تداولت مصادر عدة في المعارضة السورية، خلال الأيام الأخيرة، معلومات عن اغتيال العديد من الضباط الكبار لدى النظام السوري، خصوصاً في أجهزة المخابرات ممن ارتبطت أسماؤهم بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم القتل والتعذيب. وتراوحت التفسيرات لهذه الحوادث بين اعتبارها تصفيات متعمدة من جانب النظام لبعض الشخصيات المتورطة في جرائم واضحة بحق المدنيين في سورية، في محاولة لتجنب أي إدانة له مستقبلاً من جانب المجتمع الدولي. فيما رأى البعض أنها تأتي في سياق الصراعات داخل عائلة الأسد. في حين اعتبر آخرون أنّ الأمر برمته مبالغ فيه، وقد تكون بعض الوفيات طبيعية وليست عمليات قتل، وقد لا يكون بعضها وقع أصلاً، بل مجرد شائعات.
ولعلّ أبرز الحوادث في هذا الإطار هي الحادثة التي تم الكشف عنها يوم الجمعة الماضي والمتعلقة بمقتل العميد علي جمبلاط، المرافق الشخصي لماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد. وبحسب مصادر المعارضة السورية، فإنّ جمبلاط، وهو من ريف مدينة جبلة، قُتل قنصاً في بلدة يعفور بريف دمشق، فيما أصدرت مجموعة تنسب نفسها لـ"الجيش السوري الحر" وهي "لواء المهام السري" بياناً تبنّت فيه العملية. غير أنّ هذه المجموعة ليست معروفة، ولم تظهر إلا في بيانين سابقين تبنت فيهما اغتيال اثنين من الضباط في دمشق.
وتقول مصادر المعارضة السورية إنّ جمبلاط ضالع في الإعدامات الميدانية واقتحام البيوت في الغوطة الشرقية وعموم ريف دمشق، وقتل وتعذيب المعتقلين أمام أعين أطفالهم، مشيرة إلى أنه أحد أكبر ضباط الفرقة الرابعة، وله شقيق برتبة ضابط صف يدعى عدنان جمبلاط.
اعتباراً من إبريل/نيسان 2019، أعلنت "سرايا قاسيون" مسؤوليتها عن اثني عشر هجوماً في دمشق وحولها
وتبنى "لواء المهام السري" أيضاً، أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي، عملية اغتيال العقيد سومر علي ديب أمام منزله في حي التجارة بدمشق، وهي عملية أشارت إليها أيضاً الناشطة السورية الإعلامية هبة معروف، عبر حسابها على موقع "فيسبوك"، قائلةً: "اغتيال العقيد سومر ديب، المحقق في سجن صيدنايا، أمام منزله بحي التجارة في دمشق".
كما تبنّى "لواء المهام السري – سرية حراس الوطن" قبل أيام، اغتيال العميد ثائر خير بيك، العامل في المخابرات الجوية، قنصاً أمام منزله في منطقة الزاهرة بالعاصمة دمشق، في حين لم يصدر أي تعليق من قبل سلطات النظام أو الصفحات الإعلامية الموالية لها على مواقع التواصل الاجتماعي عن الحادثة. وحمل بيان "لواء المهام السري" توقيع شخص يدعى أبو زهير الشام، والذي يعرّف عن نفسه بأنه القائد العام للواء الذي يقول إنه من "الجيش السوري الحر".
وتزامنت هذه العمليات مع مقتل رئيس فرع المخابرات الجوية في دير الزور، العميد جهاد زعل، مع مجموعة من مرافقيه في شرقي البلاد، صباح الأحد الماضي في ظروف غامضة لم يتم التأكد من ملابساتها حتى الآن. في حين ذكرت مصادر محلية قريبة من المعارضة أنّ زعل كان يستقل سيارة مع مجموعة من مرافقيه وعناصره على طريق دير الزور- دمشق، مشيرة إلى أنّ مركز محافظة دير الزور شهد استنفاراً أمنياً بعد وصول جثة زعل إلى مستشفى المدينة، وسط تكتم من قبل قوات النظام حول حادثة اغتياله.
ورجحت المصادر أن يكون طيران مجهول الهوية وراء اغتيال زعل، إذ كانت تحلق طائرتان مجهولتان في أجواء دير الزور لحظة اغتياله، مشيرةً إلى أنّ الضابط المذكور من أبناء محافظة القنيطرة ومقرب من الحرس الثوري الإيراني، وتسلّم رئاسة المخابرات الجوية في المنطقة الشرقية بعد أن كان رئيساً لفرع المخابرات الجوية في درعا في العام الأول من الثورة السورية 2011.
كما قتل في 2 يوليو/تموز الحالي ضابط رفيع المستوى في "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد، وسط دمشق، إثر عملية اغتيال نفّذها مجهولون، وفق ما ذكرت "شبكة سورية الساحل" الموالية للنظام، إذ أوضحت أنه جرى اغتيال العميد معن إدريس أمام منزله في مشروع دمر بدمشق. وحسب مواقع معارضة، فإنّ منطقة مشروع دمر شهدت انتشاراً أمنياً مكثفاً بعد عملية الاغتيال، فضلاً عن نشر الفرقة الرابعة حواجز جديدة ثابتة وطيارة على تخوم العاصمة دمشق.
من جهتها، تبنّت مجموعة "سرايا قاسيون" التي اشتهرت بالقيام بعمليات اغتيال لبعض رموز النظام، مطلع الشهر الحالي، اغتيال الملازم بلال بدر رقماني، الملقب بـ"المقداد"، العامل ضمن صفوف الأمن السياسي، والمسؤول عن الدراسات الأمنية في منطقة جبل الشيخ جنوب غرب دمشق. وينحدر رقماني من مدينة صافيتا بريف طرطوس.
كما نعت صفحات موالية للنظام، في 23 يونيو الماضي، عدداً من قتلى قوات النظام، بينهم ضابط برتبة لواء، من دون الإشارة إلى مكان وزمان مقتلهم. وذكرت صفحة "حمص حكاية موت لا تنتهي"، أنّ اللواء شرف سليمان محمد خلوف والملازم أول بشار وفيق عالمة، قتلا، فيما بثت صفحات موالية مقطع فيديو لمراسم دفن خلوف، الذي كان يشغل منصب مدير كلية الإشارة في جيش النظام بحمص، وينحدر من قرية تل الترمس بريف مدينة صافيتا.
شن نظام الأسد حملة اعتقالات بين ضباطه بتهمة التجسس لصالح "دول أجنبية"
وبحسب الصحافي السوري المعارض أيمن عبد النور، فقد تمّ اغتيال خلوف داخل مكتبه، عقب تصريح أدلى به وتحدى فيه قانون قيصر الأميركي. وكتب عبد النور على حسابه في تويتر: "اللواء حضر اجتماعاً صباحياً وتكلم مع الطلاب الضباط قائلاً: نحن لازم يظلّ راسنا مرفوع لا يهمنا قيصر ولا غيرو. ثمّ دخل مكتبه وبعدها بساعتين وجد مقتولاً". فيما ذكر ضابط منشق عبر صفحته بموقع "فيسبوك" أنّ خلوف توفي جراء إصابته بفيروس كورونا.
وفي سياق متصل، ذكرت وسائل إعلام محلية أنّ عبوة ناسفة زرعها مجهولون انفجرت بسيارة القيادي في الفرقة الرابعة والمسؤول عن منطقة وادي بردى، نزار زيدان، مساء الأحد الماضي، وذلك في قرية كفر العواميد في منطقة الزبداني بريف دمشق الغربي، ما أدى إلى بتر قدميه وإصابته بجروح خطيرة، نقل على إثرها إلى مستشفى بدمشق، حيث توفي بعد وصوله. وأشارت المصادر نفسها إلى أنّ زيدان مسؤول عن ضمّ عشرات الشبان من أبناء وادي بردى إلى صفوف الفرقة الرابعة. وتبنت مجموعة "سرايا قاسيون" قتل زيدان، فيما لم يصدر أي إشعار بوفاته من قبل وسائل الإعلام الموالية للنظام.
واعتباراً من إبريل/نيسان 2019، أعلنت "سرايا قاسيون" مسؤوليتها عن اثني عشر هجوماً في دمشق وحولها، بما في ذلك اغتيال مسؤولين أمنيين وتنفيذ ضربات على نقاط تفتيش تابعة للنظام.
وقبل ثلاثة أشهر، بثّ التلفزيون الرسمي التابع للنظام برنامجاً بعنوان "تفجيرات دمشق 2020"، تضمّن اعترافات ستة معتقلين، بينهم امرأة، متهمين بشنّ سلسلة من الهجمات في العاصمة السورية العام الماضي.
إلى ذلك، ذكرت تقارير إعلامية سورية أنّ نظام الأسد شنّ حملة اعتقالات بين ضباطه بتهمة التجسس لصالح "دول أجنبية" في الفترة الأخيرة. وبحسب التقارير الصادرة عن وسائل إعلام معارضة، فإنه بعد مقتل قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد مطلع العام الحالي، إضافة إلى تعرّض مواقع الصواريخ الإيرانية لضربات متكررة، نشأت قناعة لدى طهران بوجود أشخاص بين القادة العسكريين ومسؤولي النظام يعملون لحساب دول أجنبية، فعمدت إلى الضغط على نظام الأسد للتحقيق في هذه الشكوك، التي أدت إلى توقيف عدد من الضباط، على رأسهم اللواء معن حسين، مدير إدارة الاتصالات، والذي يتولى مركزاً حساساً، إذ إنّ جميع اتصالات القيادات العليا لا بد أن تمر عبره. وأشارت التقارير إلى أنّ حسين متهم بتشكيل شبكة تجسس لصالح وكالة الاستخبارات الأميركية، قامت بتسريب وثائق ومعلومات عن الاتصالات الأمنية بين قادة النظام.
رأى بعض المراقبين أنّ مجمل هذه التطورات ربما تشير إلى تصفيات داخلية تقوم بها المحاور المتصارعة في النظام
وخلال الفترة الماضية، تحدّثت تقارير إعلامية عن عمليات انشقاق في الدوائر الضيقة للنظام، خصوصاً بعد الخلاف العلني بين بشار الأسد وابن خاله رامي مخلوف، والتحفظ على أمواله. ونقلت وسائل إعلام سورية معارضة أنّ الأسد لجأ إلى الاعتقالات بعد زيادة نفوذ مخلوف وأسرته بين أبناء الطائفة العلوية، ولا سيما بعدما قدمت شركات مخلوف والجمعيات الخيرية والمليشيات التابعة له، سبل العيش لعشرات الآلاف من السوريين، بحيث أصبحت تشكل خطراً على الأسد.
ورأى بعض المراقبين أنّ مجمل هذه التطورات، حتى لو صح بعضها فقط، ربما تشير إلى تصفيات داخلية تقوم بها المحاور المتصارعة في النظام، بينما رأى آخرون أنه تقف خلفها جهات خارجية، خصوصاً أنّ بعض المصادر أكدت أنّ رئيس فرع المخابرات الجوية بدير الزور جهاد زعل، قد قضى نتيجة غارة جوية، وهو ما يغذي التكهنات بشأن قرب التوصل إلى توافق بين الدول المؤثرة في الصراع السوري بشأن مستقبل البلاد، وربما يقضي هذا الاتفاق بالتخلص من الضباط الذين يوصفون بأنّ أيديهم ملطخة بالدماء.
وفي هذا الإطار، يشير متابعون إلى تصفيات سابقة قام بها النظام لبعض كبار مسؤوليه وضباطه ممن ارتبطت أسماؤهم بملفات حساسة مثل التفجير الشهير الذي أدى إلى مقتل مسؤولي خلية الأزمة في دمشق عام 2012، إذ قضى في التفجير وقتها كل من وزير الدفاع داود راجحة، ورئيس جهاز الأمن القومي هشام بختيار، والعماد حسن توركماني، وصهر رئيس النظام ومدير المخابرات آصف شوكت. وقد أعقب ذلك قتل ضابطين كبيرين في مدينة دير الزور ارتبط اسمهما باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وهما العميد جامع جامع واللواء رستم غزالي، إضافة إلى مقتل العميد عصام زهر الدين الذي لاقى شهرة بين ضباط النظام في محاربة فصائل المعارضة، وارتكابه جرائم حرب.
من جانبه، رأى رجل الأعمال السوري المعارض فراس طلاس، نجل وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس، في منشور عبر صفحته بموقع "فيسبوك" الإثنين الماضي، أنّ "التصفيات التي تملأ فيسبوك هي شائعات. فقط ثلاث وفيات حقيقية، اثنتان منها تصفية والثالثة نتيجة كورونا"، مضيفاً "بخبث شديد، جرّ النظام بعض الأشخاص لنشر هذه الشائعات؛ منهم تحمساً ومنهم مرتبط أصلاً بالنظام، ليقوم هو بتصفية من يشاء. ستكثر الشائعات جداً في الأيام المقبلة".
وفي منشور آخر، تساءل طلاس عن مصير اللواء ذو الهمة شاليش، رئيس الأمن الرئاسي، قائلاً إنه منذ سبتمبر/أيلول الماضي اكتشف الروس أنّ أحد مصادر قصف قاعدة حميميم بالطيران المسير هو مقالع ذو الهمة شاليش في جبال القرداحة"، مضيفاً "حينها طلبه الروس فأوعز له بشار بالاختفاء، وتم الحديث عن مبالغ مالية ضخمة عرضت لإغلاق القصة كلها". وتساءل "هل قام بشار بتسليمه للروس أم رضي الروس بالمبلغ، أم أوعز بشار لأحدهم بقتله".