06 نوفمبر 2024
نصيب ترامب من معضلة إيران
منذ الثورة التي جاءت بنظام الجمهورية الإسلامية، عام 1979، شغلت مسألة استعادة إيران كل الإدارات الأميركية بدون استثناء، ولكل منها معها تجربتها. في عهد الرئيس كارتر (1977-1981) أساءت الولايات المتحدة تقدير حجم المعارضة لنظام الشاه، وخسرت من ثم إيران التي كانت، حتى ذلك الوقت، أهم حلفائها في الشرق الأوسط، لا تبزّها أهمية سوى إسرائيل. حاول كارتر إنقاذ العلاقة مع إيران، بعدما تيقن من استحالة إنقاذ الشاه، لكن الصراعات التي دارت بين قوى الثورة حالت دون ذلك. كما لعب الخوف من انقلاب عسكري شبيهٍ بانقلاب الجنرال زاهدي الذي رتبته المخابرات الأميركية ضد حكومة مصدق عام 1953 دورا في زيادة الشكوك، عززتها الوثائق التي عثر عليها لدى اقتحام السفارة الأميركية في طهران. حاولت إدارة ريغان (1981-1989) استعادة إيران، انطلاقا من التفاهم الذي عقدته حملته الرئاسية مع نظام الثورة، ومفاده مساعدة ريغان على الفوز في انتخابات الرئاسة ضد كارتر، من خلال تأخير إطلاق سراح رهائن السفارة إلى ما بعد انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 1980، في مقابل استئناف صادرات الأسلحة الأميركية، بموجب عقود تم التوصل إليها في عهد الشاه، وخصوصا أن الحرب مع العراق كانت قد انطلقت في سبتمبر/ أيلول 1980.
في بداية تلك الحرب، مالت إدارة ريغان إلى إيران، على اعتبار أن خصمها هو العراق، حليف الاتحاد السوفييتي، أو إمبراطورية الشر، بحسب ريغان. وقد استبشرت واشنطن بمواقف طهران المعارضة للغزو السوفييتي لأفغانستان، وكذلك بحكم المعمّمين في طهران، شديدي الشبه بعمائم المجاهدين في أفغانستان، في ذروة تحالفها مع التيارات الإسلامية المعادية للاتحاد السوفييتي. استمرت صادرات الأسلحة الأميركية بالتدفق إلى إيران طوال عامي 1981-1982، وساهمت في قلب مجريات الحرب مع العراق، بحسب تقرير لجنة تاور التي شكلها الكونغرس عام 1986، للتحقيق في علاقات إدارة ريغان بإيران. وفي 1983، مرّرت المخابرات الأميركية إلى حكومة الخميني أسماء أكثر أنصار حزب تودة الشيوعي في الجيش والإدارة المدنية، وتم على أثرها اعتقالهم وإعدامهم، في حملة تطهيرٍ كانت الأعنف منذ تصفيات عام 1980. في عام 1985، توصلت واشنطن وطهران إلى اتفاقية جديدة، تطلق بموجبها طهران سراح الرهائن الأميركيين الذين كان يحتجزهم حزب الله في لبنان، في مقابل حصولها على سلاح أميركي عن طريق إسرائيل يتم تحويل ثمنه إلى مقاتلي "الكونترا" في نيكاراغوا. ولكن إدارة ريغان نفضت يديها تماما من إيران، بعد انكشاف أمر الصفقة، لا بل دخلت في مواجهة عسكرية معها في إبريل/ نيسان 1988، عندما تعرّضت المدمرة الأميركية، صموئيل روبرت، لانفجار كبير تسبب به لغم بحري إيراني، وقد خسرت إيران نصف أسطولها البحري في تلك المواجهة.
لم يطرأ تطور كبير على علاقة واشنطن بطهران في عهد بوش الأب (1989-1992)، لكن إدارة كلينتون (1993-2001) قرّرت تشديد الخناق عليها، في إطار سياسة "الاحتواء المزدوج" لها وللعراق، لمنع تحرّكهما ضد محاولاتها إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي. فرضت إدارة كلينتون أشد العقوبات على إيران، بموجب قانون داماتو لعام 1995، وحظرت كل أشكال التجارة معها. ولم تفلح رسائل الغزل المتبادل بين الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، وإدارة الرئيس كلينتون التي أقرّت وزيرة خارجيتها مادلين أولبرايت، بأخطاء ارتكبتها واشنطن عندما ساعدت في إطاحة مصدق عام 1953، لم تفلح في تحقيق اختراق. كما لم تنجح المساعدة التي قدمتها طهران لواشنطن في إطاحة حكم طالبان (2001) وحكم الرئيس صدام حسين (2003) وعرضها تسليم برنامجها النووي بعد ذلك، في إحداث اختراق أيضا في عهد الرئيس بوش الابن (2001-2009).
حصل الاختراق الفعلي في عهد أوباما (2009-2016) لدى التوصل إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي، باعتباره شرطا لازما لتطبيع العلاقات مع واشنطن. ولكن هذا الإنجاز سقط، وعادت العلاقات إلى مربعها الأول، مع وصول ترامب إلى السلطة. ولكن هذا التغيير لم يأت نتيجة تحول في تفكير المؤسسة الحاكمة في واشنطن حول أهمية استعادة طهران، بعد أربعة عقود على خسارتها، بل بسبب مواقف ترامب الشخصية من أوباما، ومحاولاته الحصول على اتفاقه الخاص الذي يجعله صاحب الفضل في استعادة طهران. هل ينجح ترامب في ما فشل فيه أسلافه؟ ننتظر ونرى.
في بداية تلك الحرب، مالت إدارة ريغان إلى إيران، على اعتبار أن خصمها هو العراق، حليف الاتحاد السوفييتي، أو إمبراطورية الشر، بحسب ريغان. وقد استبشرت واشنطن بمواقف طهران المعارضة للغزو السوفييتي لأفغانستان، وكذلك بحكم المعمّمين في طهران، شديدي الشبه بعمائم المجاهدين في أفغانستان، في ذروة تحالفها مع التيارات الإسلامية المعادية للاتحاد السوفييتي. استمرت صادرات الأسلحة الأميركية بالتدفق إلى إيران طوال عامي 1981-1982، وساهمت في قلب مجريات الحرب مع العراق، بحسب تقرير لجنة تاور التي شكلها الكونغرس عام 1986، للتحقيق في علاقات إدارة ريغان بإيران. وفي 1983، مرّرت المخابرات الأميركية إلى حكومة الخميني أسماء أكثر أنصار حزب تودة الشيوعي في الجيش والإدارة المدنية، وتم على أثرها اعتقالهم وإعدامهم، في حملة تطهيرٍ كانت الأعنف منذ تصفيات عام 1980. في عام 1985، توصلت واشنطن وطهران إلى اتفاقية جديدة، تطلق بموجبها طهران سراح الرهائن الأميركيين الذين كان يحتجزهم حزب الله في لبنان، في مقابل حصولها على سلاح أميركي عن طريق إسرائيل يتم تحويل ثمنه إلى مقاتلي "الكونترا" في نيكاراغوا. ولكن إدارة ريغان نفضت يديها تماما من إيران، بعد انكشاف أمر الصفقة، لا بل دخلت في مواجهة عسكرية معها في إبريل/ نيسان 1988، عندما تعرّضت المدمرة الأميركية، صموئيل روبرت، لانفجار كبير تسبب به لغم بحري إيراني، وقد خسرت إيران نصف أسطولها البحري في تلك المواجهة.
لم يطرأ تطور كبير على علاقة واشنطن بطهران في عهد بوش الأب (1989-1992)، لكن إدارة كلينتون (1993-2001) قرّرت تشديد الخناق عليها، في إطار سياسة "الاحتواء المزدوج" لها وللعراق، لمنع تحرّكهما ضد محاولاتها إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي. فرضت إدارة كلينتون أشد العقوبات على إيران، بموجب قانون داماتو لعام 1995، وحظرت كل أشكال التجارة معها. ولم تفلح رسائل الغزل المتبادل بين الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، وإدارة الرئيس كلينتون التي أقرّت وزيرة خارجيتها مادلين أولبرايت، بأخطاء ارتكبتها واشنطن عندما ساعدت في إطاحة مصدق عام 1953، لم تفلح في تحقيق اختراق. كما لم تنجح المساعدة التي قدمتها طهران لواشنطن في إطاحة حكم طالبان (2001) وحكم الرئيس صدام حسين (2003) وعرضها تسليم برنامجها النووي بعد ذلك، في إحداث اختراق أيضا في عهد الرئيس بوش الابن (2001-2009).
حصل الاختراق الفعلي في عهد أوباما (2009-2016) لدى التوصل إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي، باعتباره شرطا لازما لتطبيع العلاقات مع واشنطن. ولكن هذا الإنجاز سقط، وعادت العلاقات إلى مربعها الأول، مع وصول ترامب إلى السلطة. ولكن هذا التغيير لم يأت نتيجة تحول في تفكير المؤسسة الحاكمة في واشنطن حول أهمية استعادة طهران، بعد أربعة عقود على خسارتها، بل بسبب مواقف ترامب الشخصية من أوباما، ومحاولاته الحصول على اتفاقه الخاص الذي يجعله صاحب الفضل في استعادة طهران. هل ينجح ترامب في ما فشل فيه أسلافه؟ ننتظر ونرى.