تعيش الدنمارك سجالات سياسية ومجتمعية، أثارها الكشف عن إقرار مهاجرين بعودتهم إلى دولهم الأصلية وفي محفظتهم مبالغ مالية ضخمة ثم العودة مجدداً إلى الدنمارك، ما يخرق قانون العودة
كافأت الدنمارك كلّ مهاجر قرر العودة إلى بلاده بمبلغ مالي وصل إلى 225 ألف كرونه (39.500 دولار أميركي) بحسب قانون "العودة وبدء حياة جديدة في الوطن الأم"، وهو ما أثار سجالات واسعة في البلاد، خصوصاً أنّ عدداً من المهاجرين عادوا إلى الدنمارك مجدداً.
وزير الهجرة والدمج، ماتياس تيسفايا، عبر عن امتعاضه من هذه الأساليب التي اعتبرها "تحايلاً بمثابة استهزاء بنا". وذهبت صحيفة "بي تي" الدنماركية إلى الإعلان للقراء بطريقة مثيرة أنّ "هؤلاء المهاجرين يسافرون إلى بلادهم حاملين نقودكم، لكنّهم ببساطة يعودون مرة أخرى". وبحسب بحث أجرته الصحيفة في 98 بلدية في البلاد تبيّن من إجابات 64 بلدية عودة أكثر من 148 شخصاً بعدما دُفع لكلّ منهم ذلك المبلغ الضخم، وفق تسوية المغادرة النهائية وكمعونة لتأسيس حياة في البلاد الأصلية.
وما يثير غضب السياسيين من يمين ويسار الوسط الكشف عن عدم تمكن البلديات من استرجاع الملايين التي صرفت للمغادرين العائدين. واعتبر تيسفايا أنّ "استرداد الأموال شرط قانوني من اتفاقية الرحيل عن البلاد، ولا يمكن التسامح فيه وشطب المبالغ، ويجب أخذ الأمر على محمل الجد". ولم توضح "نقابة البلديات" (مظلة تجمع بلديات الدنمارك الـ98) أسباب عجزها عن استرداد تلك الأموال التي تحولت إلى مادة مثيرة لردود فعل سيئة في الشارع الدنماركي تجاه المهاجرين.
وما يزيد حنق السياسيين والمعلقين الدنماركيين أنّ الصحف المحلية، بالإضافة إلى وكالة الأنباء الدنماركية "ريتزاو" كشفت عن حصول قاتل، وهو حسين عباس، على مبلغ "العودة إلى الوطن" بالرغم من قتله زوجته هدى علي أحمد وابنهما (9 سنوات) بعد استدراجهما من الدنمارك إلى عين عرب/ كوباني في شمالي سورية، في فبراير/ شباط الماضي (وهو ما أوردته "العربي الجديد" في تقرير سابق)، وبالرغم من توقيفه في سجن تابع لأكراد سورية ما زال عباس "يتلقى بقية المبلغ البالغ 125 ألف كرونه من جيوب دافعي الضرائب، بعد حصوله على مبلغ 100 ألف كرونة كدفعة أولى"، بحسب ما تذهب إليه الصحف الدنماركية. وطالبت أحزاب برلمانية دنماركية بمناقشة هذه القضية لتعديل القانون لوقف تحويل المبالغ للقاتل، وهو ما يتوقع أن يتبناه البرلمان في الخريف المقبل.
وزارة الهجرة والدمج، المعنية بتطبيق قانون معونة العودة النهائية إلى البلد الأصلي، ترى على لسان وزيرها، تيسفايا، أنّ الأمر يتعلق بـ"احتيال غير مقبول، ولا يجب أن يسمح لهؤلاء الأشخاص بخداعنا والضحك علينا، بل يجب استعادة كلّ ما دفع لمن قام بالاحتيال والعودة إلى الدنمارك". وتبين من تحقيق لـ"بي تي" أنّ شخصاً واحداً فقط أعاد المبلغ كاملاً في 2017.
وتشير وسائل الإعلام الدنماركية إلى أنّ الامتعاض الحزبي في البرلمان بعدما كشف أنّ البلديات التي دفعت المبالغ للراحلين إلى دولهم لم تكن قادرة على استعادة سوى بضع مئات من الكرونات، بل حين عاد هؤلاء إلى الدنمارك "أصبحوا على قوائم متلقي الإعانات الشهرية المقدمة من الحكومة لمن لا يعمل (المساعدة الاجتماعية)"، وفقاً للصحف المحلية. وتنقل هذه الصحف عن مسؤول في بلدية آرهوس (غرب وسط) أنه "كان من الصعب استقطاع شيء من مبالغ الإعانة الشهرية المقدمة من البلدية للمقيم بدون عمل". وتلقفت زعيمة تيار اليمين المتشدد ومقررة شؤون الهجرة عن "حزب الشعب الدنماركي"، ورئيسة البرلمان السابقة، بيا كيرسغوورد، هذه القضية لتعلن أنّه يجب تغيير نظام الرفاهية في الدنمارك "فهؤلاء لم يحصلوا فقط على حزمة نقود وغادروا بها ثم عادوا يطلبون معونة شهرية وتأميناً صحياً واستفادة من الخدمات المقدمة للمواطنين من الاستقطاعات الضريبية، بل يبدو أنّهم يسعون أيضاً للحصول على راتب التقاعد الشعبي". وأكدت كيرسغوورد أنّ "البلديات ملزمة باستعادة كلّ ما دفع للعائدين إلى البلاد، ويجب تحسين فرص تحصيل تلك النقود التي دفعها الدنماركيون من ضرائبهم". وبالرغم من الأزمة التي تولدت عن هذا الكشف يصرّ حزب اليمين المتشدد "الشعب الدنماركي" على استمرار العمل بقانون معونة العودة "فدفع بضع مئات آلاف الكرونات للراحلين عن البلاد أفضل لنا من صرف الملايين على كلّ شخص مهاجر مقيم في الدنمارك، وتلك الملايين يمكن صرفها بدلاً من ذلك على رعاية كبار السن واحتياجات أخرى كثيرة".
وكشفت وسائل الإعلام المحلية قضية أسرتين مهاجرتين من كوبنهاغن مؤلفتين من أربعة بالغين و9 أطفال، ممن عادوا بعد حصولهم على مبالغ مالية كبيرة، لتتحول مطالب البلدية إعادة ما حصلوا عليه إلى ديون مستحقة، وبالرغم من ذلك، لم تستطع البلدية تحقيق شيء من الأموال، وهؤلاء انضموا في عودتهم إلى بلدية العاصمة مثل 20 آخرين ممن عادوا أيضاً بعد حصولهم على مبلغ 225 ألف كرونه عن كلّ شخص مغادر. ووفقاً لصحيفة "بي تي" فإنّ البلدية طالبت 11 شخصاً بإعادة المبالغ، فيما جرى شطب ديون 9 أشخاص، وهو ما يثير حفيظة سياسيين وبرلمانيين يطالبون الآن بتعديل قوانين عودة الأشخاص المغادرين ونظام الرفاهية الذي يمنحهم مساعدات مالية شهرية، بالرغم من إخلالهم بالاتفاق.
التعديلات التي يجرى الدفع بها، نتيجة السجال حول هذه القضايا، تتضمّن تعديلاً يخص مسألة "ندم العودة إلى الوطن" والرجوع إلى الدنمارك مرة أخرى، بتشديدات يبدو أنّ وزير الهجرة ماتياس تيسفايا نفسه يوافق يمين الوسط على إدخالها على القانون. وأثار استطلاع رأي لصحيفة "بي تي" الدنماركية، في 30 يوليو/ تموز الماضي، بمشاركة أكثر من 35 ألف مواطن، اتساع رقعة الرفض الشعبي لرجوع المغادرين نحو بلادهم إلى الدنمارك ثانية، إذ عبّر 98 في المائة من المستطلعين عن رفضهم عودة المهاجرين، وفقط 2 في المائة يرون أنّه يجب السماح لهم بذلك.