لم يأت إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن عزمه سن قانون أساسي يكرس إسرائيل دستورياً، دولة الشعب اليهودي، مصادفة أو عبثياً. ويُشكّل اعلان "بيبي"، استمراراً طبيعياً للخط الفكري الذي يحمله نتنياهو، وشرطه التعجيزي الذي حاول عبره، على مدار مفاوضات الأشهر التسعة الفاشلة، تبرير نفسه وحكومته، ورمي الكرة في الملعب الفلسطيني وتحميل السلطة مسؤولية فشل المفاوضات.
ومع أن الكنيست الاسرائيلي لن يعود إلى مزاولة عمله إلا قبل أسبوعين، غير أن نتنياهو سبق وزرائه في الحكومة، الذين شكّلوا له طيلة الأشهر الماضية "غطاءً يبرر فيه تعنته وتنصله من الاستحقاقات التفاوضية"، ليرفع سقفه أمام الإدارة الأميركية.
وأبدت الإدارة بدورها في مراحل مختلفة، وفي أكثر من مناسبة، تفهمهما لاعتباراته الداخلية. وقد دفع ذلك بوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في مرحلة المفاوضات الأخيرة، إلى طرح صفقة الجاسوس الأميركي اليهودي، جوناثان بولارد، كجزء من حلّ.
صفقة بولارد أفشلها أيضاً أقطاب اليمين المعارض في حكومة نتنياهو بإنذارات مختلفة بالانسحاب من الحكومة، حتى قبل أن يفجر قرار وزير الإسكان من حزب نفتالي بينيت (البيت اليهودي)، أوري أرئيل، الصفقة كلياً بإعلان مناقصة لبناء مئات الوحدات السكنية قبل ساعات من توقيع الصفقة، وهو ما دفع بالقيادة الفلسطينية إلى التوقيع على طلب الانضمام لـ15 اتفاقية دولية.
ولأن إسرائيل لا تملك، وفق المقولة المأثورة عن وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، في سبعينيات القرن الماضي، سياسة خارجية بل تحركها السياسة الداخلية للأحزاب وقادتها، لكون القضايا الرئيسية والخارجية متّفق عليها بشكل تام ولم تشهد إسرائيل تغييراً ولو مرة واحدة في سياستها الخارجية بفعل تغيير هوية الحزب الحاكم، فإن إعلان نتنياهو، موجه بالأساس في هذه الحالة، إلى الجمهور الإسرائيلي بشكل عام، وإلى جمهور اليمين على نحو خاص، قبل أيام من استعداد إسرائيل للاحتفالات بالذكرى السنوية لإعلان استقلالها.
وكما جاء إعلان نتنياهو مدفوعاً بالاعتبارات الداخلية للسياسة الحزبية في إسرائيل، فإن رد وزير العدل، تسيبي ليفني، يحمل الدوافع ذاتها، ولكن لجهة تبرير بقائها في الحكومة من جهة، والقول إن بقاء حزبها حتى بعد انهيار المفاوضات، له ما يبرره وهو الآن "حماية القيم الديمقراطية لإسرائيل ورفض تغليب القيم اليهودية"، مع إدراك ليفني أن تصريحاتها لا تتعدى كونها معسول الكلام.
ويدرك الثنائي نتنياهو وليفني، أن أي قانون يسنه في هذا المضمار، وإن بقي "مبدئيا" شأناً داخلياً، إلا أنه لن يكون بمقدور نتنياهو أن يطلب مثلاً بعد سن القانون، من الدول التي تعترف بإسرائيل وتقيم معها علاقات دبلوماسية، وخاصة مصر والأردن، العودة إلى الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية أو إلغاء اتفاقيتي السلام مع البلدين المذكورين.
ومع أن نتنياهو حاول في إعلانه نسب الحاجة إلى القانون لمواجهة "من يرفضون الاعتراف بهذا الحق الطبيعي، ويسعون إلى التشكيك وضرب الأسس التاريخية والقانونية والأخلاقية لوجود إسرائيل، باعتبارها الدولة القومية لشعبنا. وأنا أعتبر أن أحد المهام الأساسية لي كرئيس حكومة هي تحصين مكانة إسرائيل كدولة قومية لشعبنا"".
وتُعزّز خطوة نتنياهو الاعتقاد بأنه يعتزم على مدار الدورة الصيفية للكنيست تغذية "الخطاب القومي" وتكريسه لتعزيز مكانته داخل "الليكود" أولا، وباعتباره الزعيم الطبيعي والوحيد لمعسكر اليمين الإسرائيلي، القادر على مواجهة العرب والغرب والضغوط الدولية، وكرد على رفض الجانب الفلسطيني الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، خصوصاً وأن هذه هي الولاية الثالثة لنتنياهو، وكان بمقدوره دائماً تمرير مثل هذا القانون، حتى ولو كلفه ذلك مواجهة محكمة العليا الإسرائيلية، التي سبق لها أن شطبت بعض القوانين "العنصرية" وطعنت في شرعيتها.
مع ذلك يبقى لإعلان نتنياهو هذا تداعيات خطيرة على مستقبل الحراك والنشاط السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، في حال تضمن القانون في بنوده التي لم تعلن بعد، شرط الاعتراف بالحق التاريخي لإسرائيل كدولة يهودية، وبأثر رجعي كمدخل للأحزاب العربية وبوابة للعبور منها إلى المشاركة في انتخابات الكنيست، وهو ما قد يضع هذه الأحزاب اليوم أمام امتحان واضح أن قائمتين على الأقل، هما التجمع الوطني الديمقراطي، والقائمة العربية الموحدة، سترفضان الخضوع له والتسليم بهذا الشرط وقد يدفع بهما إلى العزوف عن المشاركة في انتخابات الكنيست، خلافا للحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذي وقع مؤسسه، مئير فلنر، على وثيقة استقلال إسرائيل، والتي أعلنت عن "إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل".
نصّ القانون
ومع أن نتنياهو لم يفصح عن بنود القانون المزمع تشريعه، إلا أن القناة الثانية أشارت إلى أن الحديث يدور عن قانون سبق وأن قدمه رئيس الائتلاف الحكومي، يريف لفين (من الليكود) وأييلت شاكيد (من حزب البيت اليهودي)، وهو قيد الدراسة في لجنة خاصة ترأسها ليفني. وينض هذا القانون في بنده الأول على (أ) "دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي، وفيها يحقق تطلعاته بتقرير المصير وفق تراثه الثقافي والتاريخي
. (ب) "أن الحق في تقرير المصير القومي في إسرائيل هو خالص للشعب اليهودي".
(ج) "إن أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي ومقر إقامة دولة إسرائيل".
أما المادة الثانية من القانون فتقول: هدف هذا القانون هو (1) تعريف هوية إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي ، (2) تكريس في قانون اساسي قيم بروح المبادئ التي وردت في إلان استقلال إسرائيل. (3) إسرائيل دولة ديمقراطية.
ومع ذلك ليس واضحاً بعد نص القانون أو البنود التي سيوردها نتنياهو في قانونه، لا سيّما وأن النص يربط بشكل كبير بين "قيم الديمقراطية" وبين حلم آباء إسرائيل، ناهيك عن اعتبار الشريعة اليهودية مصدر إلهام لتشريع القوانين في إسرائيل.