في الوقت الذي يشهد فيه العالم نذر تحولات كبيرة على مستوى الجغرافيا السياسية بعد تولي الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، مهامه في البيت الأبيض، يبدو أن تركيا تشهد بدورها أيضاً إشارات توحي بانفراجة كبيرة على مستوى السياسة الخارجية على الرغم من الإشارات المتضاربة الآتية من الولايات المتحدة الأميركية.
وبعد نجاح الإدارة التركية في تطبيع العلاقات مع كل من موسكو وتل أبيب، وسط إشارات تقارب واضحة مع واشنطن، تبدأ المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، زيارة إلى العاصمة التركية أنقرة، اليوم الخميس، وذلك بعد أيام من زيارة مماثلة قامت بها رئيس الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إلى أنقرة، في إطار تحسين العلاقات الخارجية البريطانية مع كل من الإدارة التركية قبيل بدء محادثات انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي.
وتأتي زيارة ميركل الأولى، هذا العام، إلى أنقرة، في محاولة لتخفيف حدة التوتر بين كل من الإدارة التركية والاتحاد الأوروبي، بعد تأخر الأخير في تنفيذ الاتفاق التركي الأوروبي، سواء في ما يخص إلغاء تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك الراغبين بالتوجه إلى فضاء "شينغين" الأوروبي، أو في ما يخص اتفاقية إعادة قبول اللاجئين وما رافقها من تأخر في صرف المساعدات الأوروبية للاجئين السوريين في تركيا. وللتوتر أسباب أخرى تتعلق بقبول ألمانيا طلبات لجوء منتسبي حركة "الخدمة" من المدنيين وما يقارب 40 ضابطاً من القوات المسلحة التركية ممن كانوا يعملون في مؤسسات حلف "شمال الأطلسي" ورفضوا تنفيذ أوامر الاستدعاء التي وجهت لهم من القوات المسلحة التركية على خلفية المحاولة الانقلابية.
وتتزامن زيارة ميركل مع وجود أزمة تركية يونانية، ناتجة عن رفض المحكمة العليا في اليونان طلبات إعادة 8 من الضباط الأتراك الذين شاركوا في المحاولة الانقلابية ثم فروا إلى الأراضي اليونانية. وتبع ذلك قيام رئيس هيئة الأركان التركية، الجنرال خلوصي أكار، بزيارة إلى بعض الجزر المتنازع عليها مع اليونان، بعد تهديد وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، بوقف تنفيذ اتفاقية إعادة قبول اللاجئين في حال امتنعت أثينا عن تسليم الانقلابيين الفارين للحكومة التركية.
وستلتقي المستشارة الألمانية برئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، وكذلك بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وتبدو أجندة الزيارة مزدحمة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني.
وسيعمل الجانبان على تسريع تنفيذ اتفاقية قبول اللاجئين، لناحية رفع تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك. والذريعة التي يقدمها الأوروبيون لعدم تنفيذ تعهدهم بشأن إعفاء الأتراك من تأشيرات الدخول إلى دول "شينغين"، تتمثل بالرفض التركي لتعديل قانون مكافحة الإرهاب في ظل الأوضاع الأمنية التي تعاني منها البلاد.
وإضافة إلى تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي التركي الأوروبي، سيكون التعاون التجاري والاقتصادي بين برلين وأنقرة أحد أهم بنود الزيارة، على الأقل بالنسبة للجانب التركي، وذلك بعدما كان هذا الأمر على رأس أولويات زيارة رئيسة الوزراء البريطانية. وشهدت مستويات التبادل التجاري بين تركيا وأكبر شركائها على مستوى العالم أي ألمانيا، انخفاضاً خلال السنوات الأخيرة. وبعدما كان حجم التبادل التجاري بين الجانبين يصل إلى 37 مليار يورو في عام 2014، تراجع هذا الرقم ليصل إلى 35 مليار 479 مليون يورو خلال عام 2016، مرتفعاً عن أدنى مستوياته في عام 2015 عندما وصل إلى 34 مليار و779 مليون يورو.
وستبحث ميركل مع القادة الأتراك الأوضاع الأمنية على الحدود التركية الجنوبية، في سورية والعراق. وستسعى ميركل لتعزيز التعاون الدفاعي والاستخباراتي مع أنقرة لدرء أخطار الهجمات الإرهابية عن القارة الأوروبية. ومن المرجح أن تضغط الحكومة التركية على ميركل لإغلاق مكتب حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) في برلين، والذي تضعه أنقرة على قائمة المنظمات الإرهابية، وكذلك لإعادة المطلوبين للقضاء التركي من منتسبي حزب العمال الكردستاني المقيمين على الأراضي الألمانية، والحد من نشاطاته في ألمانيا.
وكان وزير العدل التركي، بكير بوزداغ، اتهم، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الحكومة الألمانية بدعم وحماية جميع التنظيمات الإرهابية التي تستهدف تركيا، سواء حركة "الخدمة" أو حزب العمال الكردستاني أو المنظمات اليسارية التركية المتطرفة. وسبق أن أكد الرئيس التركي، أردوغان، أن ألمانيا لم تُعِد لتركيا حوالى 4500 من عناصر "الكردستاني" المطلوبين للقضاء التركي.