منذ الطفولة أحبّت ناديا أبو غطاس، ابنة بيت جالا في فلسطين، الأشغال اليدوية والفنون. كان أهلها ينحتون الحجارة وينقشونها، فورثت عنهم إيمانهم بأنّ كلّ ما تعطيه الأرض يمكن أن يتحوّل إلى قطعة فنية، مهما كان جهد تحويلها صعباً، مثل النحت في الحجر الذي يُضرب به المثل. وقد حُفر حبّ الفن والحرف في قلبها باكراً، نما معها ونمت به.
كانت أشجار الزيتون بنوعيه المحلي (رفيع الأوراق صغير الثمار) والافرنجي (عريض الأوراق كبير الثمار) تزيّن بيت جالا، مسقط رأس ناديا، لكنّ أعدادها راحت تتناقص وكادت تتحوّل إلى شجرة نادرة، وقد أثّر الأمر في نفس ناديا، فحاولت أن تقوم بعمل فني يعبّر عن حبها للشجرة، ويجسّد معانيها ورموزها من السلام والانتماء والوفاء للأرض... وأرادت أن تجسّد أوراق الزيتون وزهوره في عمل فني يحمله معه زوار بيت لحم معهم أينما حلّوا.
تقول أبو غطاس: "خطرت لي الفكرة بوحي من الشجرة نفسها التي أشعر بأنها تشبهني وتشبه أهل بيت لحم، تساءلت لماذا يصنعون قطعاً فضية وذهبية على شكل زهرة أو فراشة أو لؤلؤة ولا يصنعونها على شكل ورقة زيتون؟ إنها برأيي من أجمل ما تنبته الأرض، لذا فكّرت في تصميم قطع مجوهرات صغيرة على شكل ورق الزيتون وزهره، ولاحقاً ورق البلوط".
لشجر البلوط أيضاً مكانة في مشروع ناديا، وهي أرادت تكريم الشجرة التي ذكرت في الانجيل أكثر من مرة، وترمز عند الفلسطينيين تحديداً إلى الحكمة.
لكن عمل ناديا ليس مجرد صنع قطع فضية على شكل أوراق الزيتون وزهره، بل هي تصنع قالباً لكلّ قطعة ولا تكرّر القالب نفسه إلا نادراً. عن مراحل العملية تقول ناديا: "أولاً أقطف أوراق الزيتون، المتميزة بكون كلّ ورقة من أوراقها فريدة، لا توجد ورقة تتطابق مع الأخرى. في مرحلة ثانية أصنع قالباً لكلّ ورقة، ثم أصبّ الفضّة وأحياناً الذهب في القالب، لذا فإنّ كلّ قطعة هي نسخة طبق الأصل من ورقة زيتون، أقوم لاحقاً بتصميم شكل العقد أو السوار أو الخاتم، وأدخل بعض الأحجار الكريمة وأحياناً الخرز الملوّن، لقطع أقلّ ثمناً، لتناسب مختلف الميزانيات".
لاقى أسلوب ناديا صدى عربياً ودولياً، حين تشارك في معارض خارج فلسطين، وفي كلّ مرة تشرح عن عملها تحكي حكاية أشجار فلسطين الجميلة، التي، رغم محاولات الاحتلال الاسرائيلي اقتلاعها، إلا أنها تجد سبيلاً لتغرس في وجدان أهلها وقلوبهم.