03 يوليو 2019
من يقتلُ الرؤساءَ العرب؟
لا حقبة في تاريخ العرب المعاصر شهدت انتهاء عدد من رؤسائهم إلى خواتيم دموية، أو محاطة بشكوك جُرمية، على النحو الذي عايشناه، وشهدناه يتكرّر، مرة، ومرتين، وثلاث، بل أكثر، في السنوات الخمس عشرة الماضية.
يموت الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، بعد مرور ست سنوات على انقلاب عسكري أطاحه عن سدة الحكم، وأودعه في السجون، فتزعم السلطة الحاكمة أنه توفي، في قاعة المحكمة، نتيجة سكتةٍ قلبية، بينما يقدّم خصومها ومعارضوها اتهاماتٍ على صفحات الصحف، ومواقع الإنترنت، أقلها إهمال علاجه، ثم الامتناع عن إسعافه، عشرين دقيقة، استغرقها في لفظ أنفاسه الأخيرة، داخل القفص الزجاجي.
وإذا كان لغموض النهاية هنا أن يعيد التذكير بما يشبهه في الماضي القريب، فستحضر صورة رئيس عربي آخر، مات ولم تقدّم أي جهة، إلى الآن، رواية متكاملة لكيفية وفاته، هو الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. صحيحٌ أن شبهة تسميمه تكاد تكون مثبتة، لكن تحقيق ورثته السياسيين، في ما حدث، توارى مع مرور الزمن، حتى صار السؤال عنه يوقِع في شبهة السعي إلى "إيقاظ الفتنة النائمة".
مع ذلك، يظل الثابت في مقاربة الميتتين هو تشابه سياقهما إلى حد يصعب تجاهل ما قد ينطوي عليه من صناعة الموت؛ وفاة مرسي جاءت عام 2019 بعد سنواتٍ مريرة من السجن، فرضتها عليه محاكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأجهزة أمنه، ووفاة عرفات وقعت عام 2004 بعد سنوات قاسية من الحصار الذي ضربته، حول مقرّه، دبابات رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون.
بيد أن الأهم من المقدّمات والأسباب ذات المعنى الجنائي يكمن في بُعد آخر، مفاده أن الرئيسيْن الراحليْن، وعلى الرغم من التباين بين منهجيهما السياسيين، وظروفهما الموضوعية، تشابها من حيث اتخاذهما مواقف شجاعة، ضد غطرسة إسرائيل، وسعيها إلى فرض رؤيتها للسلام مع العرب، قبل أن يغيب كلٌّ منهما، أو يُزَاح، لا عن كرسي الحُكم فحسب، وإنما عن مسرح الحياة. مرسي رفض عدوان إسرائيل على غزة عام 2012، وأجبرها على وقفه، وأرسل رئيس حكومته للتضامن مع الفلسطينيين، قبل أشهر من الانقلاب العسكري على نظام حُكْمِه، مثلما رفض عرفات أي مساومة على القدس، في مؤتمر كامب ديفيد الذي ما أن انتهى عام 2000، حتى اندلعت الانتفاضة الثانية، واجتاح جيش الاحتلال الضفة الغربية، وحاصر مقرّ القيادة الفلسطينية.
في هذه أيضاً، كان للرجلين ثالثٌ ساقته الأقدار إلى الموت الملتبس، بالتساؤل عن هوية القتلة الحقيقيين، وأسبابهم، هو الرئيس العراقي صدام حسين، مع فارقٍ يتمثل في أنه أُعدِم علناً، وعُلِّق على المشنقة عام 2006 بعد ثلاث سنوات من الاحتلال الأميركي لبلاده. كان طاغية وديكتاتوراً؟ نعم، لكن نهايته لم تتكئ على هذا السبب، ولا كان شعبُه هو من صنعها، بقدر ما بدت عقاباً على نهجٍ سياسي، قوامُه محاولة بناء ترسانة تسلحية، وتهديد إسرائيل، وأمنها، قولاً وفعلاً.
هناك، بالمناسبة، رئيسان عربيان آخران قُتلا في ميادين المواجهة مع معارضيهما أو خصومهما، ولا بد من الإشارة إلى موتهما بوصفه جزءاً من حكاية موت الرؤساء، على الرغم من اختلاف أسبابه، وهما الليبي معمر القذافي الذي بطش به مسلحون ألقوا القبض عليه بعد سقوط حُكمه، واليمني علي عبد الله صالح الذي تحالف مع الحوثيين بعد تنحيه عن السلطة مكرهاً، ثم قتلوه حين شكُّوا بأنه تواطأ مع السعودية ليغدر بهم.
لكن، وعلى النقيض من أولئك وهؤلاء، ثمّة نظير لهم ورث عن أبيه وصفة النجاة من ميتةٍ غامضة، أو من خطر تركه ليقتله معارضوه: كلام ثوري عن مقاومة الكيان الصهيوني، والتزام فعلي بحماية أمنه، يشفعان حتى في جرائم قتل وتشريد ملايين البشر. هل عرفتموه، وهل من حاجةٍ بعد ذلك للسؤال عن هوية الجهة التي تقتل الزعماء العرب؟
وإذا كان لغموض النهاية هنا أن يعيد التذكير بما يشبهه في الماضي القريب، فستحضر صورة رئيس عربي آخر، مات ولم تقدّم أي جهة، إلى الآن، رواية متكاملة لكيفية وفاته، هو الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. صحيحٌ أن شبهة تسميمه تكاد تكون مثبتة، لكن تحقيق ورثته السياسيين، في ما حدث، توارى مع مرور الزمن، حتى صار السؤال عنه يوقِع في شبهة السعي إلى "إيقاظ الفتنة النائمة".
مع ذلك، يظل الثابت في مقاربة الميتتين هو تشابه سياقهما إلى حد يصعب تجاهل ما قد ينطوي عليه من صناعة الموت؛ وفاة مرسي جاءت عام 2019 بعد سنواتٍ مريرة من السجن، فرضتها عليه محاكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأجهزة أمنه، ووفاة عرفات وقعت عام 2004 بعد سنوات قاسية من الحصار الذي ضربته، حول مقرّه، دبابات رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون.
بيد أن الأهم من المقدّمات والأسباب ذات المعنى الجنائي يكمن في بُعد آخر، مفاده أن الرئيسيْن الراحليْن، وعلى الرغم من التباين بين منهجيهما السياسيين، وظروفهما الموضوعية، تشابها من حيث اتخاذهما مواقف شجاعة، ضد غطرسة إسرائيل، وسعيها إلى فرض رؤيتها للسلام مع العرب، قبل أن يغيب كلٌّ منهما، أو يُزَاح، لا عن كرسي الحُكم فحسب، وإنما عن مسرح الحياة. مرسي رفض عدوان إسرائيل على غزة عام 2012، وأجبرها على وقفه، وأرسل رئيس حكومته للتضامن مع الفلسطينيين، قبل أشهر من الانقلاب العسكري على نظام حُكْمِه، مثلما رفض عرفات أي مساومة على القدس، في مؤتمر كامب ديفيد الذي ما أن انتهى عام 2000، حتى اندلعت الانتفاضة الثانية، واجتاح جيش الاحتلال الضفة الغربية، وحاصر مقرّ القيادة الفلسطينية.
في هذه أيضاً، كان للرجلين ثالثٌ ساقته الأقدار إلى الموت الملتبس، بالتساؤل عن هوية القتلة الحقيقيين، وأسبابهم، هو الرئيس العراقي صدام حسين، مع فارقٍ يتمثل في أنه أُعدِم علناً، وعُلِّق على المشنقة عام 2006 بعد ثلاث سنوات من الاحتلال الأميركي لبلاده. كان طاغية وديكتاتوراً؟ نعم، لكن نهايته لم تتكئ على هذا السبب، ولا كان شعبُه هو من صنعها، بقدر ما بدت عقاباً على نهجٍ سياسي، قوامُه محاولة بناء ترسانة تسلحية، وتهديد إسرائيل، وأمنها، قولاً وفعلاً.
هناك، بالمناسبة، رئيسان عربيان آخران قُتلا في ميادين المواجهة مع معارضيهما أو خصومهما، ولا بد من الإشارة إلى موتهما بوصفه جزءاً من حكاية موت الرؤساء، على الرغم من اختلاف أسبابه، وهما الليبي معمر القذافي الذي بطش به مسلحون ألقوا القبض عليه بعد سقوط حُكمه، واليمني علي عبد الله صالح الذي تحالف مع الحوثيين بعد تنحيه عن السلطة مكرهاً، ثم قتلوه حين شكُّوا بأنه تواطأ مع السعودية ليغدر بهم.
لكن، وعلى النقيض من أولئك وهؤلاء، ثمّة نظير لهم ورث عن أبيه وصفة النجاة من ميتةٍ غامضة، أو من خطر تركه ليقتله معارضوه: كلام ثوري عن مقاومة الكيان الصهيوني، والتزام فعلي بحماية أمنه، يشفعان حتى في جرائم قتل وتشريد ملايين البشر. هل عرفتموه، وهل من حاجةٍ بعد ذلك للسؤال عن هوية الجهة التي تقتل الزعماء العرب؟