أقرت الحكومة اليمنية، أمس الأحد، موازنة عام 2018، بعد توقف لثلاث سنوات، بسبب الحرب الدائرة، فيما تكشف بنودها عن تقسيم سياسي للدولة، بعد أن قصرت الإنفاق على المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة فقط واستبعدت المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والتي تضم نحو نصف سكان اليمن.
ويشهد اليمن الفقير حرباً مدمرة بدأت نهاية عام 2014 بعد سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة، وتصاعدت وتيرة الصراع منذ مارس/ آذار 2015، عندما قادت السعودية تحالفاً عسكريا بدعم من الإمارات، شن ضربات جوية مكثفة ضد الحوثيين، الذين لا يزالون يسيطرون على نحو 10 محافظات من إجمالي 22 محافظة.
وقدرت الحكومة إيرادات الموازنة التي وصفتها بالتقشفية بنحو 978.2 مليار ريال (الدولار يعادل 380 ريالا)، والنفقات بنحو 1.46 تريليون ريال، بعجز تقدر قيمته بنحو 481.8 مليار ريال، بما تبلغ نسبته 33% من إجمالي الموازنة وبما يعادل 1.278 مليار دولار، حسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ).
وأشار رئيس الحكومة أحمد بن دغر، في اجتماع إعلان الموازنة، إلى ظروف الحرب التي ألقت بتداعياتها على الموازنة، وأوقفت عجلة الاقتصاد وألحقت الدمار بمؤسسات الدولة، لافتا إلى توقف إنتاج النفط والغاز، المصدر الرئيسي لموازنة الدولة على مدى العقود الثلاثة الأخيرة.
واليمن منتج صغير للطاقة، ولا يزال إنتاج الغاز متوقفاً منذ 33 شهراً، ما يحرم البلد الفقير من إيراد سنوي يصل إلى 700 مليون دولار، وفق مصادر نفطية في تصريحات لـ"العربي الجديد" في وقت سابق من يناير/كانون الثاني الجاري، فضلا عن خسائر النفط التي تقدر بأكثر من ملياري دولار سنوياً لتراجع التصدير بشكل حاد.
ويعتمد اليمن على صادرات النفط الخام لتمويل ما يصل إلى 70% من ميزانيته، وسط غياب قطاعات مهمة أخرى عن خارطة الإيرادات العامة، مثل الصناعة والزراعة والسياحة.
وأدت الاضطرابات الأمنية والسياسية إلى تمديد العمل بموازنة 2014 لعام 2015، ثم لم يتم الإعلان عن موازنات للعامين 2016 و2017، رغم استئناف الحكومة إنتاج وتصدير النفط بشكل جزئي.
وقال رئيس الحكومة إن "الموازنة محكومة بضيق المصادر المالية وشحها، كما أنها محكومة بظروف الانقلاب، وحدوث التمرد على الشرعية، وخضوع نصف السكان، وربع الأرض تقريباً لسلطة الانقلاب".
وأضاف: "هذه الموازنة، تشمل المرتبات لموظفي القطاع المدني للدولة، ومرتبات عام كامل للعسكريين، وميزانيات تشغيلية لاثنتي عشرة محافظة تمثل المحافظات الخاضعة لسلطة الحكومة من إجمالي 22 محافظة عدد محافظات البلاد".
وأدت الحرب وسيطرة الحوثيين على صنعاء ومؤسسات الدولة منذ سبتمبر/أيلول 2014، إلى تعليق دعم المانحين وزيادة عجز ميزان المدفوعات، وتآكل الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي من 4.7 مليارات دولار في شهر ديسمبر/كانون الأول 2014 إلى 600 مليون دولار في ديسمبر 2017، بحسب البنك المركزي اليمني.
ولا يزال البنك المركزي اليمني معطلاً، منذ قرار نقل مقره في 18 سبتمبر/أيلول الماضي، أي منذ نحو عام، إذ تعثّر في دفع رواتب موظفي الدولة وتوفير خطوط ائتمان لمستوردي الأغذية والوقود من القطاع الخاص، مما أدى إلى تعطل شبه تام للقطاع التجاري.
وقال صلاح إسماعيل، الخبير في المالية العامة في حديث لـ"العربي الجديد" : "اعتماد ميزانية لمناطق الحكومة، أعتقد أنه تقسيم سياسي وليس جغرافيا".
وأضاف إسماعيل: "بالنهاية إقرار الموازنة بعد توقفها ثلاثة أعوام إيجابي وتفعيل لدور الحكومة في إدارة الدولة، رغم أنها لم تشمل إلا 12 محافظة (المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة)".
وكانت الحكومة اليمنية قد لجأت إلى السعودية، في وقت سابق من الشهر الجاري، حيث نشر رئيس الوزراء اليمني رسالة يوم الثلاثاء الماضي على صفحته في فيسبوك موجهة إلى "الحلفاء" قال فيها إنه يتوجب على هؤلاء العمل على "إنقاذ الريال اليمني من الانهيار التام"، معتبرا أن "إنقاذ الريال يعني إنقاذ اليمنيين من جوع محتم".
ودعا بن دغر الدول الحليفة لحكومته إلى إيداع أموال في المصرف المركزي في عدن، وإرسال مشتقات الوقود.
وقررت الرياض، بعدها بيوم، إيداع ملياري دولار في المصرف المركزي اليمني، وذلك بعد مطالبة الحكومة اليمنية بمساعدات مالية عاجلة.
لكن وديعة السعودية تأخرت نحو ما يقرب من عام، فقد أعلن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في فبراير/ شباط من العام الماضي 2017، عن موافقة الرياض على وضع ملياري دولار وديعة نقدية في البنك المركزي لدعم العملة المحلية، ولاحقاً أعلن عن استعداد السعودية لتقديم مبلغ 8 مليارات دولار لدعم خطة الإعمار، لكن تلك الوعود لم تخرج للنور بعد.