لا يكلّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في السنوات الأخيرة من التلويح بالمحرقة النازية "الهولوكوست"، في كل مرة يسعى فيها إلى تبرير الاحتلال وجرائمه وتهرّبه من الاستحقاقات التفاوضية.
وفور صدور قرار محكمة العدل الأوروبية بشطب حركة "حماس" من قائمة الإرهاب، يوم الأربعاء الماضي، عاد نتنياهو، لاستنهاض عقدة الذنب الأوروبية، عندما أعلن أن "النفاق الأوروبي في القرار المذكور، يبين أن أوروبا لم تتعلم الدرس من قتل 6 ملايين يهودي خلال الحرب العالمية الثانية، وها هي تبرئ حماس"، التي وصفها بـ"الإرهابية وبأنها تدعو لإبادة إسرائيل".
وعلى الرغم من أنّ هذا الموقف كان متوقعاً من الرجل الذي اشتهر في إسرائيل منذ كان مندوباً لها في مجلس الأمن في ثمانينات القرن الماضي، إلا أن تصريحات نتنياهو يوم الأربعاء كانت موجهة بالأساس للإسرائيليين.
ويسعى الأخير إلى توظيف كل حالة وكل موقف مناهض لإسرائيل واحتلالها، باعتباره دليلاً على أن حكومته تواجه حملة دولية، وليس فقط داخلية، لإسقاط الليكود من الحكم والمجيء بحكومة يسارية تقدم التنازلات تلو الأخرى.
ولذلك، لا تختلف تصريحات نتنياهو أول من أمس عن هذا السياق. كما أنها لا تشكل أي خروج عن خطه الدعائي، الذي يسعى من خلاله، كما فعل أكثر من مرة في خطاباته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في الأعوام الأخيرة، إلى إعادة رسم صورته باعتباره رئيس الحكومة الذي يسكنه هاجس واحد هو ضمان أمن "الشعب اليهودي" ومنع تكرار "محرقة جديدة". فقد استنفد نتنياهو توظيف المحرقة في الشأن الإيراني، وعاد إلى اتباع السيناريو نفسه مجدداً أول من أمس للرد على منتقديه وعلى من "يعولون" ويخافون من "المقاطعة الأوروبية والدولية لإسرائيل".
ويسعى نتنياهو من وراء هذه الدعاية إلى تبرير رفضه وإفشاله لكل المساعي الدولية، مطمئناً إلى أن الضرب على وتر "المحرقة النازية"، وتشبيه أعداء إسرائيل الجدد من إيران وحتى "حماس" وحزب الله بـ"داعش" تارة وبالنازيين الجدد تارة أخرى، قادر على إخماد صوت منتقديه ليس في اليسار الإسرائيلي فحسب بل داخل أوساط في الوسط واليمين الإسرائيليين. وهي الأوساط التي تحذّر باستمرار من مغبة توظيف المحرقة النازية لاعتبارات نتنياهو السياسية الداخلية والحزبية، وكغطاء أمام المجتمع الدولي.
وخلافاً للمنطق الذي يفترض أن على نتنياهو أن يقلق من "التسونامي السياسي" الآتي من أوروبا والذي ينتظر إسرائيل في الأمم المتحدة، يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي كمن يبتهل لهذا التسونامي. وفي ظل إحجام الولايات المتحدة عن اتخاذ خطوة ضد إسرائيل، يبقى نتنياهو بحاجة إلى أدلة تدعم ادعاءاته المتكررة منذ حل حكومته بأن إسرائيل تواجه حملات داخلية وخارجية للتخلص من حكم "المعسكر القومي" الذي لا يأبه بمواقف العالم الخارجي، ويصرّ على ضمان مصالح إسرائيل وأمنها، وليس أدل على هذه الهجمة من قرارات البرلمان الأوروبي، ومحكمة العدل الأوروبية.
في المقابل، فإن توظيف نتنياهو لقدراته الخطابية والبلاغية الديماغوجية، تزيد من حيرة ومن قلة حيلة الوسط واليسار الإسرائيلي الصهيوني في أوجّ معركة انتخابية يجد فيها نفسه غير قادر على ذرف الدموع على مكانة إسرائيل الدولية وخسارتها لأصدقائها في أورويا.
فمثل هذا الموقف سيعزز موقف الشارع الإسرائيلي المعبأ أصلاً بمشاعر العنصرية الشوفينية والتطرف القومي أيضاً ضد أوروبا والغرب، ويجعله يعود إلى مقولة ديفيد بن غوريون التاريخية ضد الأمم المتحدة، بأنها لا شيء يذكر.