء مثل عبد الستار رنجور وسرفنند كاول بريمي قد تم اغتيالهم في تلك الفترة. فالأدب الكشميري إذن خلال فترة التسعينيات تم اكتشافه في فترات وأماكن مختلفة ومتنوعة، الأمر الذي نتج عنه ظهور نوع جديد مما يسمى بـ "أدب الاحتجاج".
أما في مجال الشعر، فقد تم استبدال الصوفية بأساليب الغموض والمجاز، كما امتلأ النثر بالنقد والسخرية. ومع ذلك لا تختلف الكتابات المعاصرة عن تلك التي سبقتها كثيرا، سواء تلك المكتوبة باللغة الكشميرية أو من طرف الأدباء الكشميريين فهي تتميز بمحاورتها لموضوع العنف في الشعر الكشميري خلال القرن الرابع عشر والخامس عشر.
ويبدو جليا من خلال تصفحنا لتاريخ كشمير أن الثقافة الكشميرية هي أساسا ثقافة توفيقية تجمع بين الإسلامية والهندية. فقد انتقلت كشمير من مركز فكري وسياسي إلى منطقة تعج بالصراعات والتمرد وكل أشكال التعذيب، حيث تشهد الثقافة الكشميرية حاليا تفككا واضحا. فمختلف أنواع الفنون كانت تحت رعاية الطبقات الحاكمة، كما أن أعدادا كبيرة من عامة الناس شاركت أيضا في هذه الأنشطة الثقافية.
لقد شكلت التوترات الداخلية مثل الصراع الهندوسي الإسلامي وما نتج عنه من أزمة الهوية، مكونا أساسيا في نسيج المجتمع الكشميري. إضافة إلى ذلك فولاية الهملايا حصلت أيضا على نصيبها من الانقسام السني الشيعي. لذلك نشهد الأدب المعاصر ينقل كل أوجه الحياة المتوترة في جامو وكشمير، بسبب القبضة العسكرية الحديدية للهند على المنطقة وتنكرها لأحد أبسط الحقوق الأساسية للسكان فيها.
بالإضافة إلى أعمال مؤلف المذكرات الشخصية بشارة بير "ليلة حظر التجوال"، ترسم روايتا ميرزا وحيد "المتعاون" و"كتاب أوراق الذهب" صورة شبه كاملة عن فن الخيال والواقع المعاصرين، على حد سواء.
ويبني وحيد، وهو صحافي سابق لهيئة الإذاعة البريطانية تجربته المذهلة لروايته "المتعاون" وفقا للأحداث الحقيقية التي شهدها وهو طفل صغير في بلدة سرينكار، العاصمة الصيفية لدولة جامو وكشمير المتنازع عليها. تبدأ أحداث هذه الرواية والتي تعتبر أكثر الروايات المفزعة والناجحة في أواخر العصر الحالي في كشمير في بداية التسعينيات عندما ساهم انتصار الأفغان ضد الروس في رفع معنويات الشباب الكشميري المضطهد والجريء في نفس الوقت ضد الاحتلال الهندي، حينها تحولت بلدة ناوكام الهادئة والمعزولة الموجودة قرب خط وقف إطلاق النار، كنقطة حدودية مؤقتة بين الهند وباكستان إلى بؤرة توتر ساخنة لكل الشباب الطامح بالحرية.
في القصة، لا يتوقف الجنود الهنود عن ملاحقة المقاتلين في كل مكان، ونرى أربعة أطفال مراهقين كانوا من قبل يمضون أمسياتهم في لعب الكريكت وترديد أغاني الأفلام الهندية على ضفاف الوادي، يتمكنون من التسلل إلى أزد كشمير، وهي بلدة متنازع عليها تقع تحت سيطرة باكستان، وذلك بغرض الالتحاق بالحركة المسلحة ضد الجيش الهندي. لم يتخلف عن اللحاق بهم سوى أحد أصدقائهم وهو ابن زعيم البلدة.
بعدها تبدأ الأسر في التفكير بالفرار بحثا عن مكان أكثر أمنا، لكن زعيم البلدة لا يسمح لهم بالمغادرة. وفي نفس الوقت، يبدو أن ابنه قد أجبر على التعاون مع الجيش الهندي لذلك يذهب إلى هضبة الوادي لإحصاء الجثث بينما يخشى في كل يوم أن يعثر على جثة أحد أصدقائه بين القتلى.
"لم يسبق لي أن رأيت كيف يمكن أن يكون الجانب الآخر" يقول الراوي المجهول والمؤثر بنبرة في شيء من الحسد والغبطة، "أنا لا أملك أي فكرة أيضا كيف يمكن أن تحس وأنت تحمل بين يديك بندقية أ - ك 47 وهي تطلق ستمئة طلقة في الدقيقة". عوضا عن ذلك، يقوم هو بحساب عدد المقاتلين - ومنهم من كانوا أصدقاء طفولته الذين قضوا فيما يسميه مجازا "مواجهات" ضد الجيش الهندي.
أما روايته الثانية "كتاب أوراق الذهب" فهي عبارة عن قصة حب تدور أحداثها مرة أخرى في كشمير خلال فترة التسعينيات. فايز وهو شاب جدي يعيل عائلته السنيّة الكبيرة في سرينكار، وهي نفس البلدة التي ترعرع فيها وحيد. يعمل فايز بصباغة مئات علب أقلام الرصاص شهريا، التي تُشحن إلى كندا في عالم يسافر فيه الفن ولا يسافر فيه الإنسان.
في فناء الضريح، يلمح فايز فتاة تسمى روحي، فتاة شيعية جميلة وهي تسدل شعرها الأسود الطويل لتنتظر قصة حب تجرها وقد تكتسحها. المشكلة الحقيقية تكمن في روحي اذ لا تتمكن من التخلص من الأعراف والتقاليد التي غالبا ما تكبل بطلات الروايات الرومانسية في معظم "روايات السجن" التي يكتبها الرجال. روحي تمثل هنا الفتاة الطيبة، الجميلة جدا، الخدومة جدا، المثالية جدا، لكن المملة كثيرا أيضا.
تكتسب الرواية نفسا وثقة كبيرتين عندما ينتقل الكاتب إلى "ميدان الحرب". نرى المشهد الذي عاين فيه حافلة صغيرة مكتظة بتلاميذ المدارس وأمه الغالية (العرابة) أيضا وقد حوصروا في تبادل لإطلاق النار. بعد ذلك، يفقد فايز قدرته على النوم بل الأمر الذي يؤدي به تدريجيا إلى فقدان عقله.
وفي لحظة، ومن دون أي تردد وبشكل أكثر مصداقية وأكثر رعبا، يصبح فايز متطرفا. نجده بعد ذلك وهو يقطع طرقات الجبال الحدودية إلى باكستان للالتحاق بالانتفاضة "لم أستطع أن أتحمل أكثر" يهمس إلى المهندس الذي كان يرافقه في نفس الرحلة "لقد كان شيئا لا يطاق، إنهم أناس لا يرحمون، يجب أن يغادروا ديارنا". ولكون كشمير تتجمع بها أعلى نسبة من الجنود لكل ميل مربع في العالم بأكمله، حمل فايز السلاح، ليس بسبب اعتناقه قناعة سياسية معينة ولكن بسبب شعوره بالغبن والظلم الكبيرين. لم يكن فايز ناشطا سياسيا بل كان فنانا فقط. بعد ذلك سيتعلم فايز تقنيات صناعة القنابل في مخيم تحيط به عدة قبور مجهولة وبنفس الانضباط والجدية اللتين كان يصنع بهما من قبل علب أقلام الرصاص.
ما تبقى من "كتاب أوراق الذهب" هو عبارة عن رحلة العودة إلى روحي وتطور تلك العلاقة الرومانسية السنية-الشيعية (وهي تعبير ساخر عن قدر الحرب، فحين تتعطل القوانين العادية تصبح كل أنواع الحريات متاحة). باقي الرواية أيضا يرصد يوميات مآسٍ وقساوة ورعب وصدمات ذلك الصراع الذي تسبب منذ عام 1989 في مقتل أكثر من مائة ألف شخص. لقد نجح وحيد في نقل صورة دقيقة عن حياة شعب مكلوم كتب عليه أن يعيش إلى جانب أعداد كبيرة، ومتزايدة بصورة مستمرة من القوات المسلحة الهندية التي كانت تواجه أعدادا متزايدة أيضا من المقاتلين والنشطاء.
إضافة إلى هاتين الروايتين هناك عدة روايات أخرى مهمة من بينها "الرئيس" للكاتب جاسبريت ينغ عام 2008 و"حديقة الوحدة" سيدارثا كيكو، 2010 و"دم قمرنا المتخثر"، رحول بانديتا، 2013. لكن رغم ذلك تبقى رواية بشارة بير "ليلة حظر التجوال" الأكثر تميزا لكون الكاتب تفنن في سرد وقائع حية بطريقة أكثر جاذبية وقوة من الخيال.
تبدو البلدة التي يسكنها بير تعج بالمقاتلين وهم يظهرون رشاشاتهم (الكلاشنيكوف) يحمل بير وزملاؤه في المدرسة مضارب الكريكيت، كما تحمل المسدسات وكأنهم بصدد "المحاكاة والاستعداد". ورغم إغرائه، مثل أحد أبناء عمومته بالالتحاق بالمقاتلين، إلا أن الشكوك ظلت تراوده بخصوص نهج وخطط هؤلاء المقاتلين.
بعد أن أصبح صحافيا في إحدى الجرائد الهندية، يبدأ بير في سرد تقارير حروب أخرى بعيدة عن بلده، لكن في النهاية يحس بانتمائه اتجاه بلده الأم أي كشمير.
أما الجزء الثاني من الكتاب، يتناول سرد عدة استجوابات مع ضحايا الاحتلال العسكري. بعض المقاتلين القدامى الذين كانوا قد تعرضوا لمختلف أنواع التعذيب في السجون الهندية أصبحوا أشخاصا محطمين معنويا ولا يستطيعون الإنجاب، كما نشهد محاولة زوجين التعايش مع صدمة مهولة بعدما هاجمهم عدة جنود ليلة زفافهم واغتصبوا عروسته.
لقد كان بير رائعا وهو يصور كيف قام خمسمئة ألف من الجنود بتدنيس الطبيعة الخلابة للبلد. فقد تحولت سرينكار من "مدينة مكونة من بيوت متشابكة وأنيقة ومساجد ومعابد عجيبة على ضفاف نهر جهيلوم "إلى مدينة تعج بالمخابئ الخرسانية ونقاط المراقبة والتفتيش والمدرعات ودوريات الجنود وهم يجوبون الشوارع. لقد أصبحت نقاط المراقبة مكونا أساسيا من الطبيعة الكشميرية، تماما كما كانت من قبل أشجار الصفصاف والحور والصنوبر تزين كل أرجاء المدينة.
(كاتب وصحافي استقصائي، إسلام آباد)
حتى قبل ضم كشمير من طرف الهند في عام 1948 بعدة قرون، حافظت البلاد على تراثها الأدبي العريق والغني. إلا أن معظم الإنتاجات الأدبية خلال القرن العشرين كتبت إما بالإنجليزية أو الأردو بدلا من اللغة الكشميرية الأم، بدعوى أن هذه الأخيرة كلغة محلية ومعزولة لا تتمتع بالجاذبية الكبرى التي يحتاجها الأدباء لنقل رسائلهم وأفكارهم.
تتنوع مواضيع الأدب الكشميري ما بين قصص الحب والبطولة والرثاء والتراجيديا والأساطير، الأمر الذي أدى لبروز شعراء معاصرين من أمثال رحمان راهي وأمين كامل بالإضافة إلى كتاب قصة من أمثال هاري كريشان كاول، وأختار محيي الدين. وبالرغم من وجود دلائل على تحول جذري عن الأدب القديم الكشميري، إلا أن هناك رغبة مضمرة تتمثل في الاستمرار بتناول موضوعات العنف وأزمة الوجود في كتابات الأدباء الكشميريين، إضافة إلى ثيمات من الفكر الصوفي. فالقضايا السياسية خلال الخمسينيات والسبعينيات مثل اعتقال القادة والزعماء الكشميريين، وحملات التحريض الطويلة من أجل استفتاء الأمم المتحدة، نراها ظاهرة في كتابات رحمان راهي، أمين كامل وأختار محيي الدين.
ولكن مع صعود التمرد والمقاومة ضد الحكم الهندي في التسعينيات، بدأ الأدب الكشميري يشهد بعض التراجع، حيث إنه بين سنوات 1990 و 1995 لم يتمكن العديد من الأدباء الكشميريين من نشر أعمالهم وقتها، بل اكتشفت هذه الأعمال مؤخرا فقط، أي بعد مرور عشر سنوات على الاضطرابات في البلاد، حتى أن بعض الأدباء مثل عبد الستار رنجور وسرفنند كاول بريمي قد تم اغتيالهم في تلك الفترة. فالأدب الكشميري إذن خلال فترة التسعينيات تم اكتشافه في فترات وأماكن مختلفة ومتنوعة، الأمر الذي نتج عنه ظهور نوع جديد مما يسمى بـ "أدب الاحتجاج".
أما في مجال الشعر، فقد تم استبدال الصوفية بأساليب الغموض والمجاز، كما امتلأ النثر بالنقد والسخرية. ومع ذلك لا تختلف الكتابات المعاصرة عن تلك التي سبقتها كثيرا، سواء تلك المكتوبة باللغة الكشميرية أو من طرف الأدباء الكشميريين فهي تتميز بمحاورتها لموضوع العنف في الشعر الكشميري خلال القرن الرابع عشر والخامس عشر.
ويبدو جليا من خلال تصفحنا لتاريخ كشمير أن الثقافة الكشميرية هي أساسا ثقافة توفيقية تجمع بين الإسلامية والهندية. فقد انتقلت كشمير من مركز فكري وسياسي إلى منطقة تعج بالصراعات والتمرد وكل أشكال التعذيب، حيث تشهد الثقافة الكشميرية حاليا تفككا واضحا. فمختلف أنواع الفنون كانت تحت رعاية الطبقات الحاكمة، كما أن أعدادا كبيرة من عامة الناس شاركت أيضا في هذه الأنشطة الثقافية.
لقد شكلت التوترات الداخلية مثل الصراع الهندوسي الإسلامي وما نتج عنه من أزمة الهوية، مكونا أساسيا في نسيج المجتمع الكشميري. إضافة إلى ذلك فولاية الهملايا حصلت أيضا على نصيبها من الانقسام السني الشيعي. لذلك نشهد الأدب المعاصر ينقل كل أوجه الحياة المتوترة في جامو وكشمير، بسبب القبضة العسكرية الحديدية للهند على المنطقة وتنكرها لأحد أبسط الحقوق الأساسية للسكان فيها.
بالإضافة إلى أعمال مؤلف المذكرات الشخصية بشارة بير "ليلة حظر التجوال"، ترسم روايتا ميرزا وحيد "المتعاون" و"كتاب أوراق الذهب" صورة شبه كاملة عن فن الخيال والواقع المعاصرين، على حد سواء.
ويبني وحيد، وهو صحافي سابق لهيئة الإذاعة البريطانية تجربته المذهلة لروايته "المتعاون" وفقا للأحداث الحقيقية التي شهدها وهو طفل صغير في بلدة سرينكار، العاصمة الصيفية لدولة جامو وكشمير المتنازع عليها. تبدأ أحداث هذه الرواية والتي تعتبر أكثر الروايات المفزعة والناجحة في أواخر العصر الحالي في كشمير في بداية التسعينيات عندما ساهم انتصار الأفغان ضد الروس في رفع معنويات الشباب الكشميري المضطهد والجريء في نفس الوقت ضد الاحتلال الهندي، حينها تحولت بلدة ناوكام الهادئة والمعزولة الموجودة قرب خط وقف إطلاق النار، كنقطة حدودية مؤقتة بين الهند وباكستان إلى بؤرة توتر ساخنة لكل الشباب الطامح بالحرية.
في القصة، لا يتوقف الجنود الهنود عن ملاحقة المقاتلين في كل مكان، ونرى أربعة أطفال مراهقين كانوا من قبل يمضون أمسياتهم في لعب الكريكت وترديد أغاني الأفلام الهندية على ضفاف الوادي، يتمكنون من التسلل إلى أزد كشمير، وهي بلدة متنازع عليها تقع تحت سيطرة باكستان، وذلك بغرض الالتحاق بالحركة المسلحة ضد الجيش الهندي. لم يتخلف عن اللحاق بهم سوى أحد أصدقائهم وهو ابن زعيم البلدة.
بعدها تبدأ الأسر في التفكير بالفرار بحثا عن مكان أكثر أمنا، لكن زعيم البلدة لا يسمح لهم بالمغادرة. وفي نفس الوقت، يبدو أن ابنه قد أجبر على التعاون مع الجيش الهندي لذلك يذهب إلى هضبة الوادي لإحصاء الجثث بينما يخشى في كل يوم أن يعثر على جثة أحد أصدقائه بين القتلى.
"لم يسبق لي أن رأيت كيف يمكن أن يكون الجانب الآخر" يقول الراوي المجهول والمؤثر بنبرة في شيء من الحسد والغبطة، "أنا لا أملك أي فكرة أيضا كيف يمكن أن تحس وأنت تحمل بين يديك بندقية أ - ك 47 وهي تطلق ستمئة طلقة في الدقيقة". عوضا عن ذلك، يقوم هو بحساب عدد المقاتلين - ومنهم من كانوا أصدقاء طفولته الذين قضوا فيما يسميه مجازا "مواجهات" ضد الجيش الهندي.
أما روايته الثانية "كتاب أوراق الذهب" فهي عبارة عن قصة حب تدور أحداثها مرة أخرى في كشمير خلال فترة التسعينيات. فايز وهو شاب جدي يعيل عائلته السنيّة الكبيرة في سرينكار، وهي نفس البلدة التي ترعرع فيها وحيد. يعمل فايز بصباغة مئات علب أقلام الرصاص شهريا، التي تُشحن إلى كندا في عالم يسافر فيه الفن ولا يسافر فيه الإنسان.
في فناء الضريح، يلمح فايز فتاة تسمى روحي، فتاة شيعية جميلة وهي تسدل شعرها الأسود الطويل لتنتظر قصة حب تجرها وقد تكتسحها. المشكلة الحقيقية تكمن في روحي اذ لا تتمكن من التخلص من الأعراف والتقاليد التي غالبا ما تكبل بطلات الروايات الرومانسية في معظم "روايات السجن" التي يكتبها الرجال. روحي تمثل هنا الفتاة الطيبة، الجميلة جدا، الخدومة جدا، المثالية جدا، لكن المملة كثيرا أيضا.
تكتسب الرواية نفسا وثقة كبيرتين عندما ينتقل الكاتب إلى "ميدان الحرب". نرى المشهد الذي عاين فيه حافلة صغيرة مكتظة بتلاميذ المدارس وأمه الغالية (العرابة) أيضا وقد حوصروا في تبادل لإطلاق النار. بعد ذلك، يفقد فايز قدرته على النوم بل الأمر الذي يؤدي به تدريجيا إلى فقدان عقله.
وفي لحظة، ومن دون أي تردد وبشكل أكثر مصداقية وأكثر رعبا، يصبح فايز متطرفا. نجده بعد ذلك وهو يقطع طرقات الجبال الحدودية إلى باكستان للالتحاق بالانتفاضة "لم أستطع أن أتحمل أكثر" يهمس إلى المهندس الذي كان يرافقه في نفس الرحلة "لقد كان شيئا لا يطاق، إنهم أناس لا يرحمون، يجب أن يغادروا ديارنا". ولكون كشمير تتجمع بها أعلى نسبة من الجنود لكل ميل مربع في العالم بأكمله، حمل فايز السلاح، ليس بسبب اعتناقه قناعة سياسية معينة ولكن بسبب شعوره بالغبن والظلم الكبيرين. لم يكن فايز ناشطا سياسيا بل كان فنانا فقط. بعد ذلك سيتعلم فايز تقنيات صناعة القنابل في مخيم تحيط به عدة قبور مجهولة وبنفس الانضباط والجدية اللتين كان يصنع بهما من قبل علب أقلام الرصاص.
ما تبقى من "كتاب أوراق الذهب" هو عبارة عن رحلة العودة إلى روحي وتطور تلك العلاقة الرومانسية السنية-الشيعية (وهي تعبير ساخر عن قدر الحرب، فحين تتعطل القوانين العادية تصبح كل أنواع الحريات متاحة). باقي الرواية أيضا يرصد يوميات مآسٍ وقساوة ورعب وصدمات ذلك الصراع الذي تسبب منذ عام 1989 في مقتل أكثر من مائة ألف شخص. لقد نجح وحيد في نقل صورة دقيقة عن حياة شعب مكلوم كتب عليه أن يعيش إلى جانب أعداد كبيرة، ومتزايدة بصورة مستمرة من القوات المسلحة الهندية التي كانت تواجه أعدادا متزايدة أيضا من المقاتلين والنشطاء.
إضافة إلى هاتين الروايتين هناك عدة روايات أخرى مهمة من بينها "الرئيس" للكاتب جاسبريت ينغ عام 2008 و"حديقة الوحدة" سيدارثا كيكو، 2010 و"دم قمرنا المتخثر"، رحول بانديتا، 2013. لكن رغم ذلك تبقى رواية بشارة بير "ليلة حظر التجوال" الأكثر تميزا لكون الكاتب تفنن في سرد وقائع حية بطريقة أكثر جاذبية وقوة من الخيال.
تبدو البلدة التي يسكنها بير تعج بالمقاتلين وهم يظهرون رشاشاتهم (الكلاشنيكوف) يحمل بير وزملاؤه في المدرسة مضارب الكريكيت، كما تحمل المسدسات وكأنهم بصدد "المحاكاة والاستعداد". ورغم إغرائه، مثل أحد أبناء عمومته بالالتحاق بالمقاتلين، إلا أن الشكوك ظلت تراوده بخصوص نهج وخطط هؤلاء المقاتلين.
بعد أن أصبح صحافيا في إحدى الجرائد الهندية، يبدأ بير في سرد تقارير حروب أخرى بعيدة عن بلده، لكن في النهاية يحس بانتمائه اتجاه بلده الأم أي كشمير.
أما الجزء الثاني من الكتاب، يتناول سرد عدة استجوابات مع ضحايا الاحتلال العسكري. بعض المقاتلين القدامى الذين كانوا قد تعرضوا لمختلف أنواع التعذيب في السجون الهندية أصبحوا أشخاصا محطمين معنويا ولا يستطيعون الإنجاب، كما نشهد محاولة زوجين التعايش مع صدمة مهولة بعدما هاجمهم عدة جنود ليلة زفافهم واغتصبوا عروسته.
لقد كان بير رائعا وهو يصور كيف قام خمسمئة ألف من الجنود بتدنيس الطبيعة الخلابة للبلد. فقد تحولت سرينكار من "مدينة مكونة من بيوت متشابكة وأنيقة ومساجد ومعابد عجيبة على ضفاف نهر جهيلوم "إلى مدينة تعج بالمخابئ الخرسانية ونقاط المراقبة والتفتيش والمدرعات ودوريات الجنود وهم يجوبون الشوارع. لقد أصبحت نقاط المراقبة مكونا أساسيا من الطبيعة الكشميرية، تماما كما كانت من قبل أشجار الصفصاف والحور والصنوبر تزين كل أرجاء المدينة.
(كاتب وصحافي استقصائي، إسلام آباد)