بعد ليلة من المفاجآت غير المتوقعة، أطاحت نتائج الانتخابات البرلمانية البريطانية بكل ما نشرته مؤسسات استطلاعات الرأي في الأسابيع الماضية، وخالفت صناديق الاقتراع توقعات المراقبين والمحللين، إذ منح الناخبون فوزاً مريحاً لحزب "المحافظين" وزعيمه رئيس الوزراء الحالي، ديفيد كاميرون، الذي أشارت النتائج الأولية، غير الرسمية، إلى حصوله على 331 مقعداً.
بعد ليلة وصفها كاميرون بـ"القوية"، وزعيم "العمال" الخاسر، إيد ميليباند، بـ"المُحبطة"، بات من المؤكد أن تكون الحكومة العتيدة بعهدة "المحافظين"، ولو بأغلبية بسيطة، سمحت لكاميرون، خلال مقابلته الملكة إليزابيث، أمس الجمعة، بإعلامها بفوز حزبه واستعداده لتشكيل الحكومة الجديدة.
ولا يُمكن وصف النتائج النهائية للانتخابات البريطانية، بأقلّ من "مجزرة القيادات"، بعد إطاحة الناخبين ثلاثة زعماء أحزاب هم، إضافة إلى ميليباند، زعيم حزب "الأحرار الديمقراطي" نيك كليغ، الذي استقال من رئاسة الحزب، ونائب رئيس الوزراء السابق، زعيم حزب "الاستقلال" اليميني، نايجل فراج، الذي لم ينجح شخصياً بالحصول على مقعد في مجلس العموم المقبل. كما أطاحت الانتخابات بعدد من قيادات الصف الأول في "العمال"، أمثال وزير المالية في حكومة الظل العمالية، إيد بولز، و"الأحرار الديمقراطي"، أمثال شارل كينيدي، الزعيم السابق للحزب، وفينس كيبل، وزير الأعمال في الحكومة المنتهية ولايتها. كما سحب الناخبون الثقة من الوجه البرلماني المعروف، والمثير للجدل، جورج غالواي، بعد 32 عاماً من نيابته.
أما عن الأسباب التي دفعت الناخبين لمنح الثقة مجدداً لـ"المحافظين" لتشكيل الحكومة المقبلة، والبقاء في سدة الحكم لخمس سنوات جديدة، فيُمكن القول إن السياسات الاقتصادية التي تبنّاها "المحافظون" خلال السنوات الماضية، والتي نجحت في إخراج الاقتصاد البريطاني من أزمة الركود التي عصفت به منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008، كانت الدافع الأول لتجديد ثقة الناخبين بهم. وبناءً على هذه السياسات، باتت بريطانيا الأسرع نمواً في أوروبا، وتفوّق أداؤها في بعض الأحيان على أداء اقتصاد الولايات المتحدة، كما انخفض معدل البطالة إلى 5.6 في المائة بعد أن وصل إلى حوالي 8.1 في المائة في العام 2011.
ويرى المراقبون أن تصويت الناخبين لصالح "المحافظين" قد تكون فيه رسائل مضادة لكل من حزبي "العمال" و"الأحرار الديمقراطي"، ومفاد الرسالة للأول أن خمس سنوات من حكم "المحافظين" لم تكن كافية لكي ينسى الناخب البريطاني نقمته على سنوات حكم العمالي توني بلير، وخليفته غوردن براون. بلير جرّ البلاد إلى مستنقعات الحروب في العراق وأفغانستان، في حين فشل براون في معالجة الأزمات التي لحقت بالاقتصاد البريطاني في آخر سنوات حكم "العمال".
اقرأ أيضاً: كاميرون يفوز ... ويطيح زعماء ثلاثة أحزاب
أما الرسالة القاسية التي وجهها الناخبون إلى حزب "الأحرار الديمقراطي"، فكانت بمثابة "العقاب"، على حد تعبير كليغ، بسبب عدم وفاء الحزب بوعوده للناخبين في الانتخابات الماضية، وقبوله بشروط "المحافظين" في مقابل التحاقه بحكومة الائتلاف الماضية.
أما التحديات التي تواجه حكومة كاميرون المقبلة، فيمكن تلخيصها في ثلاثة تحديات أساسية. يتمثل التحدي الأول في صعوبة الصمود طويلاً بأغلبية بسيطة، قد لا تتيح للحزب تطبيق كل الوعود التي أعلن عنها في برنامجه الانتخابي، مع احتمال تكتل الأحزاب الأخرى في معارضة "معطلة"، قد تتمكن من عرقلة عمل الحكومة الجديدة.
أما التحدي الثاني، فيكمن في مدى التزام كاميرون بوعده الانتخابي الخاص بإجراء استفتاء شعبي في العام 2017 حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أو الانسحاب منه، وخصوصاً بعدما جدد كاميرون، أمس الجمعة، بإجراء الاستفتاء. مع العلم أن بعض المراقبين رجّحوا في أن يكون "وعد الاستفتاء" الذي أطلقه كاميرون خلال الحملات الانتخابية، مناورة سياسية، يسعى من خلالها للضغط من أجل إعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي على شروط جديدة، تعيد للدولة الوطنية بعض الصلاحيات التي انتزعها منها الاتحاد.
إلا أن إصرار كاميرون على عدم التراجع عن "وعد الاستفتاء"، قد يضعه مجدداً في مواجهة مع الأحزاب الأخرى، ناهيك عن المواجهة مع بعض نواب حزبه المعارضين لفكرة الاستفتاء، والمواجهة مع "اللوبي الاقتصادي"، الذي يرى في الاستفتاء مخاطرة قد تضر بثقة المستثمرين بالاقتصاد البريطاني.
وهنا يجد كاميرون نفسه محشوراً بين الالتزام بالوعد الانتخابي المتمثل بالتمسك بإجراء الاستفتاء في العام 2017، وبين الاستجابة لضغط القوى الحزبية والاقتصادية والتخلّي عن الوعد، وهو وضع سيصعب على حكومة بأقلية بسيطة مواجهته من دون دفع أثمان باهظة.
ويتمثل التحدّي الثالث الذي تواجهه حكومة ديفيد كاميرون، بالفوز الساحق للحزب "الوطني الاسكتلندي"، الذي نال 56 مقعداً من أصل المقاعد النيابية الـ59 المخصصة لاسكتلندا في مجلس العموم البريطاني. وقد يغري هذا النصر غير المسبوق، القوميين الاسكتلنديين بتجديد حلم الاستقلال عن بريطانيا في استفتاء جديد، بعد فشل محاولتهم في استفتاء سبتمبر/ أيلول الماضي. وحتى أن الحزب "الوطني الاسكتلندي" قد يستخدم قوته التمثيلية المزدوجة في برلمان اسكتلندا، ومجلس العموم البريطاني، للتلويح بورقة الاستفتاء من أجل انتزاع المزيد من السلطات الذاتية من الحكومة المركزية في لندن، لا سيما أن ديفيد كاميرون كان قد وعد، في سبتمبر الماضي، بمنح اسكتلندا المزيد من سلطات الحكم الذاتي، إذا صوّتت لصالح البقاء ضمن بريطانيا. وهو ما أعاد التأكيد عليه، أمس أيضاً، بعدما تعهّد بمنح اسكتلندا "أكبر تفويض للسلطة في العالم".
ومهما تكن التحديات التي تواجه "المحافظين"، فإنها لا تقارن بالتحديات التي فرضتها الهزيمة الساحقة على "العمال"، فقد أصبح زعيم الحزب، إيد ميليباند، من الماضي، بعد أن أعلن رسمياً استقالته. وهي الاستقالة التي فتحت الباب لدخول الحزب في أزمة داخلية عنوانها الأعرض: المنافسة على قيادة الحزب، خصوصاً أن بولز، المرشح الأبرز لخلافة ميليباند، قد خرج من مجلس العموم بعد خسارة مقعده النيابي.
ولا تحظى هارييت هارمان، التي رشحها ميليباند لخلافته، بإجماع واسع في صفوف قيادات الحزب وقواعده. أما الشخصية الأخرى التي قد تعود للظهور في الصف الأول لقيادة حزب "العمال"، فهو وزير الخارجية العمالي السابق، ديفيد ميليباند.
اقرأ أيضاً: بريطانيا وخيارات ما بعد الاقتراع
بعد ليلة وصفها كاميرون بـ"القوية"، وزعيم "العمال" الخاسر، إيد ميليباند، بـ"المُحبطة"، بات من المؤكد أن تكون الحكومة العتيدة بعهدة "المحافظين"، ولو بأغلبية بسيطة، سمحت لكاميرون، خلال مقابلته الملكة إليزابيث، أمس الجمعة، بإعلامها بفوز حزبه واستعداده لتشكيل الحكومة الجديدة.
ولا يُمكن وصف النتائج النهائية للانتخابات البريطانية، بأقلّ من "مجزرة القيادات"، بعد إطاحة الناخبين ثلاثة زعماء أحزاب هم، إضافة إلى ميليباند، زعيم حزب "الأحرار الديمقراطي" نيك كليغ، الذي استقال من رئاسة الحزب، ونائب رئيس الوزراء السابق، زعيم حزب "الاستقلال" اليميني، نايجل فراج، الذي لم ينجح شخصياً بالحصول على مقعد في مجلس العموم المقبل. كما أطاحت الانتخابات بعدد من قيادات الصف الأول في "العمال"، أمثال وزير المالية في حكومة الظل العمالية، إيد بولز، و"الأحرار الديمقراطي"، أمثال شارل كينيدي، الزعيم السابق للحزب، وفينس كيبل، وزير الأعمال في الحكومة المنتهية ولايتها. كما سحب الناخبون الثقة من الوجه البرلماني المعروف، والمثير للجدل، جورج غالواي، بعد 32 عاماً من نيابته.
ويرى المراقبون أن تصويت الناخبين لصالح "المحافظين" قد تكون فيه رسائل مضادة لكل من حزبي "العمال" و"الأحرار الديمقراطي"، ومفاد الرسالة للأول أن خمس سنوات من حكم "المحافظين" لم تكن كافية لكي ينسى الناخب البريطاني نقمته على سنوات حكم العمالي توني بلير، وخليفته غوردن براون. بلير جرّ البلاد إلى مستنقعات الحروب في العراق وأفغانستان، في حين فشل براون في معالجة الأزمات التي لحقت بالاقتصاد البريطاني في آخر سنوات حكم "العمال".
اقرأ أيضاً: كاميرون يفوز ... ويطيح زعماء ثلاثة أحزاب
أما الرسالة القاسية التي وجهها الناخبون إلى حزب "الأحرار الديمقراطي"، فكانت بمثابة "العقاب"، على حد تعبير كليغ، بسبب عدم وفاء الحزب بوعوده للناخبين في الانتخابات الماضية، وقبوله بشروط "المحافظين" في مقابل التحاقه بحكومة الائتلاف الماضية.
أما التحديات التي تواجه حكومة كاميرون المقبلة، فيمكن تلخيصها في ثلاثة تحديات أساسية. يتمثل التحدي الأول في صعوبة الصمود طويلاً بأغلبية بسيطة، قد لا تتيح للحزب تطبيق كل الوعود التي أعلن عنها في برنامجه الانتخابي، مع احتمال تكتل الأحزاب الأخرى في معارضة "معطلة"، قد تتمكن من عرقلة عمل الحكومة الجديدة.
أما التحدي الثاني، فيكمن في مدى التزام كاميرون بوعده الانتخابي الخاص بإجراء استفتاء شعبي في العام 2017 حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أو الانسحاب منه، وخصوصاً بعدما جدد كاميرون، أمس الجمعة، بإجراء الاستفتاء. مع العلم أن بعض المراقبين رجّحوا في أن يكون "وعد الاستفتاء" الذي أطلقه كاميرون خلال الحملات الانتخابية، مناورة سياسية، يسعى من خلالها للضغط من أجل إعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي على شروط جديدة، تعيد للدولة الوطنية بعض الصلاحيات التي انتزعها منها الاتحاد.
إلا أن إصرار كاميرون على عدم التراجع عن "وعد الاستفتاء"، قد يضعه مجدداً في مواجهة مع الأحزاب الأخرى، ناهيك عن المواجهة مع بعض نواب حزبه المعارضين لفكرة الاستفتاء، والمواجهة مع "اللوبي الاقتصادي"، الذي يرى في الاستفتاء مخاطرة قد تضر بثقة المستثمرين بالاقتصاد البريطاني.
وهنا يجد كاميرون نفسه محشوراً بين الالتزام بالوعد الانتخابي المتمثل بالتمسك بإجراء الاستفتاء في العام 2017، وبين الاستجابة لضغط القوى الحزبية والاقتصادية والتخلّي عن الوعد، وهو وضع سيصعب على حكومة بأقلية بسيطة مواجهته من دون دفع أثمان باهظة.
ومهما تكن التحديات التي تواجه "المحافظين"، فإنها لا تقارن بالتحديات التي فرضتها الهزيمة الساحقة على "العمال"، فقد أصبح زعيم الحزب، إيد ميليباند، من الماضي، بعد أن أعلن رسمياً استقالته. وهي الاستقالة التي فتحت الباب لدخول الحزب في أزمة داخلية عنوانها الأعرض: المنافسة على قيادة الحزب، خصوصاً أن بولز، المرشح الأبرز لخلافة ميليباند، قد خرج من مجلس العموم بعد خسارة مقعده النيابي.
ولا تحظى هارييت هارمان، التي رشحها ميليباند لخلافته، بإجماع واسع في صفوف قيادات الحزب وقواعده. أما الشخصية الأخرى التي قد تعود للظهور في الصف الأول لقيادة حزب "العمال"، فهو وزير الخارجية العمالي السابق، ديفيد ميليباند.
اقرأ أيضاً: بريطانيا وخيارات ما بعد الاقتراع