نحو استراتيجية فلسطينية بعد خطة أوباما
في 11 سبتمبر/أيلول الحالي، أعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، استراتيجية إدارته لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، معلناً عن تحالف دولي إقليمي تقوده واشنطن، لتنفيذ حربٍ تؤدي إلى القضاء على التنظيم. وهو تحالفٌ يحمل سمات خطرة، تقوده الولايات المتحدة التي لها أهداف ومطامع، ويأتي في أعقاب صراعات سياسية وعسكرية، ونزاعات عميقة، ضربت بنية دول المنطقة، ومتغيرات اجتماعية، وانحلال هياكل دول وسقوط أنظمة، وتهديد أخرى، وسقوط حدود، وانهيارات اقتصادية وتراجعاً في مستوى التنمية والخدمات. ويحمل هذا التحالف سمات خطرة أيضاً، لأن الإدارة الأميركية أعلنت أنه سيستمر ثلاثة أعوام، ما يعني مزيداً من الانهيارات والصراعات، من دون وجود احتمالات قوية لنجاح الأهداف أو تحققها. وبالتالي، نحن مقبلون على مزيد من الفوضى والصراعات الداخلية والانهيارات السياسية والأزمات الاجتماعية، والتحريض الطائفي والصراع المذهبي.
وسوف تنعكس استراتيجية أوباما على القضية الفلسطينية، وبالتالي، من المتوقع أن يتراجع الاهتمام الدولي بالقضية، وأن تتواصل الأزمات الداخلية الفلسطينية، وأن تمنع القوى المؤثرة المصالحة الفلسطينية، وستحاول الحكومة الصهيونية الاستفادة من التحالف الدولي، بالإساءة لقوى المقاومة الفلسطينية، واستهدافها مجدداً، ومحاولة الانتقام من قطاع غزة، ورفع وتيرة الملاحقة الأمنية والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والاعتداء على المقدسات ومحاربة الهوية الفلسطينية.
ومن المتوقع، أيضاً، تعرّض المجتمعات الفلسطينية في المنطقة لتهديدات متواصلة، خصوصاً في سورية ولبنان. في إطار التحالف الأميركي لمحاربة "الدولة الإسلامية"، لن تعطي الولايات المتحدة اهتماماً بحل القضية الفلسطينية، خصوصاً أن جهودها التي قادها وزير الخارجية، جون كيري، فشلت، ثم إن الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات رئاسية، واهتمامات دول المنطقة سوف تنصبّ على تثبيت أركان الأنظمة وقمع المعارضة وإنجاح التحالف الأميركي، ومواجهة المجموعات الإسلامية.
وينبغي أن توفر هذه المتغيرات الأرضية لموقف فلسطيني واضح، يقوم على قاعدة إدراك أبعاد التحالف الدولي الجديد، وآثاره على المنطقة، وحماية القضية الفلسطينية من الأخطار التي قد تلحق بها، بسبب هذا التحالف، وإبقاء فلسطين أولوية سياسية وشعبية، وحماية المقاومة من أي استهداف، وتجنب التنازلات السياسية تحت أي مبرر، وحماية مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين، وإبعاد القضية الفلسطينية عن الاختلالات السياسية الحاصلة في المنطقة، والنزاعات المحلية والإقليمية، والصراعات الطائفية والمذهبية.
من الخطأ فلسطينياً التعامل مع التطورات الناشئة عن التحالف الدولي الجديد بتجاهل أو استخفاف، أو بالاستمرار في سياسة التفرّد في القرار واحتكار المؤسسات، وتجاهل الإرادة الشعبية، ونتائج الصمود والتضحيات الفلسطينية في أثناء العدوان الصهيوني أخيراً على قطاع غزة، مع نتائجها السلبية على الكيان الصهيوني، والأضرار التي لحقت به، سياسياً وعسكرياً وداخلياً.
وتستدعي الاستراتيجية الفلسطينية المطلوبة اجتماع كل القيادات الفلسطينية، وإجراء حوار فلسطيني واسع، وإعادة بناء منظمة التحرير، وترتيب البيت الداخلي، وتفعيل الوثيقة الوطنية المشتركة "وثيقة الأسرى"، وحماية المقاومة، ووقف التنسيق الأمني والملاحقات الأمنية، وتحسين ظروف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسورية وحمايتهم، وإشراك مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين في القرار السياسي الوطني، وتفعيل دور حكومة التوافق، والتسريع في إعادة إعمار قطاع غزة وإغاثته، وتعزيز العلاقات مع الدول والقوى الإقليمية والعربية والإسلامية، خصوصاً الداعمة للمقاومة، وتطوير الأداء الإعلامي الفلسطيني على المستوى الدولي، واستثمار التضامن العالمي مع الفلسطينيين، وتخفيف الأزمات مع دول عربية، مثل مصر، على رغم ملاحظات كثيرة سلبية على أدائها.
وتتحمل القوى الفلسطينية الواعية والقيادات الفلسطينية الحكيمة، مسؤولية بذل جهد نوعي لحماية فلسطين والفلسطينيين وقضيتهم من تداعيات الاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة، وهذه مسؤولية وطنية وشعبية أيضاً.