مهمة صعبة أمام الوساطة الإثيوبية في السودان

07 يونيو 2019
البرهان خلال استقباله أحمد في الخرطوم (فرانس برس)
+ الخط -
لم يستطع رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد، الذي باشر وساطة بين المجلس العسكري وقوى "إعلان الحرية والتغيير" المعارضة، غير الدعوة إلى الوحدة من أجل الوصول إلى السلام في هذا البلد، وانتقال ديمقراطي سريع، فيما كانت قوى "الحرية والتغيير" تعد رؤيتها للحل معلنة أنها تقبل بالوساطة وفق شروط محددة سلّمت لأحمد خلال الاجتماع به اليوم تتضمّن خطوات ينبغي القيام بها قبل أي عملية سياسية. وعلى الرغم من تجاوب المعارضة المبدئي مع الوساطة الإثيوبية، وميل لدى مراقبين للاعتقاد بأن فرص نجاح جهود أبي أحمد قائمة، إلا أن المهمة لن تكون سهلة، لا سيما بعد تداعيات مجزرة فض الاعتصام وتمسك المعارضة بمحاسبة المتورطين في جريمة قتل المعتصمين وحل قوات الدعم السريع وتسليم أسلحتها إلى الجيش.
في هذا الوقت، حاولت أبوظبي، التي تعرضت إلى جانب الرياض لانتقادات عدة بوصفهما من الداعمين الرئيسيين للمجلس العسكري، التبرؤ من أي مسؤولية سياسية عن المجزرة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع الإثنين الماضي، والتي ارتفع عدد ضحايا إلى 113 قتيلاً، إذ قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، اليوم الجمعة: نشعر بالقلق إزاء المذبحة التي شهدناها في السودان، ونؤيّد دعوات إجراء تحقيق مناسب فيها على حد تعبيره. وأضاف أن "الحوار هو السبيل الوحيد للمضي قدماً في السودان". وجاء ذلك وسط تصاعد الدعوات لمحاكمة مرتكبي مجزرة فض الاعتصام وبعد ساعات من اقتراح الأمم المتحدة إرسال مراقبين للسودان للتقصي بشأن مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان منذ فض الاعتصام أمام القيادة العامة وسط الخرطوم، وبالتزامن مع تأكيد تجمع المهنيين السودانيين على ضرورة الحفاظ على السلمية والتمسك "بعصيان مدني شامل وإضراب سياسي مفتوح حتى إسقاط المجلس العسكري الانقلابي ومليشياته المجرمة"، مشيراً إلى أن العصيان سوف يدخل مرحلة جديدة ابتداء من يوم غد الأحد.

وبدأ أبي أحمد، الذي وصل صباح اليوم إلى الخرطوم وساطته بعقد اجتماع في قصر الضيافة مع رئيس المجلس العسكري الفريق أول عبد الفتاح البرهان، كان لافتاً خلاله أن قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، والتي تتهم قواته بارتكاب مجزرة فض الاعتصام بغطاء من المجلس، كان "غائباً بشكل واضح" في الصور التي شاركها مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، وفقاً لمدير مشروع سابق في مجموعة الأزمات الدولية لرشيد عبدي. وكتب عبدي، في تغريدة، "هذا مهم، ويضفي مصداقية على تقارير تحدثت عن تهميش قائد قوات الدعم السريع" المتهم بارتكاب قواته المجزرة في الخرطوم. وعقب انتهاء لقاءاته بالمجلس العسكري، انتقل أحمد إلى السفارة الإثيوبية حيث اجتمع مع قيادات قوى "إعلان الحرية والتغيير". ونشر المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة الإثيوبية صوراً لأبي أحمد مبتسماً وهو يلتقي قادة قوى "إعلان الحرية والتغيير". وفي وقت لاحق، ذكر المكتب الإعلامي أن أحمد شدد على أن "الشرط الأساسي لاستعادة السلام في السودان هو الوحدة"، موضحاً أنه "عبَّر عن التزام إثيوبيا بتعزيز السلام في المنطقة". كذلك دعا أحمد إلى انتقال ديمقراطي سريع في البلد. وأعلنت المعارضة السودانية، في بيان، أنها توافق على وساطة رئيس الوزراء الإثيوبي، لكن لدينا شروطاً يجب تحقيقها قبل الحديث عن العملية السياسية. ومن بين مطالب المعارضة أن يتحمل المجلس العسكري مسؤولية فض اعتصام الإثنين، الذي أسفر عن سقوط مئات القتلى والجرحى وإجراء تحقيق دولي في الواقعة وإطلاق سراح السجناء السياسيين.



من جهته، أكد القيادي في قوى "إعلان الحرية والتغيير" أحمد الربيع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الوساطة الإثيوبية، برئاسة أحمد، بذلت مساعي للتقريب بين المعارضة والمجلس العسكري، مشيراً إلى أن وفداً من قوى "الحرية والتغيير" عقد اجتماعاً مع أحمد في مقر السفارة الإثيوبية في الخرطوم، لتعقد القوى اجتماعاً بعد ذلك تم خلاله مناقشة المقترحات التي تقدم بها أحمد. وأضاف الربيع "قررت القوى تقديم رؤية شاملة للحل إلى أحمد"، من دون أن يفصح عن الرؤية، لكنه أشار إلى أنها تتناول المستجدات التي حصلت في الأيام الأخيرة، وأهمها فضّ اعتصام القيادة العامة في الخرطوم وما صاحب ذلك من مجزرة، بالإضافة إلى موضوع اعتقال عدد كبير من المعتصمين ومن قيادات المعارضة.

وكان القيادي في قوى "الحرية والتغيير" مدني عباس قد قال، لقناة "الجزيرة"، بعد اجتماع عقدته قيادات من قوى "إعلان الحرية والتغيير" مع رئيس الحكومة الإثيوبية، إن أحمد طرح أفكاراً محددة لحل الأزمة في السودان، لكنه اعتبر أنه "ليس هناك أفق للتفاوض بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري". وأضاف "يجب ألا يفلت المجرمون من العقاب مهما كانت الطروحات المقدمة". وقبل وصول أبي إلى الخرطوم، أعلنت قوى "إعلان الحرية والتغيير"، في بيان، أنه يجب حل قوات الدعم السريع وتسليم أسلحتها إلى الجيش.

وتأتي الوساطة الإثيوبية في الوقت الذي تتوالى فيه ردود الفعل على مجزرة فض اعتصام الخرطوم. وبعدما علق الاتحاد الأفريقي، ومقره إثيوبيا، عضوية السودان أمس الخميس وهدد الاتحاد الأفريقي "بعقوبات عقابية" إذا لم يتخلّ الجيش بسرعة عن السلطة للمدنيين، وكان موقف الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مهادناً ويساوي بين المعارضة السلمية والضحايا الذين سقطوا في الفض الدموي للاعتصام وبين المجلس العسكري، إذ قال المتحدث باسم الأمين العام، محمود عفيفي، إن أبو الغيط دعا كافة الأطراف السودانية إلى ضبط النفس وتجنُّب أي تصرفات من شأنها أن تساهم في تأجيج الموقف وتصعيده أو تؤدي إلى الجنوح عن النهج السلمي لإتمام عملية الانتقال السياسي في البلاد. وأوضح أن أبو الغيط يتابع بقلق واهتمام بالغين التطورات الأخيرة التي شهدها السودان، وبشكل خاص سقوط عشرات القتلى والمصابين في أعمال العنف التي وقعت الاثنين، وأدت إلى توقف الحوار بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى "إعلان الحرية والتغيير".

في غضون ذلك، برز، ولليوم الثاني على التوالي، حرص من تجمع المهنيين السودانيين على التأكيد على أهمية الحفاظ على السلمية بالتزامن مع شنّه هجوماً على المجلس العسكري، معتبراً، في بيان، أنه "يحاول اكتساب شرعية بأي طريقة ممكنة، وهو يلجأ إلى استفزاز الناس من أجل الرد عليه، بهدف تضخيمها كمقدمة للرد بحملة انتقامية واسعة النطاق ضد المواطنين وخصوصاً لجان الأحياء". وترددت أنباء، لم تتمكن "العربي الجديد" من التحقق من مدى دقتها، عن عمليات نهب على أطراف العاصمة الخرطوم، في إطار ما اعتبره مراقبون محاولة من المجلس العسكري لإشاعة الفوضى كمقدمة للظهور بأنه الوحيد القادر على ضبط الأمن.

إلى ذلك، حذّرت لجنة أطباء السودان المركزية المرتبطة بحركة الاحتجاج من أن المصابين جراء المجزرة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد المحتجين أمام مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، الإثنين الماضي، يتكدسون في "المستشفيات الحكومية والخاصة التي تعاني شحاً شديداً في معينات تقديم الخدمات الطبية"، مضيفة أن قوات الدعم السريع أغلقت خمسة مستشفيات رئيسية. وذكرت منظمة الصحة العالمية، في بيان اليوم، أنها تشعر بقلق بالغ إزاء استهداف المرضى والطاقم الطبي والمرافق في السودان خلال الحملة العسكرية. وقالت إن قوات الأمن تقوم "بعمليات توغل في مستشفيات الخرطوم"، ما أدى إلى إغلاق خدمات الطوارئ والخدمات الصحية. وقد أصيب خمسة مرضى وعاملان طبيان. وأضافت "هذه الأعمال تمثل انتهاكاً تاماً وغير مقبول للقانون الدولي لحقوق الإنسان ويجب أن تتوقف".