06 سبتمبر 2022
من يمثل الشعب السوري اليوم؟
في ندوة له، في مدينة غازي عينتاب التركية، قبل ثلاث سنوات، وباستضافةٍ من حزب وعد (لم يكن حينئذ رئيساً لهيئة التفاوض العليا، بل عضوا في هيئة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة فحسب)، تحدث نصر الحريري عن سياسة "الائتلاف"، ونشاطه الخارجي (جلَّ نشاطه خارجي)، ولقاءاته بالدول ذات الفاعلية لشرح قضية الشعب السوري، فقال في معرض حديثه إنهم اتصلوا بالدولة الفلانية والفلانية، وعدّد أميركا وإنكلترا وفرنسا وبلجيكا.. وغيرها، ولدى محاولته التذكّر استحثّ ذاكرته، على نحو عفوي: من بقي؟! فارتفع صوت واحدٍ ممن هم في القاعة يقول: بقي الشعب السوري.. فالتفت الحضور، عندئذ، ناحية الصوت بين ضاحك، ومستهجن، فتدارك الحريري ارتباكه، وقال: أكيد اتصلنا.. وقد خانته الفطنة، إذ لم يقل: نحن من يمثل الشعب السوري.
اليوم، وبعد مضي نحو ثلاث سنوات على ذلك التاريخ، وثماني سنوات على بدء حراك السوريين، تنجلي حقيقة واحدة، هي أن الشعب السوري يقف في ميدان الوجع وحيداً. ولست أتهم أحداً، هنا، ولا أحاول النّيل من أحد، فرداً أم حزباً أم جماعة عامة، فالحقيقة الصارخة تقول، بالوضوح كله، وبالبراهين الدامغة: لا أحد اليوم يمثل السوريين بشقيهما معارضين وموالاة..! فلا المعارضة ولا النظام يمثلانه، وكذلك لا الأميركان ولا الروس إضافة إلى دول إقليمية عديدة. ويظلُّ هذا الحكم نسبياً، يرتبط بمصالح هذه الدولة أو تلك، ممن زعمت أنها إلى جانب الشعب السوري.
وإذا كان النظام، بل رأسه، قد أعلنها، منذ الأيام الأولى للاحتجاجات الشعبية السلمية، وعبر زبانيته ومنتفعيه، وشبيحته أنَّه بكفة والشعب السوري كله بكفة.. (الأسد أو نحرق البلد). ولم يكتف بالقول وحده، بل بالفعل الوحشي، إذ أطلق لجيشه ولأجهزته الأمنية العنان، ليفتكوا بخصمه الرئيس، وهو هنا الشعب السوري، غير مكترثٍ بأصوات العرب، ولا بمبادراتهم التي
جاءت باقتراح من هذه الدولة العربية أو تلك، وباسم جامعة الدول العربية.. (طُرحت المبادرة العربية لحل الأزمة السورية للمرَّة الأولى في 16 شهر نوفمبر / تشرين الثاني عام 2011، على خلفية الأحداث التي عصفت بسورية ثمانية شهور، واتُهمت السلطات فيها باستخدام العُنف لقمع المحتجين، والتسبب بمقتل الآلاف منهم. إذ تقدَّمت الجامعة بمبادرتها، عندما جمَّدت عضوية سورية لديها، ومنحت السلطات مهلة ثلاثة أيام للتوقيع على بروتوكول إرسال مراقبين عرب إلى البلاد لتقصّي الأحداث، لكن الحكومة السورية ماطلت، فاستمرَّ تمديد المهل أكثر من شهر حتى 19 ديسمبر/ كانون الأول، عندما وقَّعت الحكومة أخيراً. لكن تفويض البعثة انتهى في أواخر شهر يناير/ كانون الثاني من عام 2012، وهُنا طرحت الجامعة مُبادرة جديدة تقضي هذه المرَّة بتنحّي بشار الأسد عن الحُكم، وتفويض نائبه لتولِّي مهامه).
وبالطبع، لم يكن النظام ليهتم بالشعب مطلقاً، إذ هو يدرك أن أيَّ تنازل منه سيفقده السلطة أو طبيعتها الفردانية الاستبدادية.. وقد استغل استهتار مجلس الأمن بمقتلة الشعب السوري، وعجزه عن إيجاد الوسيلة الناجعة لقطع الطريق على "الفيتو" الروسي الذي يأتي، في كل مرة، وكأنما هو انتقام، لا من السوريين فحسب، بل من الضواري شركائه في تقاسم مناطق النفوذ في العالم أجمع. وهكذا بقي العالم يحس بوجع الضمير على الورق، ويدبج الكلام في المنابر الدولية، مندّداً بعمليات قتل السوريين والمجازر التي ترتكب بحقهم على الملأ من دون اتخاذ أي إجراء عملي.
واستمر الشعب السوري يقاوم عبر أدواتٍ خضعت، على نحو أو آخر، لابتزاز مموِّل الفصائل العسكرية، أو المنظمات المدنية، أو لأهواء قوَّادها! وعلى الرغم من تغلغل النظام في بعض تلك الفصائل والمنظمات إلا أنَّ الأحوال ضاقت به.. إذ لم يعد الإيرانيون قادرين بمفردهم على حمايته من الشعب، فاستقدم الروس في الأول من سبتمبر/ أيلول 2015، وقد كانوا في انتظار مثل ذلك الطلب الذي سوف يبرّر، على نحو أو آخر، جرائمهم التي ستأتي، فهبوا مستجيبين ثأراً من عالم كله ضوار تتذابح، ووجدوا في سورية فرصة مناسبة، إذ هي منطقة نفوذ أقوى، حين تغدو رهينة للمساومة في قضايا دولية كثيرة، لا تزال عالقة بينهم وبين الأميركان والأوروبيين، ناهيكم بالدفء الذي سوف يشعرون به على شواطئ المتوسط الهادئة. وهكذا كان وجود الروس لئيماً، فقتلوا من قتلوه، وهجروا من هجروه، وهدموا من البنيان ما شاء لهم اليوم.. وهكذا صار القرار السوري بيدهم.
اليوم لا قرار للأسد في قضايا السوريين الجوهرية، فلا دور له، ولا لنظامه غير الاستمرار باعتقال الناس وتعذيبهم حتى الموت، وهو عاجز، كما هو في السابق، عن حماية الشعب من الشبيحة والفاسدين، سارقي ما تبقى للشعب السوري، من مواصلة عيشه.
وإذا كان طموح الروس اليوم، بعد اتفاقياتهم طويلة الأمد التي وقِّعت مع بشار الأسد، إيجاد نوع من الهدوء في الداخل السوري، لا بالخلاص من بقية المسلحين، والمتطرّفين منهم خصوصا، بمساعدة الجانب التركي فحسب، بل بالعمل الجدّي الضامن عودة المهجرين إلى ديارهم سالمين، وإعادة الأمن وحل مشكلة الخدمات التي يعانيها السوريون في الداخل، فذلك كله يتطلب
من الروس الضغط على حليفهم الأسد (سيما وأنهم حريصون على إعادة تدويره اليوم)، بغية إيجاد مبادئ أوليةٍ للمِّ شمل السوريين في وطنهم الذي أنهك تماماً. ولعلَّ المناخ الجديد الذي نجم عن معاناة السوريين في الداخل، بسبب فقدانهم أبسط سبل الحياة، وعلى قاعدة "رب ضارة نافعة"، يساعد الروس في مسعاهم إن وجدت إرادتهم طبعاً، ونظروا إلى مصالحهم عبر مصلحة الشعب السوري كلا موحدا.. إن ألف باء هذه المبادئ الأولية يتطلب نوعاً من الانفراج الداخلي، يبدأ بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وتعويض من فقدوا أبناءهم تحت التعذيب (حكمت محكمة أميركية على مقتل الصحافية ماري كولفين وتغريم النظام بـ: 302.2 مليون دولار) على أن يرافق ذلك بدء عمل اللجنة الدستورية، وصدور عفو عام يطمئن السوريين في عودة آمنة، إذ لن يعمر سورية إلا من بناها في الأصل.
كذلك مطلوب من المعارضة السورية التي خُذلت على جبهات عدة، ومن جهات عدة دولياً وعربياً، أن تقرأ واقعها الحالي جيداً، وتنظر إلى بعثرتها وضبابية رؤيتها وتعارضها في أحيان كثيرة.. وأن تعترف بما ارتكبته من أخطاء، تكاد تكون قاتلة، وكذلك ما مارسه بعضهم من سلوكٍ شائن، أبعد ما يكون عن الثورة والثوار.. وكفى المعارضة ارتهانٌ لهذا الطرف أو ذاك، فالزمن لم يتوقف بعد، والشعب السوري الذي اكتوى بألوان المظالم داخلاً وخارجاً يدرك أن لا حلَّ لقضاياه إلا بوحدته، وفي أجواء من الحرية والديمقراطية، تحقيقاً لمواطنةٍ فعلية توفِّر مواءمة بين أطيافه كافة، لا وفق كلام إنشائي، وقيم رومانسية فحسب، بل وفق دستورٍ يأخذ، بكل جدية، بنواصي العدالة، سياسياً واجتماعياً وحقوقياً.
وإذا كان النظام، بل رأسه، قد أعلنها، منذ الأيام الأولى للاحتجاجات الشعبية السلمية، وعبر زبانيته ومنتفعيه، وشبيحته أنَّه بكفة والشعب السوري كله بكفة.. (الأسد أو نحرق البلد). ولم يكتف بالقول وحده، بل بالفعل الوحشي، إذ أطلق لجيشه ولأجهزته الأمنية العنان، ليفتكوا بخصمه الرئيس، وهو هنا الشعب السوري، غير مكترثٍ بأصوات العرب، ولا بمبادراتهم التي
وبالطبع، لم يكن النظام ليهتم بالشعب مطلقاً، إذ هو يدرك أن أيَّ تنازل منه سيفقده السلطة أو طبيعتها الفردانية الاستبدادية.. وقد استغل استهتار مجلس الأمن بمقتلة الشعب السوري، وعجزه عن إيجاد الوسيلة الناجعة لقطع الطريق على "الفيتو" الروسي الذي يأتي، في كل مرة، وكأنما هو انتقام، لا من السوريين فحسب، بل من الضواري شركائه في تقاسم مناطق النفوذ في العالم أجمع. وهكذا بقي العالم يحس بوجع الضمير على الورق، ويدبج الكلام في المنابر الدولية، مندّداً بعمليات قتل السوريين والمجازر التي ترتكب بحقهم على الملأ من دون اتخاذ أي إجراء عملي.
واستمر الشعب السوري يقاوم عبر أدواتٍ خضعت، على نحو أو آخر، لابتزاز مموِّل الفصائل العسكرية، أو المنظمات المدنية، أو لأهواء قوَّادها! وعلى الرغم من تغلغل النظام في بعض تلك الفصائل والمنظمات إلا أنَّ الأحوال ضاقت به.. إذ لم يعد الإيرانيون قادرين بمفردهم على حمايته من الشعب، فاستقدم الروس في الأول من سبتمبر/ أيلول 2015، وقد كانوا في انتظار مثل ذلك الطلب الذي سوف يبرّر، على نحو أو آخر، جرائمهم التي ستأتي، فهبوا مستجيبين ثأراً من عالم كله ضوار تتذابح، ووجدوا في سورية فرصة مناسبة، إذ هي منطقة نفوذ أقوى، حين تغدو رهينة للمساومة في قضايا دولية كثيرة، لا تزال عالقة بينهم وبين الأميركان والأوروبيين، ناهيكم بالدفء الذي سوف يشعرون به على شواطئ المتوسط الهادئة. وهكذا كان وجود الروس لئيماً، فقتلوا من قتلوه، وهجروا من هجروه، وهدموا من البنيان ما شاء لهم اليوم.. وهكذا صار القرار السوري بيدهم.
اليوم لا قرار للأسد في قضايا السوريين الجوهرية، فلا دور له، ولا لنظامه غير الاستمرار باعتقال الناس وتعذيبهم حتى الموت، وهو عاجز، كما هو في السابق، عن حماية الشعب من الشبيحة والفاسدين، سارقي ما تبقى للشعب السوري، من مواصلة عيشه.
وإذا كان طموح الروس اليوم، بعد اتفاقياتهم طويلة الأمد التي وقِّعت مع بشار الأسد، إيجاد نوع من الهدوء في الداخل السوري، لا بالخلاص من بقية المسلحين، والمتطرّفين منهم خصوصا، بمساعدة الجانب التركي فحسب، بل بالعمل الجدّي الضامن عودة المهجرين إلى ديارهم سالمين، وإعادة الأمن وحل مشكلة الخدمات التي يعانيها السوريون في الداخل، فذلك كله يتطلب
كذلك مطلوب من المعارضة السورية التي خُذلت على جبهات عدة، ومن جهات عدة دولياً وعربياً، أن تقرأ واقعها الحالي جيداً، وتنظر إلى بعثرتها وضبابية رؤيتها وتعارضها في أحيان كثيرة.. وأن تعترف بما ارتكبته من أخطاء، تكاد تكون قاتلة، وكذلك ما مارسه بعضهم من سلوكٍ شائن، أبعد ما يكون عن الثورة والثوار.. وكفى المعارضة ارتهانٌ لهذا الطرف أو ذاك، فالزمن لم يتوقف بعد، والشعب السوري الذي اكتوى بألوان المظالم داخلاً وخارجاً يدرك أن لا حلَّ لقضاياه إلا بوحدته، وفي أجواء من الحرية والديمقراطية، تحقيقاً لمواطنةٍ فعلية توفِّر مواءمة بين أطيافه كافة، لا وفق كلام إنشائي، وقيم رومانسية فحسب، بل وفق دستورٍ يأخذ، بكل جدية، بنواصي العدالة، سياسياً واجتماعياً وحقوقياً.