01 نوفمبر 2024
من مكَّة إلى القُدْس.. ما الذي يجري؟
لا بدَّ أنَّ ردود الفعل الغاضبة واسعة النِّطاق (عشرات الآلاف وأكثر) التي لا تزال تتوالى؛ رفضا لقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على اعترافه بالقدس عاصمةً لدولة الاحتلال، والتي لم تقتصر على البلاد العربية، بل شملت بلادا إسلامية، يتعلَّق قلوبُ أبنائها بالقدس والمسجد الأقصى، مِن تركيا إلى إندونيسيا، وباكستان، وغيرها، لا بدَّ أنَّها تترك رسائل واضحة عن حجم المُخاطَرة والضرر الذي يلحق بأيّ دولةٍ تتجاهل القدس، أو تنخرط في تطبيعٍ مع مُحتلِّيها، فقد أحسّ المسلمون، مع العرب، بامتهانٍ جديدٍ لمُقدَّسٍ مِن مقدَّساتهم، فاتَّسعت دائرة المواجهة، ولو احتجاجيا، واستيقظت، بالقدس، مُنتهى الإسراء، مشاعرُهم، مستدعيةً مكة؛ مبدأه، وبلاد الحجاز، مهبط رسالتهم، فبقدر ما تُعوِّل أميركا، وتطمح إسرائيل، من السعودية، أنْ تفتح الباب لتطبيعٍ سافر، يكسر الحواجز، ويمنح شرعيةً ليست عربيةً فقط، ولكن إسلامية، فإنَّ استجابة الأخيرة لذلك الدور الثقيل يُهدِّد بإسقاطها عن تلك المكانة التي تتكرّس لها، بحُكْم دورها العمليّ في شعائر روحية، تتجدَّد، كلّ عام.
نقول هذا، ونحن نشهد، تِباعا، مواقفَ تصدُر من السعودية، تصبّ في قرار الرئيس الأميركي المستنكَر، الاعتراف بالقدس عاصمةً لدولة الاحتلال، من دون أن تُتْبَع تلك المواقف المُطَبِّعة بمواقف رسمية من الدولة تستنكرُها، أو تتنصَّل من تمثيلها الشعب. كما كان أخيرا، مثالا، لا حصرا، من موقفٍ مستغرَبٍ في تهوّره، وافْتِئاته، يرى أنَّ "قرار الرئيس الأميركي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، سيُحدِث صدمةً إيجابية، وأنّ القدس رمز دينيٌّ لليهود، ومقدَّس كقداسة مكة والمدينة للمسلمين". ولم يقل، حتى، إنّها، أيْ القدس، مُقدَّسة كقداسة مكة والمدينة عند المسلمين (!)
وبالتوازي مع مثل هذه المواقف الصادمة، فعلا، مواقفُ تخفِّف من خطورة القرار، وتقترب من (التلطيفات) الأميركية له، بأنَّ اعتراف ترامب لا يتضمَّن إشارة صريحة للقدس مدينة مُوحَّدة، وعاصمة بالصيغة التي تطلبها إسرائيل، علما بأنَّ اعتراف ترامب إنما هو إقرار بالقانون الذي سنَّه الكونغرس عام 1995، وفي البند الثالث منه "اعتراف بالقدس مدينة مُوحَّدة غير قابلة للتقسيم"، وليس ثمّة بوادر على نيَّة إدارة ترامب الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية الموعودة.
ومِنْ أجْدَد الإشارات الاستباقية، والمخيِّبة لمَنْ لا يزال يتوهَّم، موقفُ إدارة ترامب من حائط البراق، أنَّها "لا تستطيع أنْ تتصوَّر أنَّ إسرائيل ستُوقِّع على اتفاق سلام لا يشمل حائط المبكى".
ولعلَّ أهم المقاصد من حُمَّى الإعلام نحو التطبيع جعْل دولة الاحتلال، وتهويدها القدس، محلَّ جدل، تنقسم حولها الآراء، على الأقل، في هذه المرحلة التمهيدية، لما يُراد بعدها من صفقة، هي فعلا، أقرب إلى روح الصفقات التجارية المُستخفّة، كما تُبدي مقدِّماتُها، بالأبعاد الروحية والتاريخية والوطنية.
ولا تتغذَّى المخاوفُ من مُجرَّد سكوت الدولة في السعودية على تلك الخطوات التطبيعية، لكنها ذاتها لا تتخذ مواقف تتجاوب وخطورة الحدث، فهي اختارت أنْ يكون تمثيلُها في القمة الإسلامية الطارئة في إسطنبول مُتدنِّيًا، على مستوى وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، وليس على مستوى القصر الملكي، ولا حتى مستوى وزارة الخارجية، وإذا كانت تعمَّدت ذلك التمثيل؛ تعبيرا عن موقفها من البلد المضيف، (مع أنَّ الحدث والخطر أسمى من هذه الاعتبارات) فلتكن منها مساعٍ تضاهي تلك الخطورة التي لا جدال فيها.
إننا نبذل جهودا كبيرة؛ من أجل تحشيد الرأي العام العالمي مع هذه القضية العادلة، وهي جهودٌ نافعة، لكن الأهمّ والأوْلى، قبْلًا، هو النهوض جمعيا، عربيا وإسلاميا، من موطن تماسُك جدّي، بعيدا عن الحسابات الضيِّقة، والخلافات السطحية والعارضة، كما نرجو. والنجاح فيها يغذِّي، بالتأكيد، النجاحَ في معركة الرأي العام العالمي، إذ قُوى الأمة الرافضة للتطبيع، اليوم، ومُروِّجوه، كأنهما فَرَسا رِهان، كلٌّ منهما يسابق الآخر؛ نحو مآلات التصفية، أو الاستنقاذ.
فنحن نُعوِّل على ضمير هذه الشعوب العربية والإسلامية، ولا نأخذ شعبا كاملا بجريرة موقف فردي، أو حتى موقف رسميّ. وندرك خطورة تكريس وعيٍ عربيٍّ مُتجزِّئ، يدير بسببه العربيُّ، دولةً وشعبا، ظهرَه لتلك المشتركات العميقة، ويقدّم اعتباراتٍ قُطْريَّة، بل، سُلْطويّة، على مخاطر محدقة، وتحوّلات استراتيجيَّة.
ومن نافل القول إنّ الانحياز إلى إسرائيل، ولا سيَّما، وهي على هذه الحالة الاعتدائيَّة السافرة، يُلحق ضررا بالغا بتلك النُّظُم التي تقطع، بذلك، مع أغلبيَّةٍ مِن شعوبها، ومع أغلبيّة مِن مُحيطها. وأخيرا، إنَّ بناء علاقات تحالفيَّة، أو تعاونيَّة بين دولتين؛ لمواجهة عدوٍّ مشترك، أو على تلك الأرضيَّة، تصلح حين تكون الدولة طبيعية، لكن إسرائيل ليست طبيعية، ولا عادية، لا في وجودها، ولا في تكوينها، ولا في وظيفتها، ولا في تحوُّلاتها، أو في سياساتها. هذا فضلا عما يعنيه ذاك التعاون أو التحالف من ضوء أخضر تمنحه تلك النُّظُم للاحتلال؛ كي يُطبِق على ما تبقَّى من فلسطين، ومساعدته على فرض شروطه بالغة الانخفاض على الفلسطينيين؛ لطيّ هذه القضيَّة، وذلك باضطرار تلك الدول إلى ممارسة ضغوط "صهيو- أميركية" على القيادة الفلسطينية، في حمأة لحظة تاريخية مأزومة، تستخفّ بتمثُّلات تلك المأساة الفلسطينية في فلسطين وخارجها، كما تستهين بتلك الحالة النضاليَّة الحيّة، كُمونا، وإعلانا.
فأيّ المسارات ستُدشَّن من بلاد الحرمين، إلى أرض المَسرى؟ هذا ما تُحددّه إرادةُ الشعوب، ومدى انتصارها لحقِّها، ولوجودها.
نقول هذا، ونحن نشهد، تِباعا، مواقفَ تصدُر من السعودية، تصبّ في قرار الرئيس الأميركي المستنكَر، الاعتراف بالقدس عاصمةً لدولة الاحتلال، من دون أن تُتْبَع تلك المواقف المُطَبِّعة بمواقف رسمية من الدولة تستنكرُها، أو تتنصَّل من تمثيلها الشعب. كما كان أخيرا، مثالا، لا حصرا، من موقفٍ مستغرَبٍ في تهوّره، وافْتِئاته، يرى أنَّ "قرار الرئيس الأميركي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، سيُحدِث صدمةً إيجابية، وأنّ القدس رمز دينيٌّ لليهود، ومقدَّس كقداسة مكة والمدينة للمسلمين". ولم يقل، حتى، إنّها، أيْ القدس، مُقدَّسة كقداسة مكة والمدينة عند المسلمين (!)
وبالتوازي مع مثل هذه المواقف الصادمة، فعلا، مواقفُ تخفِّف من خطورة القرار، وتقترب من (التلطيفات) الأميركية له، بأنَّ اعتراف ترامب لا يتضمَّن إشارة صريحة للقدس مدينة مُوحَّدة، وعاصمة بالصيغة التي تطلبها إسرائيل، علما بأنَّ اعتراف ترامب إنما هو إقرار بالقانون الذي سنَّه الكونغرس عام 1995، وفي البند الثالث منه "اعتراف بالقدس مدينة مُوحَّدة غير قابلة للتقسيم"، وليس ثمّة بوادر على نيَّة إدارة ترامب الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية الموعودة.
ومِنْ أجْدَد الإشارات الاستباقية، والمخيِّبة لمَنْ لا يزال يتوهَّم، موقفُ إدارة ترامب من حائط البراق، أنَّها "لا تستطيع أنْ تتصوَّر أنَّ إسرائيل ستُوقِّع على اتفاق سلام لا يشمل حائط المبكى".
ولعلَّ أهم المقاصد من حُمَّى الإعلام نحو التطبيع جعْل دولة الاحتلال، وتهويدها القدس، محلَّ جدل، تنقسم حولها الآراء، على الأقل، في هذه المرحلة التمهيدية، لما يُراد بعدها من صفقة، هي فعلا، أقرب إلى روح الصفقات التجارية المُستخفّة، كما تُبدي مقدِّماتُها، بالأبعاد الروحية والتاريخية والوطنية.
ولا تتغذَّى المخاوفُ من مُجرَّد سكوت الدولة في السعودية على تلك الخطوات التطبيعية، لكنها ذاتها لا تتخذ مواقف تتجاوب وخطورة الحدث، فهي اختارت أنْ يكون تمثيلُها في القمة الإسلامية الطارئة في إسطنبول مُتدنِّيًا، على مستوى وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، وليس على مستوى القصر الملكي، ولا حتى مستوى وزارة الخارجية، وإذا كانت تعمَّدت ذلك التمثيل؛ تعبيرا عن موقفها من البلد المضيف، (مع أنَّ الحدث والخطر أسمى من هذه الاعتبارات) فلتكن منها مساعٍ تضاهي تلك الخطورة التي لا جدال فيها.
إننا نبذل جهودا كبيرة؛ من أجل تحشيد الرأي العام العالمي مع هذه القضية العادلة، وهي جهودٌ نافعة، لكن الأهمّ والأوْلى، قبْلًا، هو النهوض جمعيا، عربيا وإسلاميا، من موطن تماسُك جدّي، بعيدا عن الحسابات الضيِّقة، والخلافات السطحية والعارضة، كما نرجو. والنجاح فيها يغذِّي، بالتأكيد، النجاحَ في معركة الرأي العام العالمي، إذ قُوى الأمة الرافضة للتطبيع، اليوم، ومُروِّجوه، كأنهما فَرَسا رِهان، كلٌّ منهما يسابق الآخر؛ نحو مآلات التصفية، أو الاستنقاذ.
فنحن نُعوِّل على ضمير هذه الشعوب العربية والإسلامية، ولا نأخذ شعبا كاملا بجريرة موقف فردي، أو حتى موقف رسميّ. وندرك خطورة تكريس وعيٍ عربيٍّ مُتجزِّئ، يدير بسببه العربيُّ، دولةً وشعبا، ظهرَه لتلك المشتركات العميقة، ويقدّم اعتباراتٍ قُطْريَّة، بل، سُلْطويّة، على مخاطر محدقة، وتحوّلات استراتيجيَّة.
ومن نافل القول إنّ الانحياز إلى إسرائيل، ولا سيَّما، وهي على هذه الحالة الاعتدائيَّة السافرة، يُلحق ضررا بالغا بتلك النُّظُم التي تقطع، بذلك، مع أغلبيَّةٍ مِن شعوبها، ومع أغلبيّة مِن مُحيطها. وأخيرا، إنَّ بناء علاقات تحالفيَّة، أو تعاونيَّة بين دولتين؛ لمواجهة عدوٍّ مشترك، أو على تلك الأرضيَّة، تصلح حين تكون الدولة طبيعية، لكن إسرائيل ليست طبيعية، ولا عادية، لا في وجودها، ولا في تكوينها، ولا في وظيفتها، ولا في تحوُّلاتها، أو في سياساتها. هذا فضلا عما يعنيه ذاك التعاون أو التحالف من ضوء أخضر تمنحه تلك النُّظُم للاحتلال؛ كي يُطبِق على ما تبقَّى من فلسطين، ومساعدته على فرض شروطه بالغة الانخفاض على الفلسطينيين؛ لطيّ هذه القضيَّة، وذلك باضطرار تلك الدول إلى ممارسة ضغوط "صهيو- أميركية" على القيادة الفلسطينية، في حمأة لحظة تاريخية مأزومة، تستخفّ بتمثُّلات تلك المأساة الفلسطينية في فلسطين وخارجها، كما تستهين بتلك الحالة النضاليَّة الحيّة، كُمونا، وإعلانا.
فأيّ المسارات ستُدشَّن من بلاد الحرمين، إلى أرض المَسرى؟ هذا ما تُحددّه إرادةُ الشعوب، ومدى انتصارها لحقِّها، ولوجودها.
دلالات
مقالات أخرى
01 أكتوبر 2024
15 سبتمبر 2024
27 اغسطس 2024