من شبّاك الثورة إلى باب السلطان

07 يوليو 2014
+ الخط -


كمن يتصيّد صورةً مُغايرةً مُبتكرة، لم يطرقها خيال إنسان من قبل، يتسابق مشرّدو الإبداع إلى مآدب محتملةٍ في المغرب والمشرق، مُؤمّلين النفس ألا يكون أصحابها لئاماً، وألا يكونوا فيها أضيعَ من أيتام سوريّين، ما وجدوا حتى حضن مخيّم يلمّ شتاتهم.

مبدعون كانوا في كنف الديكتاتورية من المحظييّن، إنما لم يتسنّموا مناصب في الصف الأول تشبع رغباتهم، وتكفي ليكونوا آمرين ناهين في المشهد. قالوا: الثورة الشعبية فقيرة فكرياً وإبداعياً، إنها لسانحة لا يجود الدهر بمثلها، نحن أيها العالم الحر أدباء الثورة ومنظّروها، والقيادة الواعية الحكيمة لهؤلاء المساكين، والناطقون المخمليّون باسمهم واسمها.

ولمّا كان صوت الساحات ومغنّيها، أعلى، وهتاف الضمائر أصدق وأرحب، تلاشى حلم السطو على الصوت، فانتقلوا مسرعين إلى الصورة، يحاولون وُلوجها مرتدين الزيّ الأنسب لكل حفلة، من الظلّ إلى الضياء وما بينهما من تدرّجات السياسة اللامتناهية.

بعضهم وجد مكاناً واقتنع ظرفياً، على أنه سيكون محور الصورة في الألبوم المقبل، وآخرون تابعوا سيرهم لاهثين، غير قاصدين مقاصد السوريين المنكوبين، العاديين، فهم فوق ما هو عاديّ، سابقاً ولاحقاً. ولا يستوي المشهد إلا بقيادتهم وإخراجهم تصوراته ومآلاته. لكن العالم لم يزل يرى في رواية عجوز حمصي ما يثير ويدهش، ويصور أكثر من كل ما أتوه من سحر البيان.

قالوا: أعمى هذا العالم الذي لا يرانا. فالمحاولات لا يمكن أن تستمر طويلاً، لديهم أحلام يجب إنجازها، وأخيراً وصل بعضهم إلى دول عربية، لم تقدهم الخطى على غير هدى، بل كل شيء يبدو مدروساً، والكتب جاهزة ومُعدّة للطباعة، والمقالات مكتوبة سلفاً حتى قبل قراءة المادة التي ستتناولها، المهم والكافي هو العنوان، وقد أتقنوا فنون صيده.

منذ شهرهم الأول في تلك البلاد تزيّنت الصحف بأسمائهم، وبعضها صحف غير مناصرة للثورة، أو تدّعي الحيادية في أحسن الأحوال، والمقالات لم تكن عن مكابدة الناس في بلادهم، ولا عن الثورة والشهداء وضحايا الجوع والخوف والاغتصاب، ولا حتى عن التاريخ الذي ذُبح، وإلا لما لقوا إلا ما لقيَ غيرهم من تجاهل وإنكار.

العناوين كانت تليق بتاريخهم النضالي والإنساني حقاً، وتعبّر، بلا مجازات أو إحالات، عن حقيقة انتمائهم لأوهامهم وذواتهم وأناهم، متجاهلين كل ما هو إنساني أو وطني أو أخلاقي. لكن، من عاش هناك على باب السلطان يقتات فتاته، لن يجيد غير هذه الصنعة، أينما حلّ وارتحل. شهران أو ثلاثة، وربما أقلّ، ومزيد من اللباقة المذلة، ربما ستكفي لتدخل، وقبل أن تقرأ قصيدتك يُرمى إليك عظمك، تحني رأسك، تلتقمه، وتخرج مُشبعاً بالمال، والذل، يخف وزنك، تتمنى أن تبتلعك الأرض، لكنها تعاندك، تجعل خطواتك أثقل، وكأنك تحمل في يمينك ورقة نعيك، أو نعي إنسانك الذي لن يعود، فإنه يخجل من ارتداء صورة وجهك المُثقل بالهوان. 

avata
avata
ياسر الأطرش (سورية)
ياسر الأطرش (سورية)