بعد مرور شهر على تشكيل "غرفة عمليات فتح حلب" التي تهدف إلى استكمال سيطرة قوات المعارضة على جميع مناطق سيطرة النظام السوري في حلب ومحيطها، لم يحصل أي تغييرات جذرية في خطوط الاشتباك، على الرغم من قيام قوات المعارضة، منذ تشكيل "فتح حلب"، بعدة هجمات عسكرية على مواقع قوات النظام ونقاط سيطرته في مدينة حلب وفي المناطق الجنوبية والشرقية والشمالية المتاخمة لها. تمكنت قوات المعارضة من خلال هذه الهجمات من تحقيق تقدم على عدد من جبهات القتال، غير أنّ التقدم الذي حققته في حلب وريفها لم يشكل انقلاباً جذرياً في خريطة السيطرة الميدانية منذ نحو ثمانية أشهر.
طرح تلكؤ قوات المعارضة في شن عملية عسكرية كبيرة وشاملة ضد قوات النظام في حلب، كما حصل في إدلب، تساؤلات جدية حول مدى قدرة المعارضة على حسم النزاع المستمر على حلب منذ صيف 2012، على الرغم من أنّ الحاضن الشعبي لقوات المعارضة في الشمال السوري عوّل كثيراً على استفادتها في حلب من الزخم الكبير الذي أنتجته انتصاراتها على قوات النظام في إدلب، الذي سبّب حالة من اليأس لدى مؤيدي النظام وعناصر قواته، الأمر الذي كان سيساعد قوات المعارضة لو تمكّنت من شن هجوم كبير وواسع على قوات النظام في حلب إبان معارك إدلب.
لكن خريطة التوزع الميداني المعقدة لقوات المعارضة في حلب وقتالها ضد قوات النظام وقوات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بالإضافة إلى الخلافات التي أنتجت انشقاقات بين فصائلها، ومن ثم نزاعات بينها، والخلافات حول مستقبل مدينة حلب والسلطة فيها، اجتمعت لتؤخر قيام قوات المعارضة بعمل عسكري كبير ونوعي يحسم معركة حلب لصالحها.
اقرأ أيضاً: خريف جيش النظام السوري وربيع المليشيات
تقاتل قوات المعارضة تنظيم "داعش" على طول خط يمتد من الحدود السورية التركية شمالاً إلى الغرب من بلدة دوديان، وصولاً إلى بلدة تل الجيجان قرب مدرسة المشاة العسكرية التي تعتبر أكبر نقاط تمركز قوات المعارضة في الشمال السوري على الإطلاق في خط اشتباك يزيد طوله على 35 كيلومتراً.
كما أنّ قوات المعارضة تقاتل قوات النظام شمال مدينة حلب على خطي اشتباك. الخط الأول يتاخم مناطق سيطرة النظام في بلدات سيفات وباشكوي وسجن حلب والمدينة الصناعية من الناحية الشمالية. ويتاخم الخط الثاني هذه المناطق وبلدة حندرات من الناحية الجنوبية. وتقاتل قوات المعارضة قوات النظام أيضاً على خط اشتباك طويل ومعقد في مدينة حلب، حيث تسيطر قوات المعارضة على أحياء مدينة حلب الشمالية والشرقية والجنوبية وعلى ضواحي مدينة حلب الغربية وأجزاء من ضواحيها الشمالية والجنوبية، في الوقت الذي تسيطر فيه قوات النظام على وسط مدينة حلب التجاري وعلى أحياء المدينة الغربية وأجزاء من أحيائها الجنوبية المتصلة بمناطق سيطرة النظام في ضواحي حلب الشرقية حيث تقع أكبر مراكز النظام المتبقية في الشمال السوري، المتمثلة بمطار حلب الدولي ومطار النيرب العسكري ومعامل وزارة الدفاع السورية والمستودعات الخاصة بالوزارة قرب مدينة السفيرة شرق حلب، التي تعد المدينة الوحيدة التي تسيطر عليها قوات النظام بريف حلب.
سيزيد هذا التعقيد الكبير الناتج من تداخل مناطق سيطرة قوات المعارضة وقوات النظام، من دون شك، من صعوبة قيام قوات المعارضة بعمل عسكري كبير يؤدي وبسرعة إلى إنهاء وجود قوات النظام في حلب، وبالتالي إنهاء وجوده في الشمال السوري.
اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تقطع طريق إمداد للنظام بريف حلب
كما أنّ طول أمد المواجهة العسكرية في حلب، المستمرة للعام الثالث على التوالي، أكسب قوات الطرفين خبرة عسكرية كبيرة في حرب الشوارع، ومنحهما فرص كافية لبناء خطوط دفاع عسكرية متمثلة بمتاريس ضخمة وعمليات رصد بأجهزة مراقبة وتصوير وإنذار متطورة، ونشر للقناصين وتفخيخ لخطوط الاشتباك. تجتمع هذه العوامل كلّها، لتجعل تقدم أحد الطرفين على حساب الآخر في مدينة حلب قريباً شبه مستحيل من دون تغير جوهري في إمكانات أحد الطرفين.
يضاف إلى ذلك، أن تنفيذ خطط قوات المعارضة الرامية لحسم معركة حلب، يواجه خلافات تصاعدت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة بين فصائل المعارضة بحلب، إذ تفكّكت "الجبهة الشامية" التي كانت تعدّ حتى مطلع العام، تجمّع أكبر فصائل المعارضة في حلب، بعد عدة انسحابات من صفوفها في منتصف الشهر الماضي. ونشأت نزاعات بين الفصائل المنضوية في الجبهة حول ملكية العتاد العسكري والمسؤولية على نقاط الرباط المشتركة بين قوات النظام، لتتدخل فصائل أخرى في وساطات وتتدارك معظم النزاعات. كما أنّ نزاعات أخرى نشأت مؤخراً بين مختلف فصائل المعارضة في حلب حول مناطق نفوذ وسيطرة، ليزيد ذلك من المشاكل في صفوفها، التي حاولت منذ شهر تجاوز خلافاتها بتشكيل "غرفة عمليات فتح حلب" التي ضمت عشرين فصيلاً، تعد الأكبر في حلب وريفها بهدف التنسيق فيما بينها تحضيراً لحسم معركة حلب.
وكان لافتاً في تشكيل "فتح حلب" غياب جميع الفصائل المصنّفة أميركياً على لائحة الإرهاب، على رأسها "جبهة النصرة"، على عكس تشكيل "جيش الفتح" في إدلب الذي كانت جبهة النصرة والكتائب المؤلفة من مقاتلين أجانب، المتحالفة معها، عنصراً أساسياً في تشكيله.
اقرأ أيضاً: "داعش" بعد تدمر باتجاه مناطق المعارضة السورية المسلحة
مشكلة أخرى وقفت عائقاً أمام قوات المعارضة لتنفيذ مساعيها في إكمال السيطرة على حلب. بدأت خلافات كبيرة تظهر بين الفصائل في "الغرفة" حول الميثاق الذي تم الاتفاق على تنفيذه، في حال تمكّنت من الانتصار في حلب. تؤكد مصادر خاصة مقربة من قيادة "غرفة عمليات فتح حلب" لـ"العربي الجديد" أنّ "هناك خلافات بين فصائل المعارضة في حلب حول تشكيل ومهام الجهاز الأمني الذي سيناط به ضبط الأمن وحماية الممتلكات الخاصة والعامة في حلب، وحول كيفية التعامل مع مؤيدي النظام وعناصر مليشياته المحلية، وغير ذلك من القضايا التي ستطفو، عندما تبسط قوات المعارضة سيطرتها على كامل حلب".
على الجانب الآخر، تسعى قوات النظام منذ بدء خسائرها العسكرية الكبيرة في إدلب لصالح قوات المعارضة، وفي البادية السورية لصالح "داعش"، إلى توجيه ضربات استباقية ضد قوات المعارضة في حلب، إذ تؤخر هذه الضربات هجوم قوات المعارضة المنتظر على مناطق سيطرة النظام في حلب بهدف السيطرة عليها.
وكان طيران النظام السوري، منذ شهر حتى اليوم، قد شنّ حملات قصف جوي عنيفة وكثيفة على مناطق سيطرة المعارضة في مدينة حلب وفي ريفها، ما تسبب بمقتل مئات المدنيين من سكان هذه المناطق، وبإلحاق خسائر بشرية في صفوف قوات المعارضة إثر قيام طائرات النظام النفاثة باستهداف مقراتها العسكرية في مدينة حلب.
وعلى الرغم من ذلك، تمكّنت قوات المعارضة في الأيام الأربعة الأخيرة من تحقيق تقدم ملحوظ على جبهات القتال في حلب ومحيطها، تمثّل بالسيطرة على منطقة المعامل في بلدة حندرات شمال حلب، لتتمكن من رصد طريق إمداد قوات النظام من بلدة حيلان إلى سجن حلب لكن من دون أن تتمكن من قطعه. كما تمكنت من التقدم جنوب حلب، انطلاقاً من بلدة عزيزة، لتسيطر على عقدة الشيخ سعيد، الراموسة الطرقية، لتقترب أكثر من طريق إمداد قوات النظام الوحيد إلى مناطق سيطرته في حلب والذي يمر أمام مدرسة المدفعية في الراموسة جنوب حلب.
كذلك تمكنت قوات المعارضة أيضاً من السيطرة على قريتين صغيرتين واقعتين إلى الغرب من بلدة خناصر جنوب حلب، لتقترب من خط إمداد قوات النظام السوري الوحيد إلى حلب، الممتد من مدينة حماة نحو مدينة سلمية، ثم بلدة خناصر وصولاً إلى حلب.
تنتظر قوات المعارضة أن تتجاوز خلافاتها أولاً قبل أن تتورط في هجوم كبير على مناطق سيطرة النظام بحلب، قد يؤدي، في حال فشله، إلى اشتداد شوكة النظام في حلب، وبالتالي تأخير حسم السيطرة على الشمال السوري. كما أنّ المطلوب حلّ الإشكاليات المتعلقة بمستقبل إدارة مدينة حلب، كي لا تدخل فصائل المعارضة في نزاعات بعد سيطرتها على المدينة، فتذهب كل جهودها هباء، فاسحة المجال لسيطرة "جبهة النصرة" على المدينة، الأمر الذي سيكون له نتائج مشابهة لسيطرة "داعش" على الرقة مطلع العام الماضي.
اقرأ ايضاً: المعارضة السورية أمام تحدي إدارة إدلب