23 فبراير 2020
من سيحمي السعودية من سلاحها؟
سراج عاصي
أكاديمي فلسطيني زائر في جامعة جورج تاون في واشنطن، ومحاضر في دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في واشنطن. صدر له حديثا بالانجليزية كتاب تاريخ وسياسات البدو: إعادة تخيل البداوة في فلسطين الحديثة.
تعتبر السعودية ثالث أكبر مستهلك للسلاح في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين، وفقا لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وهي أكبر مستورد للسلاح الغربي، حيث أنفقت في العام الماضي وحده ما يفوق 67 مليار دولار على المبيعات العسكرية والدفاعية. وعقب انتخاب دونالد ترامب رئيسا، تعهدت بشراء أسلحة أميركية بقيمة 110 مليارات دولار. ومع ذلك، لا تزال المملكة عاجزة عن حماية منشآتها النفطية والاستراتيجية، فقد أوقفت قبل أيام نحو نصف إنتاجها من النفط بعد هجمات الحوثيين على منشأتين لشركة أرامكو: في محافظة بقيق (150 كيلومترا شرق العاصمة الرياض) وتعتبر أكبر معمل لتكرير النفط في العالم: وفي منطقة خريص (190 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من الظهران)، وتعتبر ثاني أكبر حقل نفطي في العالم. ويتوقع أن تؤثر الهجمات على إنتاج خمسة ملايين برميل من النفط يوميا، أي قرابة نصف الإنتاج الحالي للمملكة.
وقال خبراء عسكريون أميركيون إنّ الهجمات الحوثية تحايلت على الدفاعات العسكرية السعودية، بما فيها ستة صواريخ باتريوت أنتجتها شركة الأسلحة الأميركية ريثيون، ويكلف الواحد منها حوالي مليار دولار. إذن، لم يسعف السلاح الأميركي السعودية، على الرغم من تكلفته الباهظة. وهو ما دعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى الرد على الهجوم بشيء من السخرية، مقترحا على السعودية الاقتداء بتركيا وإيران، وشراء منظومة صواريخ روسية من طراز أس - 300 أو أس - 400، وذلك "كي تكون قادرة على حماية البنى التحتية السعودية بشكل موثوق". وما سكت بوتين عنه أنّ السعودية فكرت مرارا في شراء المنظومة الروسية، الأقلّ تكلفا وأكثر فاعلية، غير أن المملكة تخشى على علاقاتها مع إدارة ترامب، والتي باتت أشبه بعلاقة فرويدية منه بعلاقة بين دولتين.
نحن إذن أمام مفارقة سياسية ذات بعد وجودي: إذا كانت السعودية عاجزةً عن حماية مصدر
دخلها القومي، فكيف تحمي أمنها القومي؟ يبدو أنّ المملكة لم تدرك، حتى الهجوم على منشأتي "أرامكو"، أخيرا، مدى هشاشة وضعيتها الاستراتيجية والجيوسياسية، وإلا لما أقحمت نفسها في حروبٍ إقليمية مع دول حدودية، مثل اليمن والعراق، في حين تعجز عن حماية نفطها.
على سبيل المقارنة، تتفوّق الولايات المتحدة على السعودية في مجال إنتاج النفط، ومع ذلك تبقى أقلّ عرضة للاستهداف الخارجي، ففي حين تتمركز المنشآت النفطية السعودية في منطقة واحدة أو منطقتين، فإنّ منشآت النفط في الولايات المتحدة موزعة على مدى الولايات الأميركية، وبالتالي يصعب استهدافها. يستحيل أن نتخيل أن تفقد الولايات المتحدة، أو أي دولة أخرى، نصف إنتاجها النفطي بضربة واحدة.
من البديهي، إذن، أن تتهم السعودية إيران بتوجيه الضربات ضد منشآتها النفطية، فهي تريد عدوا بحجم إيران، كي تتسر على مدى هشاشة نظامها الدفاعي، على الرغم من استثماراتها الهائلة في هذا المجال.
أما إذا كانت السعودية تعوّل على دونالد ترامب فقد خسرت الرهان، فقد صرح ترامب مرارا بأنه لا يريد حربا مع إيران، على الرغم من تغريداته النارية. كما أنّ الكونغرس يعارض حربا جديدة، والحرب لا تحظى بشعبية في سياق المعركة الانتخابية الدائرة في الولايات المتحدة، سيما أنّ ترامب وعد، في حملته الانتخابية، بعدم توريط البلاد في حروب جديدة، فهو يدعو إلى سحب القوات الأميركية من أفغانستان، وعارض الحرب الأميركية في العراق بوصفها "أسوأ قرار اتخذ في تاريخ أميركا". كما أنه عزل مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، على أثر دعوات الأخير المتواصلة لضرب إيران. وحاليا، يدور الحديث عن جهود دبلوماسية فرنسية للتوسط بين واشنطن وطهران.
إذن، ستجد السعودية نفسها وحيدةً في أية مواجهة محتملة مع إيران، وسيقتصر الدور الأميركي على بيع المملكة مزيدا من الآليات الدفاعية والعسكرية، ومزيدا من صواريخ باتريوت. أما ترامب، فقد يكتفي بالتغريد والتشجيع عبر "تويتر". ولكن تجربة بقيق وخريص تعلمنا أنّ السعودية، مع ترسانتها العسكرية الهائلة، تكاد لا تقدر على حماية منشأتين نفطيتين، فلنا أن نتخيل كيف ستحمي نفسها في حرب إقليمية مع إيران.
نحن إذن أمام مفارقة سياسية ذات بعد وجودي: إذا كانت السعودية عاجزةً عن حماية مصدر
على سبيل المقارنة، تتفوّق الولايات المتحدة على السعودية في مجال إنتاج النفط، ومع ذلك تبقى أقلّ عرضة للاستهداف الخارجي، ففي حين تتمركز المنشآت النفطية السعودية في منطقة واحدة أو منطقتين، فإنّ منشآت النفط في الولايات المتحدة موزعة على مدى الولايات الأميركية، وبالتالي يصعب استهدافها. يستحيل أن نتخيل أن تفقد الولايات المتحدة، أو أي دولة أخرى، نصف إنتاجها النفطي بضربة واحدة.
من البديهي، إذن، أن تتهم السعودية إيران بتوجيه الضربات ضد منشآتها النفطية، فهي تريد عدوا بحجم إيران، كي تتسر على مدى هشاشة نظامها الدفاعي، على الرغم من استثماراتها الهائلة في هذا المجال.
أما إذا كانت السعودية تعوّل على دونالد ترامب فقد خسرت الرهان، فقد صرح ترامب مرارا بأنه لا يريد حربا مع إيران، على الرغم من تغريداته النارية. كما أنّ الكونغرس يعارض حربا جديدة، والحرب لا تحظى بشعبية في سياق المعركة الانتخابية الدائرة في الولايات المتحدة، سيما أنّ ترامب وعد، في حملته الانتخابية، بعدم توريط البلاد في حروب جديدة، فهو يدعو إلى سحب القوات الأميركية من أفغانستان، وعارض الحرب الأميركية في العراق بوصفها "أسوأ قرار اتخذ في تاريخ أميركا". كما أنه عزل مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، على أثر دعوات الأخير المتواصلة لضرب إيران. وحاليا، يدور الحديث عن جهود دبلوماسية فرنسية للتوسط بين واشنطن وطهران.
إذن، ستجد السعودية نفسها وحيدةً في أية مواجهة محتملة مع إيران، وسيقتصر الدور الأميركي على بيع المملكة مزيدا من الآليات الدفاعية والعسكرية، ومزيدا من صواريخ باتريوت. أما ترامب، فقد يكتفي بالتغريد والتشجيع عبر "تويتر". ولكن تجربة بقيق وخريص تعلمنا أنّ السعودية، مع ترسانتها العسكرية الهائلة، تكاد لا تقدر على حماية منشأتين نفطيتين، فلنا أن نتخيل كيف ستحمي نفسها في حرب إقليمية مع إيران.
دلالات
سراج عاصي
أكاديمي فلسطيني زائر في جامعة جورج تاون في واشنطن، ومحاضر في دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في واشنطن. صدر له حديثا بالانجليزية كتاب تاريخ وسياسات البدو: إعادة تخيل البداوة في فلسطين الحديثة.
سراج عاصي
مقالات أخرى
01 فبراير 2020
05 أكتوبر 2019
25 سبتمبر 2019