27 سبتمبر 2018
من هي المعارضة السورية؟
الملفت في مفاوضات جنيف 4 السورية هو الخلاف حول المعارضة، التي سوف تحاور النظام، حيث ظهر أن هناك ثلاث معارضات، تتنافس على الجلوس لحوار النظام الذي لا يزال يرسل الشخص ذاته، والتي تعني مشاركته أنْ لا نتائج ممكنة، لأنه آتٍ ليكرّر الخطاب ذاته، الخطاب الذي يريد تكريس النظام، ولملمة بعض أطراف المعارضة للمشاركة في "حكومة وحدة وطنية"، كون أن منصب الرئيس غير مطروح للنقاش أو التفاوض، وحيث أن الأولوية للحرب على الإرهاب، الإرهاب الذي يصنعه النظام أصلاً.
هناك في جنيف وفد الهيئة العليا للمفاوضات، وهي التي تشكلت في الرياض انطلاقاً من مشاركة أطراف المعارضة كافة، وبالتالي، باتت تعبّر عنها، فهي تضم أكبر كتلتين معارضتين: هيئة التنسيق والائتلاف الوطني، وكذلك شخصيات عديدة. وهناك وفد مؤتمر القاهرة الذي من المفترض أن المؤتمر جرى تمثيله في الرياض، ومن ثم مؤتمر موسكو. وإذا كان وفد التفاوض الذي شكلته الهيئة العليا يعتبر "الممثل الشرعي"، بالضبط لأنه يضم أطياف المعارضة، فإن منصتي موسكو والقاهرة تعتبر كل منهما أنها تمثل المعارضة، وتريد وفداً موحداً مقسماً بالتساوي بينهما.
حين أخذت المؤتمرات تتوالى، وبات كل مؤتمر يعتبر أنه منصة للمعارضة، أشرت إلى الهدف من هذا التشتيت، حيث كان واضحاً أن روسيا تريد تشتيت المنصات، لكي تتحكم هي في تحديد من هي المعارضة، وبالتالي تهمّش المعارضات التي لا تريدها. كان هذا واضحاً حينها، لكن مع الأسف انساقت المعارضة وراء مؤتمراتٍ لم تعرف الهدف منها، وبات حينها عقد المؤتمر بعد الآخر موضة. وها هي تصطدم الآن بما "فعلت يداها"، حيث باتت في تنافس مع منصّات صنعتها هي. وعلى الرغم من أنها ممثلة في وفد التفاوض، إلا أن "خيالات مآته" التي اخترعتها باتت تنافسها، وتطالب بأن تكون لها حصة مساوية لها، فمؤتمر القاهرة الذي يطالب بحصته في وفد التفاوض شاركت فيه هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي، وجزء مهم من شخصيات الائتلاف الوطني، مع عدد محدود من الشخصيات المعارضة. وأصدر بيانات لا تختلف عن البيان الذي صدر عن اجتماع المعارضة في الرياض. لكن نلمس الآن أنه بات ورقةً لتقزيم وفد التفاوض، وبالتالي، باتت الشخصيات المعارضة المستقلة هي التي تستحوذ على منصة القاهرة، وتنافس الكتلة الأساسية التي قام عليها مؤتمر القاهرة. أخذت التسمية، واستحوذت على التمثيل، وباتت تريد المساواة مع كل المعارضة.
أما مؤتمر موسكو فيختلف قليلاً، على الرغم من أنه ضم هيئة التنسيق، لأنه يضم طرفا شارك في السلطة بعد الثورة، وسُحب لكي يوضع في وفد المعارضة، بناء على رغبة موسكو المباشرة، لكنه فشل. ولهذا، أخذ يدعو إلى مؤتمراتٍ في موسكو لكي يقول إنه المعارضة، أو إنه طرفٌ أساسي في المعارضة. هذا هو وضع الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير، وهي الجبهة التي عارضت بخفةٍ، بعد أن كان بعض أطرافها يشير الى خطل السياسة الاقتصادية وآثارها المدمرة. وقد باتت تنشط ضمن محور موسكو، وبالتالي، ليس بعيداً عن النظام، ولا عن المنظور الروسي للحل الذي يكرّس الاحتلال الروسي لسورية.
هناك اختلاف بين هذه "المنصات" في فهم طبيعة الصراع وفي طبيعة الحل، والجوهري هنا قبول استمرار بشار الأسد أو رفضه، وكذلك دور بشار الأسد في الحل. لكن ما يهدف إليه الروس هو نشوء معارضةٍ "على مقاسها"، تقبل بما تريد هي، بعد أن ظلت مصرّةً على بقاء الأسد. وقد سمح "تخبيص" المعارضة بأن تلعب روسيا كما تريد، وأن تظل تناور إلى أن تصل إلى الحل الذي تريده بالشخصيات والهيئات التي تريدها. ولسوف تظل تقضم المعارضة على الأرض إلى أن تصل إلى ذلك. ما أظنه ضرورياً هو أن يُفسح المجال لمن يقبل "حكومة الوحدة الوطنية"، ليعود إلى "سقف الوطن"، فلا داعي للتنافس على "فطيسة".
لا حل لا في جنيف 4 ولا 5 ولا 6، ولا حل باستمرار وجود بشار الأسد ومجموعته.